الأحد، 19 أغسطس 2012

يوم القدس العالمي في الميزان



شكل يوم القدس العالمي ومنذ سنوات مناسبة للكثيرين من أجل مهاجمة إيران والشيعة، مثلما كانت مناسبة لآخرين من أجل إعلان تضامنهم مع القدس وتأكيدًا على إسلاميتها وعروبتها؛ إلا أن الانتقادات في هذا العام ارتفعت وتيرتها بشكل لافت للنظر، بحكم الموقف الإيراني (والشيعي عمومًا) المخزي والداعم للنظام الأسدي في قمع شعبه واضطهاده.

وإذا كانت القيادة الإيرانية الحالية بقيادة نجاد تحديدًا، وقيادة حزب الله، تتحمل مسؤولية انحدار الاستقطاب الطائفي وتشويه صورة المقاومة وكل ما يرتبط بها، بفضل الخطأ التاريخي الذي ارتكبوه وهو الوقوف إلى جانب النظام السوري حتى النهاية مهما حصل، إلا أنه من المحظور في رأيي أن تصبح القدس ويصبح المسجد الأقصى مادة للسجال الإعلامي وللنزاع السياسي.

سأتناول الموضوع من عدة زوايا حتى تصل وجهة نظري بالشكل المطلوب:

أولًا، صحيح أن يوم القدس وتحديده بالجمعة الأخيرة من رمضان هي فكرة الخميني؛ إلا أنها خرجت عن هذا الإطار (إلى حد ما) وأصبحت مناسبة عامة من أجل نصرة القدس، وأصلها "الخمينيّ" لا يضر، فالمهم رسالتها وما تمثله.

وهنا أريد الاستدلال بأمرين من الشريعة الإسلامية: فالسعي بين الصفا والمروة كان من شعائر الجاهلية، وكان هنالك صنمين عند الصفا والمروة يسعى الناس بينهما، مع ذلك فعندما جاء الإسلام لم يلغ السعي وأبقى عليه (طبعًا مع تحطيم الأصنام)، ونزل قوله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم  ( 158 )" سورة البقرة.

والأمر الآخر هو ما روته أم المؤمنين عائشة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم" (رواه البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد، واللفظ للبخاري)، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يريد هدم الكعبة وبناءها على أساس إبراهيم عليه السلام، لكنه أبقى على البناء الذي بني في العصر الجاهلي مراعاة لحداثة عهد الناس بالإسلام.

فإن كان قبول الأصل الجاهلي لبعض شعائر الحج أو بناء الكعبة، وهي أمور في صميم العقيدة الإسلامية، ما دامت لا تتعارض مع أصول الإسلام والشرع، أفلا يمكن أن نقبل أحياء مناسبة يوم القدس بالرغم من أصولها الشيعية، ما دامت تهدف لخدمة هدف سام؟ فلا يوم القدس من صلب عقيدة وعبادة المسلمين، ولا الشيعة بكفر المشركين.

ثانيًا، لعل الاعتراض الأقوى على يوم القدس العالمي هو أن إيران تستغله من أجل تلميع نفسها، وهذا صحيح وواقع وبين، وفي ظل الاستقطاب الطائفي الحاصل فهو أكثر ظهورًا وبروزًا، لا ننكر وجود هذا الاستغلال.
لكن هل التصدي للاستغلال يكون من خلال الدعوة لمقاطعة الحدث؟ لماذا لا يكون من خلال تنظيم حدث نثبت أننا أحرص من إيران والشيعة على القدس والأقصى؟ أليس هذا أقوى وأبلغ من أن نبدو وكأننا نهاجم يوم القدس؟

وهنا أشير إلى تنظيم مسيرة القدس العالمية في 31/3/2012م وهي فكرة مستوحاة من الربيع العربي، وتفوقت على يوم القدس العالمي من خلال تطوير الفكرة لتكون مسيرات زاحفة نحو الحدود مع فلسطين (مع تفادي أخطاء مسيرات العودة)، وما ينقصها هو تحولها لحدث سنوي أو بداية لسلسلة أحداث منهجية. وهنا أستذكر أنه كانت هنالك أصوات نشاز هاجمت مسيرة القدس العالمية واتهمتها بالتشبه بيوم القدس العالمي، أيعقل أن ننحدر إلى هذه المستويات؟ مثل هذه الأصوات تخدم إيران والشيعة بحيث تصورهم وكأنهم الوحيدون الحريصون على القدس والأقصى وهو غير صحيح.

وحتى أوصل الفكرة بشكل أفضل أستحضر الانتفاضة الأولى، حيث كانت أحد الوسائل الكفاحية هي الإضرابات العامة، ولما كانت فصائل منظمة التحرير مجتمعة تحت مظلة القيادة الوطنية الموحدة وكانت حماس والجهاد يعمل كل منهما لوحده، فلم يكن هنالك إجماع على أيام الاضرابات العامة، فكان للقيادة الموحدة إضراب في اليوم التاسع من كل شهر، وحماس في اليوم الثامن، والجهاد في اليوم السادس.

لم يحصل أن دعت حماس لعدم الإضراب في أيام الآخرين، ولا العكس، لأن مجرد الدعوة لعدم الإضراب كان (في ذلك الوقت) جريمة وخيانة، فلإثبات الذات كان كل طرف يعلن الإضراب الخاص به أو يوم التصعيد الخاص به، ويترك الآخرين ليعملوا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وفي حين أن الاضرابات كانت ترهق المواطن الفلسطيني وكان هنالك تذمر من التشرذم الفصائلي، إلا أن القدس لا يضرها أن يوجد أكثر من يوم وأكثر من نشاط، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

ثالثًا، الدعوة لمقاطعة يوم القدس العالمي وعدم الاعتراف به، يرسل رسائل ملتبسة ويهبط بالقدس من مكانة الإجماع الإسلامي والعربي، ليصبح موضوعًا للمناكفة، فالعقل اللاوعي للناس لا يستقبل تفاصيل التنظير المعارض بل يستقبل العناوين العريضة "لا نريد يوم القدس".

وهكذا تصبح القدس وتبعيتها لليهود مسألة فيها وجهات نظر متعددة، وتصبح مادة للمناكفات، وإن سمحنا لأنفسنا بالتشويش على غيرنا فنحن نشرعن للآخرين التشويش على أي نشاط أو دعوة لنا تخص القدس، ونشرعن لهم باتهامنا بالنفاق والتجارة بالقدس.

والقدس تتعرض اليوم لأعتى هجمة تهويد، والأقصى مهدد بالتهويد وقسمه بين المسلمين واليهود أكثر من أي وقت مضى، ومثل هذا الجدل بهذا الوقت يخدم الصهاينة أكبر خدمة، والماكنة الإعلامية الصهيونية لن تفوت الفرصة وستقول أن الأقصى ليس مكانًا مقدسًا لدى المسلمين وقدسيته مختلف عليها، وقد سمعت للصهاينة في ما سبق كلامًا مثل أن الأقصى هو ثالث أقدس مكان للمسلمين، بينما هو أقدس مكان لليهود، وبالتالي يجب أن يأخذه اليهود، فهم لا يوفروا شيء.

وهذا يذكرني بجدل عقيم يثور على صفحات الإنترنت حول قبة الصخرة، فعندما يقال أن قبة الصخرة ليست المسجد الأقصى بل هي جزء منه، الكثير وعلى طريقة "ولا تقربوا الصلاة" يأخذ بالجزء الأول، ويقول قبة الصخرة ليست المسجد الأقصى، وفي كل مناسبة يرى بها هؤلاء الناس صورة لقبة الصخرة في أي تقرير أو مقال، نجدهم تركوا كل شيء ونسوا كل شيء، همهم الوحيد استعراض المعلومة المنقوصة التي قرأوها هنا أو هناك، وإن علمنا أن الصهاينة يعتقدون أن الهيكل موجود تحت قبة الصخرة، فهم يستغلون مثل هذا الجدل العقيم ليقولوا أن قبة الصخرة ليست المسجد الأقصى باعتراف المسلمين أنفسهم.

وأخيرًا، بالنسبة لي لم أشارك يومًا في احتفالات يوم القدس العالمية، ولا أظنني سأشارك بها مستقبلًا، ففي النفس شيء منها، لكن لست مستعد لأن أكون حربة تحريض عليها، كما يحزنني أننا ننشغل بصراعات جانبية: مرة نناطح إيران والشيعة ولا نريدهم أن يكونوا أحرص منا على الأقصى، ومرة ننشغل بقبة الصخرة هل هي الأقصى أم جزء منها أم ليست منها، وننسى القضية الأم وننسى الخطر الداهم الذي يهدد الأقصى.

فلماذا لا نثبت أننا أحرص من إيران على الأقصى من خلال عمل نقوم به، لماذا لا ننافسهم ونتفوق عليهم، ولندع عملنا يتكلم عنا بدلًا من أن نتعب ألسنتنا ونستنزف طاقاتنا في مناكفات وتحريض متبادل؟

هناك تعليقان (2):

جيفارا فلسطين يقول...

دائما نلجاء الى مهاجمة ايران بسبب احياءها ليوم القدس العالمي... حتى ان اجانب من دول غربية شاركو بالمسيرات التي انطلقت العام الماضي بالمسيرة لماذا لا نهاجم العرب بسبب تقصيرهم باتجاه مقداستنا الهجوم على ايران وحزب الله ليس بسبب موقفهم من النظام السوري لانهم كانه يهاجمون ايران حتى قبل اندلاع الثورة السورية ودائما نجد الاسباب والمسوغات لنبرر هجومنا ضد غيرنا ونحن لا نفعل شيئا هذة كلمة للزهار بمناسبة يوم القدس
http://arabic.farsnews.com/newstext.aspx?nn=9104254359

ياسين عز الدين يقول...

شكرًا لك، أغلب من يهاجمون يوم القدس هم بالأصل يكرهون إيران، لكن هنالك مجموعات انضمت لهم في ظل ما يحصل بسوريا.

نتمنى من الجميع تصحيح البوصلة.