تروي إحدى حكايات التراث الشعبي الفلسطيني قصة
الشيخ دبور، وهي عن اثنين من العواطلية (عاطلين عن العمل) كانا يتجولان بين القرى
يبحثان عن عمل، وبينما هما جالسين في أحد الحقول كان هنالك دبور يطير حولهما فقاما
بقتله، وأخذه أحدهما ودفنه في الأرض فجاءت في رأس الآخر فكرة.
قال له لماذا لا نبني هنا مقام ونتقاسم ما يضعه
الناس من نذور وأموال ونعيش بذلك أغنياء، فأعجب رفيقه بالفكرة وقاما ببناء مقام
وأسمياه بمقام الشيخ دبور، وأشاعا بين الناس أنه مقام مبارك وتستجاب الدعوات عنده،
وأصبحا يجمعان الأموال والطعام من المقام بالليل بعد أن يخلد الناس إلى النوم.
في أحد الأيام وعندما كانا يقتسما الغلة، اختلفا
فتجادلا وعلا صوتيهما، فصاح أحدهما: "والله والله لغير أخلي سيدنا الشيخ دبور
يسخطك"، فقال له رفيقه: "مين بده يسخطني؟ ما احنا دافنينه سوا."
طيب ما هو الرابط العجيب بين هذه القصة وبين
الثورة السورية؟ حسنًا لفت نظري في الآونة الأخيرة ظاهرة المتسلقين على ظهر الثورة
السورية، والذين يسيئون للثورة السورية ولصورتها ولأهل سوريا، بل أن بعضهم ليسوا
مجرد متهورين يتصفون بالرعونة بل يعملوا من أجل خدمة مصالح محددة لبعض الأنظمة
العربية المستبدة.
يستغل أولئك المتسلقون والمتاجرين بمعاناة الشعب
السوري حالة التعاطف واسعة النطاق بين العرب والمسلمين والعالم كله مع الشعب
السوري ومعاناته وتضامنهم مع ثورته، واستعداد الكثير لتحمل تهجمات لفظية وعصبية
الكثير من ثوار السوري، باعتبار أنهم يعانون كل يوم وتسفك دماؤهم ولن نستكثر عليهم
تفريغ الشحنات العصبية.
لكن ما يحصل عمليًا أن أولئك المتسلقين يستغلون
حالة التعاطف من أجل تمرير رسائل سياسية خدمة لجهات لا علاقة لها بالثورة ولصالح
أنظمة مكروهة، ومن أجل تصفية حسابات سياسية ضيقة بين فئات مختلفة أو حتى من أجل
تحصيل منافع شخصية للمتكلم.
وبما أننا كفلسطينيين سبقنا الشعب السوري
بالمعاناة منذ أكثر من 65 عامًا، فإن فئة تجار القضية الفلسطينية معروفة لنا
جيدًا، وكل قصصها وخباياها والتي هي أكثر احترافية من تجار الثورة السورية بحكم
الخبرة الطويلة نعرفها جيدًا، ونجد أعمال نصب مالي وسياسي تمارس باسم القضية
الفلسطينية، ونجد تنظيمات سياسية فلسطينية بأكملها تتبع أجهزة مخابرات عربية (وهي
ظاهرة موجودة منذ الستينات).
لقد أساءت هذه الفئة لصورة الشعب الفلسطيني في
الكثير من الأماكن والمواقف وربما خلطت الأمور على الكثير من المتعاطفين مع الشعب
الفلسطيني، وحولت بعضهم إلى صف كارهي الشعب الفلسطيني.
لذلك من الصعب أن تمر علي قصة "تحملوهم
فإنهم يعانون ومن يده بالنار ليست مثل من يده بالماء"، فـ"احنا دافنينه
سوا"، وأزعم أني أملك القدرة على التمييز بين المتاجر بقضية ومعاناة شعب وبين
من يعبر حقيقة عن هذه الآلام والمعاناة.
لذلك من الضروري أولًا أن يتمايز ثوار سوريا عن
هؤلاء الطفيليات والمتسلقين والمتهورين، وأن يضعوا حواجز بينهم لأنهم يضرون صورتهم
أولًا وأخيرًا، ومن الضروري ثانيًا أن يدرك المتابع العربي والمسلم أن زعم المرء
بأنه ثائر سوري أو ناطق باسمهم لا يعني أنه صادق أو ملاك منزل من سبع سماوات،
مثلما أن الكثير من تجار القضية الفلسطينية يزعمون أنهم مقاومون وفدائيون ومطلوب
رأسهم، فيما تجد الواحد منهم المطبع رقم واحد.
الشعب السوري مثل الشعب الفلسطيني فيهم الشريف
وفيهم غير الشريف، والثائر السوري مثل المقاوم الفلسطيني فيه الوطني الصادق وفيه
الانتهازي المتسلق وفيه الدعي الكاذب وفيه الصادق الأرعن المتهور، (اسألوني أنا
فإحنا دافنين الشيخ دبور سوا :) ) فيه أصناف كثيرة من الناس، لذا فلنكن على حذر ولا نصدق كل ما
يقال وليكن ميزاننا "يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق