الجمعة، 6 أبريل 2012

في ضوء انتخابات جامعة بيرزيت: الناس تحب القوي الأمين أكثر من حبها للمسكين المظلوم


شكل الراحل نجم الدين أربكان أول حكومة يترأسها إسلامي في تركيا عام 1996م لم تستمر لأكثر من عام، حيث أجبره العسكر على الاستقالة، ليحل بعدها حزب الرفاه ويسجن أربكان وعدد من قادة حزبه ومن بينهم رجب طيب أردوغان، وبالرغم من تأسيسه حزبًا جديدًا (حزب الفضيلة)، إلا أنه خسر انتخابات عام 1999م وحل في مرتبة متأخرة.

وقام بعدها أردوغان بالانشقاق عنه وأسس حزب العدالة والتنمية وفاز بالانتخابات وكسر شوكة العسكر والعلمانيين إلى درجة مكنت حكومته من تقديم قائد انقلاب عام 1980م الجنرال كنعان إفرن إلى المحاكمة بالرغم من عمره الذي تجاوز 94 عامًا ومرور 32 عامًا على جرائمه، فيما كان مثل هذه الخطوة مجرد حلم بعيد المنال أيام أربكان.

الناس انتخبت أردوغان المرة تلو الأخرى، فيما عاقبت أربكان ولم تنتخبه، بالرغم من مظلوميته والتآمر عليه، وهذا لأن الناس تريد القوي الأمين، لا تريد القوي لوحده ولا الأمين لوحده.


وفيما اتبعت الكتلة الإسلامية في الضفة الغربية طوال السنوات الخمس الماضية سياسة الحرد ومقاطعة الانتخابات والابتعاد عن الأضواء، ظنًا من القائمين عليها أن المظلومية ستجلب تعاطف الناس معها وتنال دعمًا شعبيًا لطالما تمنته لكي يمكنها من إزالة الضغوط التي تمارسها عليها السلطة.

إلا أن الحصيلة الحقيقية لهذه الحقبة الكئيبة كان مزيدًا من الابتعاد عن الكتلة الإسلامية، وتجاهل آلامها وجراح أبنائها، ولم تزد السلطة ورجالها إلا قوة وشعبية، نظرًا لوجودهم الدائم على الأرض والميدان واحتكاكهم مع الناس، فيما كانت الكتلة منكفئة وحجتها القمع والاعتقال والتعذيب، بالرغم من أن هذه الأمور لم تغب يومًا عن واقع الكتلة طوال سنوات التسعينات وبدايات انتفاضة الأقصى، حيث كانت الكتلة ملاحقة من جهتين: الاحتلال والسلطة.

لا شك أن مبادرة الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت بالاعتصام الشهير، للمطالبة بإنهاء الاعتقال السياسي، وانتزاعها تعهدًا من الأجهزة الأمنية بوقفها، كان دافعًا قويًا للطالب كي ينتخب الكتلة الإسلامية، ولتحافظ على مكانتها ونتيجتها التي حصلت عليها، ليس لأن أبناء الكتلة أصبحوا يعملون بحرية وانفتاح، فالاحتلال يشن منذ عدة أسابيع حملة اعتقالات شرسة ضد أبناء الكتلة الإسلامية في إطار حملة يسميها "قص العشب"، طالت أبناء الكتلة في جامعة بيرزيت والقدس والنجاح وغيرها من جامعات الضفة.

الطلبة التفوا حول الكتلة لأنهم رأوا روح التحدي وروح الالتحام وروح العمل، فقد رأوا القوي الأمين، لقد رأوا في الكتلة الكف الذي يناطح المخرز، لا المسكين المظلوم المنكفئ على ذاته والحردان على الانتخابات.

لو استمرت مقاطعة الكتلة للانتخابات لخمس سنوات قادمة كان بإمكانها أن تواجه خطر التراجع الكبير، فالناس لا تتفاعل مع من يخشى المواجهة حتى لو كان صاحب حق، وطوال السنوات العشرين الماضية كانت قوة الكتلة من تجدد الدماء في عروقها وتفاعلها مع قضايا وهموم الطلبة وإظهار الشجاعة وروح التحدي، وليس توفر ظروف الرخاء والعيش الرغيد، وهي ظروف لم تتوفر للكتلة في يوم من الأيام، ومن يراهن على أن تهبط هذه الظروف المواتية من السماء على مائدة من ذهب فهو واهم.

ليست هناك تعليقات: