يبدو أن الجدل الدائر حاليًا في مصر حول أمهات وآباء المرشحين المحتملين للرئاسة المصرية لا يلقي بالًا بالدستور المصري الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، ولا يهتم أكثر من يخوضون بهذا النقاش العقيم بأن القانون الذي يشترط أن يكون والدي المرشح للرئاسة مصريين يتعارض مع الشريعة الإسلامية (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، هذا إن سمينا أصول والدة أو والد المرشح جريمة ووزرًا.
في أمريكا يكفي أن يولد المرء في أحد مستشفياته حتى يأخذ جنسية البلد، ويحق له أن يترشح للرئاسة حتى لو يتقن الإنجليزية وحتى لو كان إسلاميًا سلفيًا يكره الحضارة الأمريكية، فكل هذه لا تنفي حقه بالترشح، صحيح لن ينتخبه أحد لكننا نتكلم عن حقه الدستوري والقانوني.
لكن في عالمنا العربي هنالك إصرار عجيب غريب على التنكيل بالمواطن العربي بسبب أصول والديه، وفيما كل دول العالم تمنح أولاد المرأة جنسيتها حتى لو كان الأب من أي جنسية أخرى، إلا أن عالمنا العربي يرفض ذلك وخاصة إن كان الأب من دولة عربية أخرى (لو كان أوروبيًا أو أمريكيًا لربما وجدنا بعض المرونة)، ويكشف لنا الجدل الانتخابي المصري ألوانًا جديدة من التنكيل.
لم يتوقف الأمر عند والدة المرشح حازم أبو إسماعيل وجريمة امتلاكها "المفترض" لجواز سفر أمريكي، بل أصبح كل مرشح مادة للتنبيش في أصله وفصله، فسليم العوا والد والدته أصوله سورية!!، وعمرو موسى له أخ يحمل جنسية أوروبية!!، وهكذا دواليك.
يتناسى أصحاب التعصب الجاهلي الأعمى أن بعضًا من أعظم حكام مصر لم تكن أمهاتهم غير مصريات فحسب، بل هم أنفسهم لم يكونوا مصريين ودخلوها فاتحين ابتداءً من عمرو بن العاص وانتهاء بمحمد علي، ومرورًا بصلاح الدين الأيوبي والسلطان المظفر قطز.
قوانين لا نجد مثيلًا لها إلا في فكر النقاء العرقي عند النازيين والفاشيين والقومية المعتصبة البائدة، وفي حين أن عنترة بن شداد تبرأ منه والده بسبب أمه، لكن أمه كانت جارية ولم تكن عربية حرة من قبيلة أخرى!! فتفوق متعصبو القرن الحادي والعشرين على جاهلية العرب الأولى!!
القانون ابتداءً كان خطأ، والمبررات التي تساق له سخيفة ولا تتفق مع الواقع الذي نعيشه، وهو حماية مصر من الاختراق الأجنبي، فمصر حسني مبارك ومصر أنور السادات (المصريين أولاد المصريين أحفاد المصريين) كانت مخترقة من الأجانب من أقصاها إلى أقصاها، بل وأكثر من ذلك كان أجانب لم تطأ أرجلهم مصر يتحكمون فيها بكل كبيرة وصغيرة، وخاصة المقيمين في تل أبيب وواشنطن، والذين كان يكفيهم إرسال سفير أو حتى إيميل ليقرروا نيابة عن الشعب المصري.
والاهتمام المبالغ به والهوس الأعمى بتطبيقه، والحرفية المقززة التي تتجاوز عن "روح القانون"، قضت على أي إيجابية للقانون (هذا إن كان له إيجابيات)، وبدلًا من أن يطرح المرشح نفسه للناس ويقنعهم بأنه الأفضل والأحسن وأنه صاحب رسالة وبرنامج، يوظف من يقوم نيابة عنه بالتنبيش في أصل وفصل المرشحين الآخرين من أجل أقصائهم بطريقة أقل ما يقال عنها أنها غير نزيهة.
قبل أن تتكلموا عن تطبيق الشريعة في قوانين مصر، طبقوها على نفوسكم، وأزيلوا الجاهلية العمياء من صدوركم.
هناك تعليقان (2):
عفواً .. ماذا، ومن تقصد بجملتك الأخيرة ؟؟؟
يعني الخطاب لمن توجهه؟؟ لأنني لم أرى أنسب له إلا العلمانيين بخصوص الكلمات الأخيرة من العبارة الأخيرة .. وخير دليل هو توجه
اخوان مصر اليوم لدعم الشيخ حازم في القول بجنسية والدته الأميريكية !!
رأيت وقوف الإسلاميين اليوم يد واحدة على جمهور العلمانيين في التحرير !
وهناك شيئ آخر أليس الخطأ ، هو خطأ الإسلاميين حين لم يسبقوا العسكري
بخطوةتعديل الدستور حتى لايقعوا في مطب كهذا ؟؟أم أنه كان صعباً لتعنت العسكر الموجه ؟
جملتي الأخيرة موجهة إلى من يتبنى مثل هذه الأساليب، وإن كنت أتفق معك في أن العلمانيين هم أكثر لجوء إلى هذه الأساليب.
لكن الإسلاميين ليسوا مبرئين تماما، صحيح أن التيار العام في الإخوان لم ينحدر إلى هذا المستوى، لكن الأمر لا يخلو من بعض الأفراد هنا وهناك، وهم المقصودين بالدرجة الأولى.
لا أدري كيف تسللت هذه النقطة للقانون المصري، لكنه في رأيي وصمة عار ويجب إزالته من الدستور الجديد.
شكرًا على مرورك.
إرسال تعليق