السبت، 29 يناير 2011

عندما تعلم مبارك الدروس الخاطئة من الثورة التونسية

تسببت ثورة الشعب التونسي بزلزال كبير في المنطقة، ما زالت آثاره بعيدة المدى غير واضحة، وثورة الشعب المصري هي واحدة من النتائج المباشرة لما حصل في تونس، فمنذ لحظة هروب بن علي كان النظام المصري يشعر بالخطر القادم، وأتخذ اجراءات عدة ظناً منه أنها يمكن أن تحصنه واعتقاداً من القائمين على رسم سياسات النظام أنهم استخلصوا الدرس جيداً، فكانت قرارات بدعم الأسعار وعدم استفزاز الشعب بتصريحات الوزراء وغير ذلك من الخطوات التي لم تلمس المشكلة الحقيقية.

الدرس الخاطئ الأول: المشكلة هي اقتصادية

أهم الدروس الخاطئة هي تصور أن الثورة التونسية سببها الأصلي كان اقتصادياً، وكان الكلام عن البطالة وعن الفقر وما إلى ذلك، ما لم يدركه مبارك وما لم يدركه الكثيرون أن الناس تتحمل الفقر إذا لم يرافق ذلك الشعور بالظلم وإذا لم يكن فقرها نتيجة سرقة مقدراتها ونهبها.

الاجراءات الاقتصادية التي اتخذت على امتداد الوطن العربي لا تقدم كثيراً، لأنها كلها تمحورت حول دعم أسعار المنتجات أو الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك لسببين: لأن المشكلة ليست اقتصادية، ولأن هذه الإجراءات لا تؤدي إلى تنمية اقتصادية حقيقية ولا تبني اقتصاد قوي ومتين، بل هي مجرد تأجيل للأزمة لأن هذا الدعم سيكون على حساب مشاريع التنمية أو سيكون ديناً على الخزينة العامة سيترتب على الأجيال القادمة دفعه.

كان الأجدر الاستثمار بمحاربة الفساد والرشوة والاختلاسات، فهذه أكبر عبء اقتصادي على الدول العربية، وهي تقف على رأس أسباب هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية من العالم العربي، فبدلاً من إلهاء الشعوب بدعم أسعار المحروقات أو أسعار المواد الغذائية، كان الأجدر محاربة رؤوس الفساد ورموز "رأسمالية الحبايب والقرايب" كما سماها المفكر عزمي بشارة.

لكن نظام حسني مبارك فضل عدم مواجهة المشاكل الحقيقية والأساسية واتجه إلى معالجات جانبية وشكلية لم تقنع أحداً. وبدأ نشطاء الفيسبوك والانترنت بتنظيم يوم الغضب في 25/1، وتعامل النظام باستهتار نسبي مع الأمر ورفض مقارنة الوضع في مصر مع ما حصل بتونس، وسمعنا كلام أن تونس بلد صغير أما مصر 80 مليوناً (نسوا أن أندونيسيا كانت 200 مليون عندما أطيح بسوهارتو)، وأن مصر يوجد فيها حرية تعبير أفضل نسبياً من تونس، وأن مستوى التعليم في مصر أقل من مستوى التعليم بتونس، وغيرها من الكلام المخادع للذات.

الدرس الخاطئ الثاني: اسمحوا للناس التنفيس عن غضبهم

وقرر النظام المصري السماح لمظاهرات يوم الثلاثاء، على أن تكون مسيرات ليوم واحد من أجل تنفيس الاحتقان، ولكي يعبر الناس عن رأيهم بحرية ويذهبوا بعدها إلى بيوتهم، لكن ما لم يدركه النظام المصري أن من خرجوا لم يخرجوا ليقولوا كلمتهم ويعودوا بعدها للمنزل، أرادوا فرض إرادتهم، أرادوا أن تكون لكلمتهم ترجمة على أرض الواقع، لقد أصبحت الديموقراطية على الطريقة العربية - ديموقراطية "شاوروهم وخالفوهم" من مخلفات الماضي بعد الثورة التونسية، لم يعد يرضي المواطن العربي أن يكتفي بقول كلمته دون أن يستمع له أحد، يريد أن يكون شريكاً باتخاذ القرار، لقد ولى زمن احتكار حفنة من الأفراد مصائر بلدان بأكملها وملايين البشر.

الدرس الخاطئ الثالث: قوموا بتغيير بعض الوجوه

وبدء الكلام اليوم عن وعود بتغييرات في الحكومة المصرية وإقالة رئيس الوزراء، وهذا لم يقنع أحداً فما يحتاج للتغيير برأي الناس هو رأس النظام المتربع على رئاسة مصر لأكثر من ثلاثين عاماً، هذا الدرس الأهم الذي لا يريد أحد من الزعماء العرب أن يعترف به، كل الكلام في الأيام الماضية عن تفهم مطالب المتظاهرين ورغبتهم بحرية التعبير والحصول على عمل لكن لم يتكلم أحد من النظام عن احترام الرغبة الأهم للمتظاهرين وهي رحيل رأس النظام.

الدرس الخاطئ الرابع: احجبوا الانترنت وأوقفوا الاتصالات

كما قام النظام المصري بحجب خدمات الانترنت الهواتف الخليوية صباح الجمعة، من أجل تعطيل عمليات التنسيق للمظاهرات لكنها خطوة متأخرة للغاية لأن ماكنة التغيير بدأت بالحركة، ولم يعد بالإمكان إيقافها، وهنا يجب أن ندرك جميعاً أن هنالك عصر جديد، عصر تدرك به الجماهير العربية قوتها العظيمة والهائلة.

وانطلقت ماكنة التغيير:

نحن نتكلم عن ماكنة مخيفة وآلة تغيير لا يقف أمامها أي شيء لا نظام ولا تدابير أمنية ولا مناورات ولا مؤامرات أمريكية، نظام بن علي أخذ على حين غرة ولم يكن مستعداً للتعامل مع حصل، سقط بضربة قاضية ومفاجئة، لكن نظام مبارك رأى الضربة قادمة، وحاول قدر الإمكان تفادي حصولها، وخطط ورسم ودبر لكن في النهاية لم يستطع فعل أي شيء، وتحقق أسوأ كوابيسه.

مظاهرات الجمعة كانت إيذاناً بانطلاق هذه الماكنة الضخمة، ماكنة التغيير ومثلما حصل في تونس فلن تتوقف الماكنة حتى رحيل مبارك ورحيل حزبه الحاكم وقيام نظام تعددي مصري حقيقي، كان بإمكان مبارك فرصة لتدارك الأمور ويعلن عن نيته بعدم الترشح للرئاسة لا هو ولا ابنه، وعن حل مجلس الشعب، وعن وضع قانون انتخابات حقيقي ونزيه، وعن فصل الدولة عن الحزب الحاكم، فقد كان الأجدر بمبارك مخاطبة شعبه قبل أسبوع وأن يضع هذه الوعود أمام الناس، لربما تدارك الأمور، لكن الآن نقول له: (ولات حين مندم).

ما يجب علينا جميعاً تعلمه هو أن الاصلاح في العالم العربي أصبح من الحتميات، وأن الإصلاح غير ممكن بدون ثلاث إجراءات أساسية:

1- إنشاء نظام تعددي حقيقي، لا يستطيع المواطن التعبير عن رأيه فيه فحسب، بل أن يكون شريكاً باتخاذ القرار.
2- وضع حد أقصى لبقاء الشخص على قمة هرم الدولة، لا يجوز ولا يقبل أن يبقى رئيس لمدة عشرين وثلاثين وأربعين عاماً، حتى لو حرر هذا الرئيس فلسطين وازدهر الاقتصاد في عصره، أصبح البقاء الأبدي في الحكم من مخلفات الماضي، وما جمع الشعبين المصري والتونسي هو فكرة واحدة: الرئيس طال أمده على كرسي ويجب إزاحته، هذه الفكرة هي التي حركت الماكنة الشعبية المخيفة والتي تمكنت من حشد الملايين في الشوارع.
3- محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية يجب أن تكون أولوية أولى، ولا تنمية اقتصادية ولا استقرار سياسي ولا استقرار نظام بدون محاربة أشكال الفساد الحكومي وتقزيمها وحصرها.


ما يحدث في مصر ظاهرة مثيرة للاهتمام يجب أن يدرسها علماء الاجتماع والسياسة بشكل معمق، فهي أول ثورة يبدأ تنظيمها من على الانترنت (على عكس تونس التي بدأت الثورة على الأرض وكان الانترنت وسيلة داعمة)، وهي أول ثورة تبدأ عن سبق إصرار وترصد، كان هنالك قرار ورغبة عارمة من أجل تكرار التجربة التونسية ترجمت أفعالاً على الأرض، والثورات عادة لا تحصل هكذا، الثورات يصعب التنبؤ ببداياتها، لكننا جميعنا رأينا الثورة قادمة، والنظام المصري رآها قادماً لكنه لم يدرك درس الثورة التونسية.

هناك تعليق واحد:

مدونة ابو معاذ يقول...

حياك الله اخ ياسين

اي مساعدة انا جاهز


اخوك ابو معاذ