السبت، 8 يناير 2011

أحمد بحر، عمر سليمان، والمهاجرون الأفارقة

عاد قبل أسبوع وفد برلماني من كتلة التغيير والإصلاح برئاسة النائب أحمد بحر إلى قطاع غزة، بعد قيامه بجولة في الدول العربية وآخرها كانت دولة الكويت، إلا أن طريق عودته لم تكن ممهدة حيث قام النظام المصري بمنعه من العودة في المرة الأولى وطلبوا منه أن يذهب إلى خالد مشعل في قطر ليقيم عنده! وقيل له أن عمر سليمان غاضب جداً منه، ولم يستطع العودة إلا بعد أن تدخل مشكوراً رئيس مجلس النواب الكويتي وتواسطه لدى النظام المصري.

وسبب غضب الوزير سليمان هو أن النواب خرجوا من غزة لأداء فريضة الحج، وأن النظام المصري اشترط عليهم العودة فوراً إلى القطاع بعد انتهاء الحج، وأن جولتهم العربية جاءت مخالفة لما تم الاتفاق عليه! ولا أعلم بأي حق يقرر عمر سليمان أين يذهب النواب وأين يأتون، لو الكلام عن أمن مصر الداخلي وسيادته (التي نساها المسؤولون المصريون عند الكشف عن خلية التجسس الصهيونية) لقلنا هذا حق مصر، لكن النواب مروا من مصر وما يفعلوه خارج مصر ليس من شأن النظام المصري، إلا إذا كان يعتبر نفسه بواباً على سجن قطاع غزة ومهمته التأكد من "حسن سلوك" المساجين وعدم خرقهم لقوانين السجن وعدم قيامهم بشيء إلا بإذن مدير السجن (البواب مهمته التطبيق فقط).

وقد تكلمت تقارير إعلامية عن أن أسماء زوار غزة العرب والأجانب يرفعها المصريون إلى الصهاينة من أجل الموافقة عليها أو رفض من يريدون، مع ذلك يصر النظام المصري على أنه يقوم بكل ذلك من أجل حماية الأمن القومي المصري أولاً، ومن أجل مصلحة المصالحة الفلسطينية ثانياً، ويفسر المحللون هذه الكلمات بأنه يقوم بهذه الممارسات بسبب علاقة حماس مع الإخوان المسلمين المصريين بالإضافة للضغط على حماس لصالح حركة فتح واجبارها على النزول عند شروط محمود عباس.

وعليه يمكن أن نفهم تصرف عمر سليمان مع الدكتور أحمد بحر في هذا الإطار، لكن هل هذا فقط ما يحكم تصرف النظام المصري تجاه غزة وتجاه القضية الفلسطينية؟ هل عصبية النظام المصري المفرطة تجاه خلية حزب الله التي كانت تهرب السلاح لغزة (كما قيل) والتي قابلها برود تام تجاه خلية التجسس الصهيونية تفسرها فقط هذه الاعتبارات؟

لنأخذ حالة المهاجرين الأفارقة الذين يتدفقون على الكيان الصهيوني مروراً بمصر، فهم ليسوا من حماس وليسوا إخوان مسلمين وقسم كبير منهم ليسوا مسلمين أصلاً، فهؤلاء المهاجرين يدخلون الكيان الصهيوني بطريقة "غير قانونية" من خلال التسلل عبر حدود الكيان مع شبه جزيرة سيناء المصرية، وغالبيتهم يهاجرون لأسباب اقتصادية ومن أجل حياة أفضل يعتقدون أنهم سيجدوها داخل الكيان الصهيوني.

بدأت موجات الهجرة الأفريقية إلى الكيان الصهيوني قبل بضع سنوات وأغلب المهاجرين قدموا من دارفور التي فروا منها خلال الحرب الأهلية، وتبعتهم موجات من جنوب السودان وأريتيريا، بالإضافة لأعداد أقل من دول غرب أفريقيا، ويتراوح عددهم اليوم بين العشرين والثلاثين ألفاً، يمثلون تهديداً ليهودية الكيان الصهيوني وعبئاً سياسياً على حكومة الاحتلال.

ففي بداية موجات الهجرة هذه حرصت حكومة الاحتلال على استغلالها من أجل استخدام اللاجئين اعلامياً كوسيلة ضغط ضد الحكومة السودانية وضد حكومة أرتيريا (الحكومتين المارقتين عن الإرادة الأمريكية)، إلا وأنه بعد تزايد عدد القادمين بدأ الصهاينة يشعروا بحجم الورطة، فقد كان بالإمكان استيعاب بضع مئات والمتاجرة بهم اعلامياً وتصوير الكيان الصهيوني على أنه "واحة الحرية وسط جحيم الشرق الأوسط"، لكن عندما أصبح عددهم بالآلاف أصبحوا مشكلة، علماً بأنه حتى عام 2008م لم يتجاوز عددهم السبعة آلاف فقط.

عمل الصهاينة على إبعاد المهاجرين الأفارقة القادمين من غرب أفريقية، إلا أن الغالبية قدموا من جنوب السودان ودارفور وأرتيريا وإعادتهم يشكل احراج للكيان الصهيوني لأنه حسب ماكنة الدعاية "الصهيو أمريكية" فالسودان وأرتيريا بلدين منتهكين لحقوق الإنسان، والجمعيات الحقوقية الأوروبية والأمريكية لن تقبل بإعادتهم، وهذا لا يعني فقط بقاؤهم وتهديد التوازن الدقيق بين اليهود وغير اليهود في الكيان الصهيوني، بل يشجع قدوم مهاجرين جدد، وهي مخاوف عبرعنها بنيامين نتنياهو أكثر من مرة.

كان الحل هو اللجوء إلى النظام المصري، لأنه متى ما وصل المهاجر الافريقي إلى الكيان الصهيوني فالأمر الوحيد الممكن هو اعتقاله والزج به في معسكر اعتقال ثم الافراج عنه بسبب الاكتظاظ بحيث ينتقل للعيش في ضواحي جنوب تل أبيب أو مدينة إيلات، وفي البداية كان المهاجرون يقبلون بالعيش تحت أي ظروف لكن اليوم أصبحت لهم مطالب وحقوق يسعون لتحصيلها، فالخطر يتراكم بسرعة ويهدد الكيان.

المطلوب من مصر أن تمنع عبور المهاجرين الأفارقة الحدود بأي وسيلة كانت، وكلما تراخت الدولة المصرية في منع مرور المهاجرين الأفارقة هدد قادة الكيان الصهيوني بإقامة سياج فاصل مع الدولة المصرية (ولا أفهم أين وجه التهديد ما دام النظام المصري يعترف بالكيان الصهيوني وحقه بأن يفعل ما يريد على أرضه)، ووصل الأمر برجال الأمن المصريين إلى اطلاق النار على عابري الحدود وقتل العام الماضي وحده 28 مهاجراً أفريقياً وهم يحاولون عبور الحدود من مصر إلى الكيان الصهيوني، مما جعل النظام المصري عرضة لانتقاد مؤسسات حقوق الإنسان.

واليوم حكمت أحد المحاكم المصرية على مهاجرين أفارقة قدمو إلى مصر بسبب نيتهم الهجرة إلى الكيان الصهيوني، ولست أفهم لماذا لا يتولى الجنود الصهاينة أمر اطلاق النار على المهاجرين الأفارقة؟ ولا أدري ما ضرر خروج المهاجرين الأفارقة من مصر على الأمن القومي المصري (لو كان العكس أي قتل متسللين إلى داخل حدود مصر لتفهمنا الأمر)، ولا أدري لماذا يقوم النظام المصري بالمهام القذرة نيابة عن الحكومة الصهيونية.

هل يهودية الكيان الصهيوني من اهتمامات الحكومة المصرية؟ وهل الحرص على عدم احراج الكيان الصهيوني أمام المنظمات الأنسانية يبرر أن تضع الحكومة المصرية نفسها في هذا الموقف؟ ربما يجب علينا أن نعيد فهمنا لمنطلقات المواقف المصرية تجاه القضية الفلسطينية، فمن يحرص على اعلان قتله لمهاجرون أفارقة يتسللون إلى الكيان الصهيوني يريد أن يرسل رسائل إلى جهة ما أنه يقوم بواجب الحراسة على أتم وجه.


ليست هناك تعليقات: