الخميس، 3 فبراير 2011

ما هي فرص نجاح انطلاق ثورة في الضفة الغربية؟

من الآثار المباشرة لثورتي تونس ومصر خروج دعوات عديدة في الدول العربية للاقتداء بها، وقد شهدنا موجة محاولات للانتحار حرقاً في محاولة لتقليد محمد بوعزيزي بعد الثورة التونسية، واليوم بعد الثورة المصرية هنالك محاولة للاقتداء بها من خلال إطلاق دعوات للتظاهر في أيام محددة من خلال صفحات الفيسبوك والمواقع الالكترونية المختلفة.

ومن بين هذه الدعوات ما خرج ليدعو إلى ثورة في الضفة على سلطة محمود عباس، أو حتى في غزة للثورة على حكومة حماس، بل وشهدنا دعوات للثورة على شركة جوال وإسقاطها بسبب سوء خدماتها (وهو تقليد أعمى يسخف من فكرة الثورات فلا أحد يثور على شركة تجارية خاصة لا تتدخل بالسياسة).

موازين القوة في الضفة الغربية:

وتبقى دعوات أنصار ومؤيدي حماس للثورة في الضفة الغربية محدودة التأثير (مثلما الوضع مع دعوات الفتحاويين للثورة في غزة)، لأن المجتمع يتلقاها في إطار الصراع بين حماس وفتح، وليس كثورة ضد الوضع القائم والذي لا يعجب الكثيرين في الضفة، لأنهم ليسوا مستعدين لأن ينحازوا مع حماس ضد فتح، هم يريدون معاقبة سلطة عباس بسبب تفريطها السياسي وخصوصاً بعد ما كشفت عنه وثائق الجزيرة بل وربما يريدون الثورة على السلطة لكن الكثيرين يتخوفون من أن يصبحوا طرفاً في اللعبة بين حماس وفتح.

وحتى نفهم الوضع أفضل في الضفة الغربية فسأحاول أن أرسم خريطة سياسية للضفة: يوجد حوالي 30% من الشعب الفلسطيني يؤيد حركة فتح أو يتعاطف معها بشكل مستمر، ويقابلهم حوالي 30% أيضاً يؤيدون حركة حماس، وهنالك 10% يؤيدون فصائل أخرى وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وهنالك 30% لا يوجد لديهم ولاء سياسي محدد ويتنقلون بين الفصائل بحسب الوضع العام أو يبقون على الحياد. هذه أرقام تقريبية وليست دقيقة لكنها تعطينا لمحة عن الوضع العام في الضفة.

منذ الانقسام بين حماس وفتح وهنالك 40% من مجتمع الضفة (محايدين والفصائل الأخرى) يبتعدون عن انتقاد السلطة حتى لا يحسبوا على حماس، وإن انتقدوها فيجب أن ينتقدوا معها حماس حتى يثبتوا حياديتهم، إلا أن الفصائل الأخرى وخاصة الإسلامية (الجهاد وحزب التحرير) أصبحوا يكتوون مؤخراً بنار السلطة في الضفة، وأصبحوا ضمن دائرة الاستهداف فبدأت أصواتهم تتعالى ضد السلطة.

نقطة التحول في الضفة الغربية:

أما الشريحة المحايدة وهي كتلة كبيرة وحاسمة في الضفة فطوال الوقت وهي تغلي سراً مما تراه من ممارسات السلطة السياسية قبل أي شيء آخر، فقد أثبتت الوقائع منذ الانتفاضة الأولى أن ما يحرك الشارع الفلسطيني ويحدد بوصلته هو الوضع السياسي العام وتطورات القضية الفلسطينية، وعندما تمر أربع سنوات منذ الانقسام وبدأ مشروع سلام فياض ولا يرى الناس أي تحسن سياسي (الاستيطان يتوسع والقدس تهود والسلطة تقدم التنازلات المتتالية) فإن منسوب عدم الرضا يرتفع تدريجياً.

بدأت الكيل يطفح لدى الكثير من الناس بعد عرض الجزيرة لوثائقها، وهي إن لم تكشف الجديد إلا أنها لامست عصباً حساسة عند عامة الناس وكانت بمثابة القطرة التي ربما تجعل الكأس يفيض، ولم يقتصر الغضب على الشريحة المحايدة بل إن ضعف التجاوب القاعدة الفتحاوية مع دعوات قيادتها للتظاهر ضد الجزيرة يدل على عدم وجود رضا أو قناعة بين أفراد فتح أنفسهم بما تقوم به السلطة وفريقها التفاوضي.

لذا بدأنا في الأيام الأخيرة ملاحظة وجود توجه للدعوة إلى الثورة على سلطة محمود عباس من أفراد وشخصيات من خارج إطار حركة حماس، سواء كانوا مستخدمين عاديين على الفيسبوك أو ما صرح به الشاعر تميم البرغوثي يوم الثلاثاء الماضي بأنه بعد الثورة في مصر فإن الدور سيكون في الضفة ولكلامه أهمية خاصة أنه ليس مقرباً من حماس ولتمتعه بشعبية واسعة بين الشباب الفلسطيني وعلى الأخص شباب حركة فتح، بل وجدنا دعوة للثورة ضد عباس من أفراد محسوبين على حركة فتح وإن كان من الصعب استقصاء مدى نفوذهم وقدرتهم على تحريك الوضع داخل الحركة.

ومما يعزز من زخم الحملة ضد السلطة هو ردة فعل السلطة على وثائق الجزيرة فقد هاجمت فضائية الجزيرة بدلاً من معاقبة المفاوضين على تنازلاتهم وعزلهم (كما حصل سابقاً مع رفيق الحسيني سابقاً)، فجاء كلام الشاعر تميم البرغوثي ليعبر عن نبض شباب غير مؤطر له وزنه الهام في الشارع الفلسطيني، فهو ليس وحيداً بكلمته هذه بل يعبر عن توجه عام بين الشباب غير المؤطر، مما يوسع القاعدة التي تنتقد محمود عباس والمجموعة المحيطة به.

هل يمكن أن ينتفض مجتمع الضفة الغربية ضد السلطة؟

إلا أن تطور الأمور إلى انتفاضة ضد السطة وثورة تطيح بالمجموعة المتنفذة بالمقاطعة هو أمر أكثر تعقيداً مما حصل في تونس ومصر، نظراً لوجود الاحتلال الصهيوني في الضفة والذي لن يسمح بقيام حكومة بديلة ما لم تكن نسخة مكررة عن السلطة، فكان التصور لدى الناس غامضاً طوال الوقت لما يكون عليه الوضع فيما لو عزل محمود عباس أو سلام فياض، وكان هنالك تخوف من الفوضى العارمة، إلا أن ما حصل في مصر وقدرة عامة الناس على تنظيم أنفسهم والحفاظ على أمنهم يبدد جزءاً من هذه التخوفات، خاصة أن المجتمع في الضفة الغربية أقل عدداً من المجتمع المصري مما يجعله أقل قابلية للانجرار نحو الفوضى الشاملة.

لكي تنجح أي دعوة للثورة في الضفة الغربية فيجب أن تتوفر مجموعة من عوامل النجاح:

1- أن لا تكون هذه دعوات لنصرة حركة حماس أو ضد حركة فتح، فإن كانت موجهة ضد مجموعة محددة من الأفراد المتنفذين في السلطة (مثل محمود عباس أو الأشخاص الذين طالتهم وثائق الجزيرة بالاتهام) فيمكن الكلام عن تجاوب شعبي واسع، لأنه متى ما دخلت حماس وفتح بالقصة فسينفض الشباب غير المؤطر عن هذه المبادرات ويتخلوا عنها.

2- عدم تحديد وقت معين للثورة في هذه المرحلة، فما حصل في مصر لما تكن مجرد دعوة واحدة وإنما هو نتيجة لتراكم لعمل طويل منذ أربع أو خمس أعوام، وسبقتها دعوات عديدة للتظاهر في مصر والكثير من هذه التظاهرات كانت مخيبة للآمال، فمحاولة حرق المراحل والقفز إلى النتيجة النهائية ستواجه بالفشل، وربما تصيب أصحابها بالخيبة.

3- أي دعوة لتغيير الوضع في الضفة الغربية يجب أن يواكبها حملة لكسر حاجز الخوف لدى الناس، لأنه ما دام الناس يخافون من السلطة ويظنون أنه لا يمكن الوقوف في وجهها أو التعبير الحر عن رأيهم، فلا يمكن أن نتوقع منهم الثورة عليها، وقد لاحظنا ثقة عامة الناس في مصر بقدرتهم على الإطاحة بمبارك.

ونعيد التأكيد على أن الوضع في الضفة الغربية يختلف عن الوضع في الدول العربية لأنه في الدول العربية لا يوجد فيها احتلال، والجيش المتواجد فيها هو جيش وطني، ورأينا في مصر وتونس كيف وقف الجيش على الحياد، أما في الضفة فهو جيش احتلال وهو مستعد لارتكاب مجازر لإخماد أي ثورة فلسطينية، وبينما الجندي المصري والتونسي يجد صعوبة في تقبل أوامر إطلاق النار ضد أبناء شعبه نجد في المقابل الجندي الصهيوني على العكس تماماً يجد صعوبة في تقبل أوامر ضبط النفس (في حال صدرت).

في الختام:

فإن كان البعض يظن أن الإطاحة بالسلطة أو القائمين عليها هي نهاية المطاف، فهو مخطئ تماماً، لأننا ننتقل وقتها إلى المواجهة الشاملة مع الاحتلال وهي مواجهة ستكون أشرس وأطول، فالضفة الغربية هي خط الدفاع الأخير للصهاينة بعد سقوط مبارك ومع مخاوف سقوط النظام الهاشمي في الأردن، والصهاينة لن يسلموا بسهولة وسيحاربون حتى الرمق الأخير، مع ذلك فمن المهم أن نعيد توجيه البوصلة ضد الاحتلال وهذا غير ممكن والأشخاص المتنفذون في السلطة متمسكون بمقاعدهم وكراسيهم.

ليست هناك تعليقات: