الأربعاء، 26 أبريل 2017

حركة فتح وانتفاضة الأسرى


هنالك ارتفاع واضح وملموس في الأيام الأخيرة في العمل المقاوم بالضفة، ومع دخول إضراب الأسرى يومه العاشر.وهذا الارتفاع نلمسه على ثلاثة مستويات: الفعاليات الجماهيرية التعبوية، والمواجهات وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، وعمليات الطعن والدهس.

بينما ما زالت العمليات الأكثر تعقيدًا من إطلاق نار وعبوات ناسفة شبه غائبة عن الساحة.

ولا أبالغ القول بأننا نرى واحدة من أقوى موجات تفاعل الشعبي في الضفة منذ الانقسام عام 2007م، وهذا يعود لسببين:

الأول: تراكم العمل المقاوم منذ بداية انتفاضة القدس يزيد عدد المنخرطين في المقاومة الشعبية وهذا ينعكس زيادة مستمرة في العمل المقاوم.

الثاني: إنخراط حركة فتح وبشكل جدي لأول مرة منذ عشر سنوات في المقاومة الشعبية بالضفة الغربية.

ولعل السؤال المحير الذي يخطر على بال كثيرين ما هو موقف السلطة مما يحصل؟ وإلى أي مدى ستستمر فتح في هذه الموجة؟

فمن ناحية لا تغيير على سياسات السلطة، وعباس معني بإرضاء ترمب وحكومة الاحتلال، وسياسة التنسيق الأمني تسير على قدم وساق.

ومن ناحية أخرى لا يمكن لفتح أن تندفع بهذه القوة بدون ضوء أخضر من قيادتها.


هنالك تفسيرات محتملة عديدة لتصرف حركة فتح هذا، وأهمها هو رغبة الحركة في استعادة شرعيتها النضالية، خاصة بعد سلسلة مواقف لمحمود عباس أضعفت موقف الحركة وقدرتها على الحفاظ على تماسك قواعدها الشعبية.

ستحاول السلطة الاستفادة من ذلك من أجل "تنظيف" نفسها بعد سلسلة المخازي لمحمود عباس.

وربما يريد عباس القول لترمب بأن الوضع يتجه للانفجار، ليستجدي منه بعض الإنجازات، وإن كانت عقلية ترمب وحكومة نتنياهو ترفض ذلك وتعتبره "ابتزازًا مرفوضًا".

كما يمكن القول بأن عباس وأجهزته الأمنية تساير الشارع الذي يغلي حتى تمتص غضبه، قبل أن تقوم بتحجيم الحراك الشعبي المتصاعد، لكن الأمور قد تخرج عن سيطرة السلطة.

فالحراك والمواجهات والعمليات لا تقودها فتح لوحدها بل هنالك جهات وتنظيمات أخرى في الميدان، والسلطة لم تستطع منعها من العمل المقاوم رغم أنها استطاعت وضع عراقيل أمامها في الفترة السابقة.

وذهب البعض للقول بأن السلطة تريد التغطية على إجراءاتها العدائية ضد قطاع غزة من خلال حراك الأسرى، إلا أني أرى هذا الرأي شططًا فالسلطة ليست مضطرة للمغامرة بإشعال الوضع في الضفة لتطبيق إجراءاتها ضد غزة.

فمحمود عباس له أسبقيات كثيرة بتطبيق قرارات ومواقف مكروهة شعبيًا، دون أن يلتفت أو يهتم برأي الشارع الفلسطيني، مثلما حصل عندما ذهب للعزاء ببيريس.

فهو يستطيع تطبيق الإجراءات العدوانية ضد غزة، دون اهتمام بالرأي العام في الضفة.

والثابت في المشهد الفلسطيني اليوم هو عدة أمور:

أولًا: الارتفاع في العمل المقاوم والتفاعل الجماهيري الواسع يصب في خدمة انتفاضة القدس، بغض النظر عن نوايا حركة فتح أو السلطة وأجهزتها الأمنية.

فالانتفاضة والمقاومة عمل تراكمي، وكلما كان هنالك مقاومة أكثر، كان هنالك استقطاب أكثر لدماء شابة تنضم لركب المقاومة (سواء المقاومة المنظمة أو الفردية أو الشعبية).

المقاومة تجر مقاومة، والعمليات تجر عمليات، والشهداء يشعلون الميدان، والأسرى يعودون من أسرهم أكثر إصرارًا على المقاومة، وثقافة المقاومة تزيد إصرار الشعب على المضي في هذا الطريق.

ثانيًا: ما زال تحرك فتح محدودًا، وما زالت السلطة متمسكة بالتنسيق الأمني، ومنع حصول عمليات مسلحة معقدة، وهذا يعني أن الأمور لم تصل حتى الآن لمرحلة اللاعودة.

ثالثًا: ستعمل السلطة في مرحلة ما، قبل أو بعد لقاء عباس مع ترمب، على محاولة كبح جماح الانتفاضة والتزايد في العمل المقاوم.
وهنا يأتي دور أنصار المقاومة والانتفاضة في إفشال هذه المحاولة، والإبقاء على زخم الانتفاضة واندفاع العمل المقاوم.
السلطة لن تنجح بإخماد الانتفاضة (فهي فشلت بذلك طوال عام ونصف) لكن ستحاول تخفيف حدتها ووضع كوابح لمشاركة فتح في الفعاليات الشعبية المختلفة.

رابعًا: وهنا تأتي المفاصلة هل سيسمح أنصار المقاومة للسلطة بوضع فرامل للحراك الحالي؟ أم يقلبوا الطاولة عليها ويبقوا على زخم المقاومة المرتفع؟

ما زال الوقت مبكرًا للإجابة على هذا السؤال، لكنها فرصة ذهبية لكل أنصار المقاومة لكي يحاولوا حسم الأمر من اليوم، وذلك من خلال تقديم كل الدعم الممكن لانتفاضة القدس وتصعيد المقاومة بكافة أشكالها (الشعبية التعبوية، والمواجهات والمقاومة الشعبية، والمقاومة المسلحة).

وهنا أستذكر انتفاضة الأقصى، فقد أرادها عرفات أداة تفاوضية مع الاحتلال، لكي يحسن من شروط التفاوض، لكنها خرجت عن سيطرته.

استطاع المقاومون في انتفاضة الأقصى أن ينهوا خيار التسوية السياسية مع الاحتلال للأبد، واستطاعوا أن يفرضوا معادلات جديدة، وإجبار الاحتلال على الخروج من غزة، وحتى في الضفة رغم ما حصل في الاجتياحات وما تلاها من أحداث الانقسام، فانتفاضة الأقصى فرضت معادلات جديدة.

في الختام: بغض النظر عن نوايا حركة فتح، فإن انخراطها القوي في الحراك الشعبي الداعم للأسرى، أعطى زخمًا جديدًا لانتفاضة القدس.


ومن مصلحة المقاومة والانتفاضة الاستفادة من هذا الزخم، والعمل على تطويره وتحويله إلى زخم دائم، وعدم السماح للسلطة باحتوائه.

ليست هناك تعليقات: