الثلاثاء، 4 يونيو 2013

خبر وتعليق: اعتقال عناصر أمنية قتلوا مستوطنًا


المستوطنون يدنسون قبر يوسف بحماية جنود الاحتلال


في الرابع والعشرين من شهر نيسان (4) عام 2011م اقتحمت سيارة للمستوطنين حاجزًا للأمن الوطني التابع للسلطة في مدينة نابلس، وفي ظروف ملتبسة أطلق عناصر الأمن في الحاجز النار على السيارة، مما أدى لمقتل مستوطن وإصابة آخرين، والمستوطن القتيل هو ابن شقيق الوزيرة الصهيونية ليمور لفنات.

السلطة وصفت الحادث وقتها بأنه سوء فهم (كما قال محافظ نابلس جبرين البكري) وأنه بسبب انعدام التنسيق بين المستوطنين والاحتلال مع السلطة الفلسطينية، وأصرت مصادر السلطة على أن عناصر الحاجز لم يعلموا إن كان في السيارة مستوطنين أم لا، وأنهم فقط اشتبهوا بالسيارة واتبعوا التعليمات في مثل هذه الحالات.
 
ولا أستطيع التثبت من زعم السلطة الخاص بمعرفة العناصر أن السيارة يقودها مستوطنون أم لا، فحتى لو كانوا يعلمون فالسلطة ستنفي ذلك حماية لهم من انتقام الصهاينة، لكن الأكيد أنهم اتبعوا التعليمات المتبعة مع سيارة تقتحم حواجز ولا تمتثل للأوامر.

والحادث حصل في منطقة تابعة أمنيًا للسلطة ويفترض أنه تسري عليها قوانين السلطة، وبالتالي فما قام به عناصر الحاجز هو قانوني، وإن كان سيحاسبون فهو على تسرع أو خلل بتطبيق التعليمات، لكن ليس بتهمة القتل العمد.

وقتها اتفقت السلطة مع الاحتلال على تشكيل لجنة لتفادي تكرار ما حصل، واتفقتا على أن يكون دخول المستوطنين إلى مدينة نابلس بتنسيق مع السلطة، ووجهتهم طبعًا هو قبر يوسف الذي يزعم الصهاينة أنه قبر النبي يوسف عليه السلام، فيمَ هو قبر أحد الأولياء ويدعى يوسف دويكات ويعود تاريخه لأواخر العهد العثماني.

لقد كان قبر يوسف نقطة توتر دائمة ونقطة مواجهة مع الاحتلال وخصوصًا في انتفاضة النفق عام 1996م وفي بداية انتفاضة الأقصى، واستشهد العشرات وأصيب المئات في المواجهات مع النقطة العسكرية الصهيونية التي كانت قائمة في المقام (والذي يقع في نقطة اتصال مخيم بلاطة مع مدينة نابلس)، وقتل جنود صهاينة أيضًا في هذه المواجهات مما اضطر الصهاينة لإجلائه في بداية انتفاضة الأقصى.

وعاد إلى أصله مقامًا إسلاميًا، وعندما قام عدد من الشبان الفلسطينيون بإحراقه بعيد الانسحاب الصهيوني، رفضت السلطة ذلك وقالت أنه مقام إسلامي وتم ترميمه على أساس أنه مقام إسلامي، ليأتي بعد كل هذه الدماء وكل هذا الكفاح والنضال وبكل سهولة لتقول السلطة ومحافظ نابلس أنه يسمح لليهود بزيارة المقام بشرط التنسيق مع السلطة.

واعتبرت السلطة وقتها أن شرط التنسيق هو إنجاز واعتراف بسلطتها على مدينة نابلس، وتماديًا في تقديم التنازلات أكدت عنان الأتيرة نائبة محافظ نابلس أنها تتفهم قدسية المكان بالنسبة لليهود وحاجتهم لزيارة المقام.

وهكذا دفعت السلطة ثمنًا لتأكيد سيادتها ولتكرار عدم حصول مثل هذا الحادث، اعترافًا بحق اليهود في مقام إسلامي يقع وسط مدينة نابلس، وفي كل زيارة يقوم بها المستوطنون الصهاينة منذ ذلك الحين تتولى الأجهزة الأمنية بالتعاون مع قوات الاحتلال مهمة حماية المستوطنين من شباب وفتيان المخيم الذين يحاولون أحيانًا رشقهم بالحجارة.

وكان يفترض وفق التفاهمات وقتها أن تتولى السلطة معاقبة العناصر الذين أطلقوا النار وأن تتولى سجنهم ومعاقبتهم (على اعتبار أنهم تسرعوا بإطلاق النار)، وعاقبتهم بالسجن لمدة ستة شهور إلا أن الصهاينة اعترضوا فأعادت السلطة محاكمتهم وحكمت على ثلاثة منهم بالسجن لمدة عام والرابع لمدة عامين.

وحسب اتفاقية أوسلو فإما تقوم السلطة بتسليم المتهمين بـ"الاعتداء" على الصهاينة أو أن تتولى محاكمتهم، وبالتالي يفترض أن محاكمتهم تلك تنهي ملفهم وكما تزعم السلطة فقد وعد الصهاينة "بالعفو" عنهم بعد قضاء محكوميتهم تلك.

فنحن نقف أمام عناصر أطلقوا النار حسب التعليمات والقوانين التي تسير عليها السلطة، والاتفاقيات مع الاحتلال، ومع ذلك حوكموا إرضاءً لرغبة الانتقام الصهيونية، وحسب اتفاقية أوسلو أيضًا كان يجب أن يكون ذلك كافيًا.

إلا أن كل ذلك لم يشفع لهم حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال الثلاثة الذين حكم عليهم بالسجن لمدة سنة، بعد الإفراج عنهم وقضائهم محكوميتهم في سجون السلطة، بعد مداهمة منازلهم قبل أسبوعين (فجر 22/5/2013م) واقتادتهم حيث يرجح أنهم سيحاكمون بتهمة القتل العمد لمستوطن صهيوني، مع حكم بالسجن المؤبد.

فأي اعتبار هذا لسيادة السلطة؟ السيادة التي باعت فيه مقامًا إسلاميًا من أجلها، السيادة التي قدمت السلطة من أجلها موطئ للمستوطنين الصهاينة داخل مدينة نابلس.

على ضوء حادثة اعتقال العناصر الثلاثة فيمكن أن نستنتج الآتي:

أولًا، الصهاينة يعتبرون أنفسهم فوق أي قانون أو اتفاقية، بما فيه القوانين والاتفاقيات التي وقعوا عليها، عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني.

ثانيًا، الحجة القديمة التي تقدمها السلطة لاعتقال العديد من النشطاء أو المواطنين وهي حمايتهم من الاعتقال لدى الاحتلال الصهيوني ثبت فشلها المرة تلو الأخرى، ما بين معتقلين أخذتهم قوات الاحتلال من داخل سجون السلطة، وما بين العناصر الثلاثة الذين اعتقلوا رغم أن السلطة قامت بتسوية ملفهم مقابل اعتقالهم عامًا لديها.

ثالثًا، لقد وصلت السلطة الفلسطينية وقياداتها المحلية، وتحديدًا في مدينة نابلس من محافظها إلى نائبته إلى رئيس البلدية الجديد غسان الشكعة، منحدرًا خطيرًا في شرعنة الاحتلال الصهيوني، سواء من خلال دعوة ضباط الإدارة المدنية لحضور احتفالات داخل المدينة أو دعوة المستوطنين للصلاة في مقام يوسف وغيرها من الخطوات الخطيرة جدًا.

رابعًا، أي تسوية تتم بين السلطة والاحتلال ينتهي أمرها بأن تقدم السلطة كل ما هو مطلوب منها، بينما يرفض الاحتلال وبكل صفاقة الالتزام بما تعهد به.

خامسًا، مهما كان من اتفاقيات وتحالفات مع المحتل، فالصهاينة ينظرون إلى جميع الشعب الفلسطيني على أنه عدو وخطر يهدد أمن كيانه. 


ليست هناك تعليقات: