منذ دخول المنطقة زمن الربيع العربي تراود
القابعين تحت حماية الاحتلال في رام الله أحلامًا وردية بأن يتمكنوا من إشعال ثورة
في غزة تعيد لهم "مزرعتهم الخاصة" التي حرموا منها بعد "الانقلاب
الدموي الحمساوي"، وذلك بعد أن فشلوا باستعادتها على ظهر دبابة الاحتلال خلال
عدوان عام 2009م، وربما يوجههم هاجس أن يستبقوا حماس بثورة في غزة قبل أن تباغتهم
هي بثورة في الضفة الغربية.
ويقودهم اعتقاد خاطئ أن الثورات ما هي إلا
مؤامرات يخطط لها في السر وتستخدم الإعلام والتحريض الإعلامي وسيلة لها، وربما
يتحسرون لأنهم لا يملكون قناة بقوة فضائية الجزيرة (وكأن الناس مجرد قطيع أغنام
يتلقون الأوامر من الفضائيات).
حاولوا في بدايات عام 2011م تحريض الناس على ما
سموها بثورة الكرامة، وكان من الطبيعي أن تفشل ثورة كرامة دعا لها عديمو الكرامة،
ولم تخرج إلى العلن ولم يتفاعل معها سوى بضع عشرات من الحزبيين الفتحاويين في
القطاع وسرعان ما أدركوا عبثية ما يحاولون القيام به.
وبعدها حاولوا ركوب موجة مسيرات إنهاء الانقسام
متخيلين أنه يمكن أن تنقلب ضد حماس، بوصفها المسؤولة عن "حالة
الانقسام"، ومرة أخرى لم يوفقوا بذلك، غير مدركين أن الثورة لا يمكن إشعالها
بفعل فاعل، وأن الأدوات الإعلامية هي أدوات مساندة للثورات لا محركة لها، وأن
الناس ليسوا سذجًا ليقبلوا أن يكونوا أدوات بأيدي القابعين في مقاطعة رام الله
والمستظلين بظل الاحتلال الصهيوني.
وجاءت الأزمة الأخيرة في قطاع غزة، أزمة الوقود
والكهرباء لتشكل فرصة جديدة بالنسبة للجماعة (وربما هي مخطط لها من الأصل بالتعاون
مع فلول النظام داخل مصر)، ولم يتعلموا شيئًا وظنوا أن سوء الأحوال المعيشية زائد
حملة إعلامية كفيل بتثوير الناس في غزة ضد حماس.
وكأن الناس ثارت في مصر وتونس وليبيا وسوريا
واليمن لأنها تعاني من الفقر وضيق ذات اليد! وبقليل من التحريض الإعلامي خرجوا إلى
الشوارع هاتفين بسقوط النظام. الثورة يا سادة يا كرام تأتي عندما تستأثر فئة
بالحكم لفترة طويلة، وعندما تنشر الفساد المالي والإداري والأخلاقي في البلد،
وعندما تضيق على الشعب في كافة مناحي حياتهم (بمعنى أن السلطة هي من تمارس التضييق
وليس يمارس عليها التضييق من الخارج).
وعندما ييأس الناس من إمكانية الإصلاح الداخلي،
وعندما يملوا من الوعود المتكررة بالإصلاح، وعندما يرون أن مجرد التعبير عن الرأي
يعني القمع الفوري والتنكيل، فيتراكم الغضب إلى أن ينفجر بشكل تلقائي، وبعدها يأتي
دور الإعلام ليعطي الانفجار زخمًا إضافيًا، لكن يبقى الزخم الأساسي والمركزي هو
الزخم الداخلي.
لذا جاءت المحاولة الأخرى لتثوير أهل غزة ضد
حماس بعكس ما تشتهيه أنفس قاطني المقاطعة، وبعد أن طالب جمال محيسن ولم يجد
لمطالبته أي صدى لا على مستوى الشارع الغزي ولا حتى على مستوى حركة فتح في غزة،
جاءت حماس لتنظم مسيرات شارك بها عشرات الآلاف، ولم تتكلف عناء الدعوة فقد كان
يكفي الاعلان قبل يوم واحد حتى تقاطر مؤيدو الحركة وشاركوا بالمسيرات بعد صلاة
الجمعة.
ولمن لا يعرف جمال محيسن فهو عضو ديكور في ما
يسمى "اللجنة المركزية لحركة فتح"، ومهمتها الأساسية (وربما الوحيدة) هي
البصم بالعشرة على كل قرارات محمود عباس وإصباغ صفة الشرعية التنظيمية عليها، وهو
خصم مر لدحلان ولتنظيم فتح في قطاع غزة، وكان من الخطأ أن يلتفت بعض الكتاب
والناطقين الرسميين لدعوته، والتي لم يتجاوب معها أحد وما كان لأحد أن يدري عنها
لولا منتقديه من حركة حماس.
والسؤال المطروح هل اقتنع أهل المقاطعة أنه لا
يمكن تحريك ثورة داخل غزة ضد حماس، أم أنهم سيعيدون الكرة بعد حين؟ بالأمس سخروا
من قول طاهر النونو بأن الثورة لن تندلع في غزة ضد حماس، وشبهوا أقواله بمن قال أن
مصر ليست تونس، وأن سوريا ليست مصر ولا تونس (تشبيه من باب الأماني والأمنيات)، أم
أن المسيرات مفبركة؟ أم أن حماس أجبرت الناس على الخروج؟
انتظروا إنا معكم منتظرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق