حصار أم انقسام أم سوء إدارة؟ أيها يتحمل
مسؤولية أزمة الكهرباء التي تعيشها غزة اليوم؟ لا شك أن الثلاثة عوامل تلعب
وبدرجات متفاوتة دورًا في ديمومة مشكلة الكهرباء وتفاقمها بين الحين والآخر.
ما نراه اليوم هو نتيجة بذور بذرت سنوات
التسعينات، بعد قيام السلطة وتوقيعها اتفاقية أوسلو وملحقاتها، وبعدما أنشأت السلطة
محطة توليد الكهرباء لتكون عونًا لأهل غزة من أجل سد احتياجاتهم من الكهرباء،
وبدلًا من ذلك أصبحت عبئًا يرهق كاهلهم، إلى جانب سياسة عرفات التي قامت على
التوسع بإعفاء الناس من فواتير الكهرباء حتى أصبح عدم الدفع حقًا مستحقًا للغني
قبل الفقير.
وبعيدًا عن تفاصيل أسعار السولار والخلاف بين
غزة ورام الله والقاهرة، الجميع يتجاهل أم المشاكل وأساسها، وهو الاحتلال
الصهيوني، ليس فقط لأن الاحتلال قصف محطة توليد الكهرباء عام 2006م، وليس لأنه
يحاصر غزة ويعاقبها من جهة المعابر التي يتحكم بها، بل أيضًا لأنه يتحكم بالقرار
المصري وقرار سلطة رام الله حتى يومنا هذا.
والاحتلال الصهيوني مرتاح للغاية أن يكون محمود
عباس وحسني مبارك (سابقًا والمجلس العسكري حاليًا) في "بوز المدفع"،
بحيث تلقى عليهما مهمة تعقيد حياة أهل غزة، وإشغال حماس بمعارك على إدارة الحياة
اليومية.
قد يقول قائل الجميع يقول الاحتلال ونعرف أنه
المسؤول الأول عن مآسي الشعب الفلسطيني، وجريمة الكهرباء والمحروقات ليست إلا نقطة
في بحر جرائمه، فلماذا نستخدمه شماعة لخلافات داخلية ولسوء علاقات مع جيراننا
العرب؟
الجواب ببساطة لأن مسؤولية الاحتلال عن أزمة
المحروقات والمعابر مع مصر والكهرباء هي مسؤولية مباشرة، فحسب اتفاقية باريس
(الملحق الاقتصادي لاتفاقية أوسلو) تعتبر الضفة وغزة ضمن اتحاد جمركي مع الاحتلال
الصهيوني، وحسب الاتفاقية أي رسوم تفرض على المستوردات يجب أن تحدد بنسب معينة لا
تنخفض عنها، والأهم من ذلك أن أي شيء يتم استيراده يجب أن يدخل تحت إشراف صهيوني
ومن معابر يتحكم بها الصهاينة.
وهكذا نفهم التمسك المصري بعدم فتح معبر رفح
أمام حركة المواد التجارية، وإصرار السلطة على ذلك، وإصرارهما على أن يتم من خلال
معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه الاحتلال، ويمكن أن نفهم عرقلة تزويد الجزائر
أو غيرها لقطاع غزة بالوقود مجانًا، لأنه بدون موافقة الاحتلال فلا مجال لإدخاله.
وحتى نفهم معنى اتحاد جمركي مع الاحتلال، فهذا
يعني أن الضفة وغزة والكيان الصهيوني تشكل كيانًا اقتصاديًا واحدًا يتولى الاحتلال
جمع الجمارك والضرائب على المستوردات، ثم يعطي السلطة حصتها، وفي حال
"أخلت" السلطة بما تم الاتفاق عليه، فالاحتلال يعتبر نفسه غير ملزم
بالاتفاقية، وهذا يعني حصار الضفة وغزة، وقطع الأموال التي يحصلها نيابة عن السلطة
ومنع التجار الفلسطينيين من الاستيراد.
وفي الجانب المصري ما زال المجلس العسكري يسير
تقريبًا على السياسة القديمة تجاه قطاع غزة، مع بعض التحسينات خاصة في أسلوب
التعامل، لكن المضمون ما زال كما هو تقريبًا، وليس من السهل عليه أن يغير السياسة
خاصة وأن مصر ما زالت مرتهنة بالقرار الأمريكي وبالمساعدات الأمريكية وما زالت
سيناء ضعيفة أمام أي تهديد صهيوني بالاجتياح.
فنحن أمام سلطة في رام الله ونظام في مصر ضعيفين
أمام الاحتلال عاجزين عن اتخاذ أي موقف فيه تحدي، لكنهما لا يعترفان بذلك ويكابران
ويحاولان التغطية عن عجزهما وتبعيتهما، وفي المقابل بدلًا من أن تسعى حماس لعلاج
أساس المشكلة فإنها تغرق في تفاصيل ومناكفات مع رام الله والقاهرة وشركة توليد
الكهرباء والمواطن الذي لا يريد الدفع.
أسباب أزمة الكهرباء والمحروقات عديدة، والكل
يعالج الأسباب الصغيرة والثانوية، لكن أحدًا لا يعالج السبب الأكبر ولا حتى يشير
إليه، وكأنه من مسلمات الحياة أو ضرورة من الضروريات، وحتى نلتفت للاحتلال الذي
يعرقل من خلف ستار أي حل جدي لأزمة الكهرباء، سنبقى نلف وندور في دوامة التفاصيل
والمناكفات التي لا تنتهي.
وقد يتساءل المرء أن مشكلة الاحتلال لا تحل إلا
بزوال الاحتلال، وهذه بعيدة ولا يحتمل أن يعيش أهل غزة بدون كهرباء حتى تحل القضية
الفلسطينية، وهذا صحيح لكن ما بين تحرير فلسطين وبين الحلول الجزئية يوجد منطقة
واسعة للمناورة.
فقد تستطيع سلطة رام الله ومصر الموافقة على أحد
الحلول مثل التبرع بالسولار عن طريق الجزائر أو غيرها وإدخاله عبر معبر رفح (وليس
كرم أبو سالم) باعتباره مساعدات وليس موادًا تجارية، وإن أراد الاحتلال التصعيد
فالوضع الدولي الجديد بعد الربيع العربي يشكل صمام أمان لكل منهما في وجه أي ضغوط
أمريكية وصهيونية، وهذا يتطلب شجاعة وجرأة من رام الله والقاهرة، ويتطلب أيضًا ابتعاد
حكومة غزة عن لعبة المناكفات والانشغال بتسجيل النقاط الحزبية والسياسية على
غريمتها حكومة رام الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق