الجزء الأول
المغرب والجزائر والسودان
بعد مرور أكثر من عام على اندلاع ثورة "25 يناير" المصرية، وانتصار أول الثورات العربية في تونس، يتساءل المرء هل سيتوقف قطار الثورات عند الدول الخمس التي اندلع بها؟ وهل سيمتد الربيع العربي إلى جميع أنحاء العالم العربي؟ وما هي المحطة التالية؟
يجب علينا الاتفاق ابتداءً على أن الثورة بحد
ذاتها ليست غاية بل وسيلة تلجأ إليها الشعوب في حال أغلقت في وجهها الأبواب،
فالشعوب العربية لديها مطالب محددة: حفظ كرامة المواطن وآدميته واحترامه، والحريات
بأنواعها: حرية التعبير وحرية المعتقد وحرية العمل والكسب، ومحاربة الفساد وتحقيق
العدالة، والمشاركة باتخاذ القرار.
في حال كان هنالك أمل لتحقيق هذه المطالب من
خلال الوسائل التقليدية والسلمية، لاحقه الناس حتى آخر مدى، وفي حال كان هنالك
انسداد أو مماطلة فالانفجار قادم لا محالة.
وشهدت عدة دول عربية بعض التحركات الشعبية لم
ترقَ إلى مستوى ثورات شاملة، مثل الجزائر والمغرب والأردن والكويت وبحدةٍ أقل في
السعودية والسودان، والقاسم المشترك بين الدول الأربع الأولى أن رأس النظام تجاوب
ولو جزئياً مع المطالب، بينما في السعودية والسودان ما زال النظام يعتقد أنه غير
ملزم بشيء.
سنحاول بحث الوضع الداخلي في هذه الدول الست
باعتبارها المرشحة التالية لحصول تغيير، سواء كان من خلال عملية سياسية سلمية أو
عبر انفجار ثورة عارمة، وإن كان الظاهر يبدو أن الأنظمة العربية (أو قسم منها)
بدأت تتعلم الدرس ممن سبقوها.
المغرب:
شهد المغرب بداية العام الماضي حراكاً شعبياً
عرف بحراك 20 فبراير، وانضمت إليه جماعة العدل والإحسان وبعض التنظيمات اليسارية إلا
أن الملك المغربي استبق الأحداث وأعلن عن جملة إصلاحات وتعديل الدستور وإعطاء
البرلمان والحكومة صلاحيات أوسع.
حصل الملك الشاب من خلال هذه الخطوة على مهلة من
الشعب المغربي، بل وحتى من أشد معارضي النظام الملكي مثل جماعة العدل والإحسان
التي علقت مشاركتها بنشاطات حركة 20 فبراير وأبدت رغبتها بالحوار مع الحكومة.
فكيف نجح الملك بما فشل به زين العابدين؟ في
البداية لا بد من الإشارة إلى أن الملك محمد السادس نقل المغرب نقلة نوعية منذ
توليه السلطة من ناحية الحريات السياسية ووقف التعذيب الممنهج في السجون
والمعتقلات، بعد أن كان القمع السياسي مضرباً للمثل في عهد والده، وكانت السجون
سيئة الصيت مثل سجن تازمامارت يضرب بها المثل في الوحشية وانتهاك آدمية الإنسان،
فضلاً عن اغتيال المعارضين السياسيين واختطافهم مثلما حصل مع المهدي بن بركة (الذي
اختطف عام 1965م ولم يظهر له أثر حتى اليوم).
الانتقال الطوعي خلال عهد محمد السادس ليس
بمستوى الطموح بكل تأكيد، وكاد يقتصر على ناحية التعبير عن الرأي وحرية العمل
السياسي، لكن بقي حق المشاركة باتخاذ القرار وتنمية المواطن المغربي ومحاربة
الفساد بعيدة المنال طوال الفترة الماضية، لكن لوجود أسبقية بالإصلاح الطوعي أبدى
الناس استعدادهم لتكرار تجربة الإصلاح لعلها تشمل باقي النواحي.
فشفع تاريخ الملك محمد السادس المقبول أمام
شعبه، كما أن إقدامه على المبادأة والسبق بطرح التعديلات الدستورية قبل أن تصل
الحركة الاحتجاجية نقطة اللاعودة، وقلة الخسائر البشرية (نسبياً لأنه وقع قتلى
وجرحى) ساهم بعدم تأجيج وتعقيد الأمور.
اليوم لدى الملك المغربي مهلة من الشعب المغربي،
وهي ليست مهلة للأبد، ويتوقع أن تكون الشهور القليلة القادمة هي المحك فإما أن
تتمتع الحكومة بحرية العمل بدون قيود المخزن ورجال الملك، وإما تكون مجرد تضييع
للأوقات.
المهمة أمام حكومة بنكيران هي تثبيت الإنجازات
التي تحققت، وترجمة الدستور الجديد إلى واقع ممارس على الأرض (لأن هنالك قوى داخل
النظام تسعى لتفريغها من مضمونها)، وهذا يتطلب وقفة جادة للتصدي لأي محاولة لإعادة
عجلة التاريخ للوراء. وهي ليست بالمهمة السهلة إطلاقاً، وخصوصاً على صعيد مكافحة
الفساد والتنمية الاقتصادية الحقيقية.
الجزائر:
يمكن القول بأن الشعب الجزائري سبق الكثير من الشعوب
العربية، عندما انتفض في أكتوبر (تشرين أول) عام 1988م تلتها فترة انفتاح سياسي
قادها الرئيس الشاذلي بن جديد، وانتهت بانتخابات عام 1991م وإلغائها إثر فوز جبهة
الإنقاذ وغرق الجزائر بصراع أهلي امتد لأكثر من عشر سنوات انتهى بقانون المصالحة
الذي قدمه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
حقق الجزائريون خلال أكثر من 23 عشرين عاماً
هامشاً مقبولاً من حرية الرأي والتعبير وهامشاً من المشاركة باتخاذ القرار، لكن
على مستوى الفساد المالي والإداري ونفوذ المؤسسة العسكرية ما زالت الأمور على
حالها تقريباً.
وفي فبراير (شباط) 2011م وبتأثر من الربيع
العربي صدرت عدة دعوات للتحرك الشعبي في الجزائر وحصلت مواجهات محدودة، وتزامنت مع
مظاهرات احتجاجاً على رفع أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية، إلا أن الثورة لم
تندلع لأسباب عدة: فمن ناحية استجابت الحكومة للمطالب الجماهيرية بخصوص أسعار
السلع وإلغاء الرفع.
ومن ناحية أخرى مَنْ تصدر قيادة الحراك المطالب
بتغيير النظام لم يتمتع بثقل جماهيري ولا مصداقية، فمن ناحية كان هنالك سعيد سعدي
العلماني المتطرف وصاحب الميول الأمازيغية العنصرية، ومن الناحية الأخرى علي بلحاج
القيادي بجبهة الإنقاذ والتي يقترن اسمها بالصراع الدموي خلال فترة التسعينات، ومن
الواضح أن الشارع الجزائر متوجس من تلك الفترة ويخاوف العودة للصراع الدموي، وهذا
سبب إضافي لخمود الحراك الجماهيري.
حرص عبد العزيز بوتفليقة على التقدم بمشروع
إصلاحي وتعديلات قانونية، إلا أن تعامل كل جبهة التحرير والتجمع الديموقراطي (طرفي
التحالف الثلاثي الحاكم في الجزائر) مع قانوني الأحزاب والإعلام أفرغ عملية
الإصلاح من مضمونها؛ وهذا أدى لانفصال حركة حمس عن التحالف استعداداً للانتخابات القادمة.
لعل هذا التناقض بين مختلف أطراف التحالف الحاكم
وبوتفليقة يرسم صورة غير إيجابية عن مسار الإصلاح في الجزائر، فقوى الفساد
والإقصاء ما زالت تفكر بالطريقة القديمة، ولعل هذا ما يفسر التعامل السلبي الرسمي
للجزائر مع الثورة الليبية.
إذن نحن أمام وضع يقف الشعب الجزائري متخوفاً من
العودة للصراع الأهلي، ورئيس الجمهورية ليس العقبة أمام الإصلاح (وإن كان الكثير
يلومونه بسبب مهادنته لقوى الفساد والإقصاء)، مما يجعل أي ثورة شعبية تطالب
بإسقاطه عديمة الفائدة كونه ليس لبّ المشكلة، وسبق أن أجبر الشاذلي بن جديد على
التنحي، وبقيت قوى الفساد والإقصاء الخفية تعمل من وراء الكواليس، فالأمر يختلف عن
تونس ومصر حيث كانت المشكلة تتمركز في شخص رئيس الجمهورية.
تبقى الآمال معقودة على الانتخابات المقبلة في
شهر أيار المقبل، وانسحاب حمس من الائتلاف الحكومي وسعيها للتحالف مع المنشقين
عنها وإسلاميين آخرين، يعطي الأمل بأن تتمكن من تغيير الموازين لصالح مشروع إصلاح
سياسي حقيقي، وباتجاه تبني إجراءات مكافحة فساد فعالة وقوية، وهذا أفضل من استمرار
حالة الغليان الهاديء في الشارع الجزائري والذي يشهد بين الحين والآخر انتفاضات
مطلبية على صعيد محلي وآخرها كانت الاحتجاجات في ولاية الأغواط وغيرها على الفساد
الحكومي بتوزيع المساكن.
تعطينا التجربة الجزائرية درساً هاماً وهي أن
الثورات معرضة للانتكاس، وأن تنظيم الانتخابات وحدها لا تكفي لحصول التغيير
المنشود، كما أن تجربة جبهة الإنقاذ تعلمنا درساً آخر وهو أن التغيير الفجائي
والحاد سيقابل بردة فعل رافضة، ومن الأفضل التدرج بالتغيير حتى لو حصل التيار
الإسلامي على أغلبية مقاعد البرلمان.
السودان:
يمثل السودان حالة فريدة في العالم العربي، حيث
يحكمه نظام إسلامي لكنه فشل بتحقيق التغيير المطلوب على مدار 22 عاماً، تخللها
إنشقاق داخل النظام واختلاف بين الترابي والبشير، واندلاع نزاع أهلي دموي في
دارفور، وحركات تمرد في شرق السودان، وأخيراً كان انفصال جنوب السودان.
عرف السودان انتفاضة شعبية ضد جعفر النميري في
أبريل (نيسان) عام 1986م انتهت بانقلاب عسكري قاده عبد الرحمن سوار الذهب والذي
سلم السلطة لحكم مدني لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما قفز عمر البشير إلى الحكم من
خلال انقلاب عسكري عام 1989م.
إلا أن السودان لم يشهد تغييراً جوهرياً وإنما
مجرد تغيير بالوجوه، وبقي الفساد مستشرياً، وبقي القمع السياسي للمعارضة، وبقي
التخلف والفقر وتهميش الأطراف على حاله (بالرغم من اكتشاف وانتاج النفط في فترة
حكم البشير)، وبدلاً من أن يقرر البشير أن الوقت قد حان لاعتزاله الحكم أو البدء
بعملية إصلاح حقيقية، فهو يظن أن إسلامية النظام تحميه وتحصنه، واستمر بسياسته
القديمة القائمة على أرضاء واستقطاب المعارضة من خلال المناصب الوزارية والمحاصصة
الحزبية.
وهذا أسلوب أثبت فشله وتسبب بانفصال الجنوب
واندلاع حركة التمرد بدارفور. نسمع عن بدايات حراك شعبي تشارك به المعارضة لإسقاط
النظام إلا أنه ما زال ضعيفاً ومحدوداً، كما نسمع عن حراك شبابي معارض داخل صفوف
الحزب الوطني الحاكم لكن لم نر شيئاً فعلياً لحد الآن.
ما لم يتغير النظام في السودان فإن الخوف هو من
انهيار الدولة كلها، ومن انفصال دارفور وغرب السودان، وتفتت السودان إلى دول أصغر
وأصغر، فهل يستبق النظام الأحداث ويبدأ بإصلاح حقيقي؟ أم تستطيع المعارضة تنظيم
حراكاً فعالاً يطيح بالنظام؟ لننتظر ونرى.
أهم ما نتعلمه من التجربة السودانية هو أن تحذر
الحركات الإسلامية من فخ الاندماج بأنظمة الفساد بدلاً من تغييرها، حيث لن تضر
نفسها فحسب بل المشروع الإسلامي بأكمله.
فاصل ونواصل:
تناولنا الوضع في ثلاث دول من الدول الست، وبإذن
الله سنكمل تحليل الأوضاع في الدول الثلاث الأخرى في المقالة التالية.
هناك 4 تعليقات:
على الصعيد المغربي
نعم هناك إصلاحات تبناها الحاكم وكانت مهمة رغم أن الشعب المغربي يطمح لما هو أكثر
تلى ذلك تولي الإسلاميين رئاسة الوزراء وتولي بعض الحقائب المهمة نسبيا لأننا كنا نطمح أن يتولوا وزارات تهم الشارع العربي كثيرا وقد رفع الحزب شعارها من قبل وبها كانت حملته
وصوت الشعب عليه كي تكون هذه الوزارات تحت إمرته كي يفعلها وهي الشغل الصحة السكن والتعليم الإساسي
صراحة أصبنا بالإحباط الشديد وخاصة الشباب المعطل ولا أظنكم فاتتكم أخي الكريم حادثة إضرام النار في أجساد بعض الشباب الذي فاض به الكأس ملف البطالة حقا ملف مهم لكن عندما سأل الأخ بن كيران عن تخليهم لهاته الوزارات كان رده : تلك الوزارات مدرجة تحت الوزارة الأولى وسنتابع سيرها من كوننا وزيرا أول
هذا لم يرق لكثير من الشباب
على أي نرجو لهم السداد وأن يخرجوا البلاد من أزماتها
الجزائر
صراحة كونها بلد شقيق يعز علي أن أنسى مرحلة نجاح جبهة الإنقاذ لم تكن ثورة بالمعنى المتعارف عليه لكن كانت تجربة لو قدر لها ونجحت كانت رائعة لكن حماسة الإخوان الزائدة والتي تعلم منها الإخوان في المغرب جعلت العلمانيين والغرب بأسره يفسل تلك التجربة والآن جزائر ضعيفة بجراح صعب نسيانها لو
رغم أن لو تفتح باب الشطان لولا تصريحات بعض الإخوة والتي أكسبت خوف الآخر لما
على أي هي جراح لن ننساها فقد فرحنا لإخوتنا في الجزائر نرجو لهم من الله الثبات والنهوض من جديد بجزائر قوة
لي عودة إن شاء الله
شكرا على مرورك أخي الفاضل.
الإصلاح لن يتأتى بيوم وليلة، وخاصة بوضع مثل المغرب، بالنسبة للعاطلين عن العمل فمعالجة مشكلتهم يحتاج لقيام اقتصاد حقيقي في البلد، وهذا يحتاج لوقت.
الأمور ستتضح خلال الأشهر القادمة، وحتى فترة عام أو عامين، إما أن نرى بدايات التحسن أو لا سمح الله تنتكس الأمور.
أخي الكريم ياسين عدت حتى أستكمل حديثي وخاصة في ما يخص الشأن المغربي
طبعا أخي نحن نعلم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن هذا أكيد
شيئ آخر ألا تعتقد أن الشعب هو أيضا يتحمل جزء كبير من المسؤولية في التغيير
مثلا في المغرب ليس هناك قانون يحضر الحجاب فتجد جزء كبير من الفتيات غير محجبات وبحجج واهية..
تجد المهرجانات وقد إستقبلتها وفود بالمآت حتى تشاهد مواضيع تافهة ولا ثمة بأي صلة بعاداتنا أو قيمنا أو إسلامنا فعندما إحتج حزب العدالة والتنمية عن هكذا مهرجانات أجابهم المعنيون بالأمر أن الشعب يحضر
بالمآت يعني فين المشكلة !!!
يعني إحنا نقدم ما يطلبه المشاهد !!!
طبعا عذر أقبح من زلة ..
المساجد مفتوحة في غياب الشباب الذين عوضوها بالملاعب وما يرافق الملاعب ما كلمات بديئة قد تصل للشتم والسب وأنا لست ضد الكرة كلعبة لكن حين تتحول لمعبود يتقاتل من أجلها الشباب هنا أتسائل ..
الأسرة فقدت دورها وتركته إما للشارع وإما للمسلسلات المكسيكية والتركية الهدامة وتجد نفسك حائر وتجد نفسك قلة قليلة من تدعم رأيك فالشعوب هي أيضا أحيانا يكون لها ثقل في التغيير بل ترضخ لكل رخيص دون أن تقوم بفلترة البرامج يعني غثاء وهذه ليست نظرة تشائمية لكن هو حال غالب نسأل الله أن يهدينا ويهديهم للصراط المستقيم
نعود للإسلاميين جزء كبير آمن بالسياسة وهم حركة التوحيد وجزء رفضها وهم حركة العدل والإحسان وجزء آخر نفض يديه منهما وإكتفى بإصلاح الناس ما إستطاع لأنه رآى أن الذين خاضوا السياسة أمامهم عقبات جمة والآخرين ممن رفضها مغيبون وتحت المجهر
حال صعب نرجو من الله أن يبصرنا وأن يصلح حالنا وأن يجعل لنا من أمرنا مخرجا
اللهم آمين
أخي الكريم، أتفق معك في أن جزء من الخلل يأتي من المجتمع، وما ذكرته ليس خاصاً بالمغرب فنجده بأغلب المجتعات العربية والإسلامية (إن لم يكن جميعها).
مثل هذه الظواهر بحاجة لتوعية دينية، وهنا يأتي دور التيار الإسلامي بكافة تنوعاته.
وبالفعل حقق التيار الإسلامي نقلات نوعية خلال العقود الأخيرة، لكن ما زال أمامه الكثير.
بوركت وشكراً لمداخلاتك الطيبة والثرية.
إرسال تعليق