شكلت الأجهزة الأمنية في العالم العربي أهم أذرع
القمع التي استخدمتها الأنظمة المستبدة لترسيخ سلطتها، بحيث باتت الأجهزة الأمنية
في عدد من الدول العربية بمثابة قوة احتلال مهمتها ترويع المواطنين، وحاولت
الأنظمة العربية طوال العقود الماضية تسويق نظرية أن الأمن والاستقرار أولاً، وأنه
لولا القمع الأمني لانحدرت البلاد في منزلقات لا يحمد عقباها.
وتعامل الكثير من أنصار الأنظمة (وبعضهم ما زال
كذلك لليوم) على أن الأجهزة الأمنية شر لا بد منه، وأن ضحايا الأجهزة الأمنية هم
ضريبة يجب دفعها من أجل الأمن والأمان، وأن تسجن ألف بريء خير من "ترك البلاد
مستباحة لأعداء الدولة ولأعداء الشعب".
وبالرغم من الإطاحة بعدد من أنظمة الاستبداد،
إلا أن أجهزتها الأمنية بقيت، وواضح من المواجهات في ميدان التحرير (الشرطة
العسكرية تحديداً) ومن قبلها في تونس أن تجاوزات الأجهزة الأمنية ما زالت كما هي
تقريباً.
وهذا أمر متوقع، ليس فقط لأن الأفراد المكونين
لهذه الأجهزة ما زالوا كما هم وخاصة الصفوف الوسطى والدنيا، بل أيضاً لأن جزء من
مشكلة الأجهزة الأمنية في الدول العربية هي عدم المهنية وقلة الوعي والتدريب، مما
يدفع رجل الأمن لحل أي مشكلة بالضرب، فالضرب أسهل شيء ولا يحتاج لكثير تدريب (هذا
إن احتاج أصلاً لتدريب).
فعندما يوجد متظاهر لا يريد فتح الشارع فأسهل
علاج له هو ضربه ولا يهم لو كسرت رقبته أو رجله، المهم أن يقوم رجل الأمن بما
يلزم، وإن كان هنالك متهم لا يريد التكلم فأسهل شيء أمام المحقق هو الضرب والتعذيب
الجسدي، واستخدام التعذيب في التحقيق لا يشكل امتهاناً لكرامة الناس فحسب، بل يؤدي
في كثير من الأحيان لإدانة الأبرياء وترك المجرم الحقيقي طليقاً في الشارع.
فأحد المهمات العاجلة في الدول بعد نجاح الثورات
هو إعادة تأهيل أفراد الأجهزة الأمنية، ورفع كفاءتهم وتدريبهم على طرق التعامل
الحضاري مع المواطنين، وجعل حقوق المواطن جزءً أساسياً من عملية تدريب وتكوين رجال
الأمن.
وفي الواقع خضعت الأجهزة الأمنية في عدد من
الدول العربية والإسلامية سابقاً لمعالجات وإعادة تأهيل في الأعوام الماضية (بدون
ثورات)، مما أسهم بحصول تحسن ملموس على هذا الصعيد بهذه الدول، فبعد أن اكتسبت
سمعة قذرة بقمع معارضيها بأشبع الوسائل والطرق، تم إدخال إصلاحات في الأجهزة
الأمنية في المغرب والبحرين وتركيا، مما يجعل المهمة سهلة وممكنة خاصة في الدول
التي حصلت فيها ثورات.
هنالك جانب آخر أكثر أهمية لمشكلة الأجهزة
الأمنية، وهو حجم الصلاحيات الواسع الذي تتمتع به هذه الأجهزة، وتحت ذرائع متعددة تتدخل
بحياة الناس وخصوصياتهم، وأبرز أشكال التدخل يتجلى بما يسمى بالسلامة الأمنية أو
حسن السير والسلوك أو الفحص الأمني، وهي سلسلة إجراءات ومعاملات يقدمها المواطن إلى
الأجهزة الأمنية عندما يتقدم من أجل وظيفة عمومية أو حتى الحصول على رخصة لمزاولة
مهنة حرة أو القيام بمشروع وتختلف التفاصيل من دولة عربية إلى أخرى، لكن جوهرها
واحد وهو إعطاء الأجهزة الأمنية حق الاعتراض على توظيف أو إعطاء رخصة لمن ترى فيه
خطر على البلد أو الدولة.
مشكلة السلامة الأمنية أنها تطلق يد الأجهزة
الأمنية للتدخل في حياة الناس وفي أمور ليست من صلب عمل أجهزة الأمن، ففي بعض
الدول العربية مثلاً الزواج يحتاج لموافقة الأجهزة الأمنية!! فإذا كان الشخص
المتقدم لوظيفة أو لطلب رخصة يعتبر خطراً على الأمن القومي أو أمن البلد لماذا هو
طليق وليس وراء القضبان؟ وهل كل الوظائف تحتاج فعلاً لفحص أمني وضمان عدم توليها
أشخاص يتعاملون مع جهات مشبوهة؟ وهل جعل ذلك دولنا العربية محصنة ضد الاختراق
الخارجي؟
وهنا ننتقل للسؤال الأهم: ما هي المعايير التي
تتبعها الأجهزة الأمنية في تصنيف الناس وخطرهم؟ بعض الدول العربية تعتبر كل من
يرفض الانضمام للحزب الحاكم خطراً على الدولة والمجتمع، فهو "بكل تأكيد شخص
عميل ومشبوه ولهذا يرفض الانضمام للحزب"!! وفي دول أخرى يحاسب على آرائه
وأقواله وربما بسبب تردده على المساجد أو إطلاقه اللحية.
في الممارسة العملية نجد أن الأجهزة الأمنية
تعدت بكثير مهمتها الأصلية في عملية السلامة الأمنية، ويجب أن تلغى تماماً فلا
يوجد ما يستوجب الفحص الأمني للمتقدمين إلى الوظائف أو الرخص (باستثناء الانضمام
إلى بعض الأجهزة العسكرية والأمنية الحساسة)، ومن يكتشف أنه جاسوس أو عميل أو مرتكب
لتجاوزات أمنية فليعتقل وليقدم للمحاكمة.
وهنا نشير إلى المطالبات باستبعاد فلول زين
العابدين ومبارك من الانتخابات في تونس ومصر، حيث لم يتم الاستجابة لهذه الطلبات
ولسبب وجيه ومقنع وهو أنك لا تستطيع إدانة الناس بالانتماء إلى الفلول بدون أن
تظلم الكثير منهم، حيث ستكثر التقارير الكيدية والتأويلات، يجب أن تترك هذه الأمور
للقضاء.
وقد شارك الفلول وحققوا بعض النتائج الهزيلة
التي لا تؤثر على مسار الثورة سواء في تونس أو مصر، وبالتالي الخطر الذي كان يخشى
منه لم يتحقق، والمضرة التي كانت ستحصل لو نفذ قرار المنع تم تفاديها.
طبعاً يوجد مخاطر عندما تسمح للناس بالمشاركة
بدون رقابة أمنية لصيقة، لكن مفاسد الرقابة اللصيقة أكبر من منافعها، فهذا ما
علمتنا إياه التجربة العملية في أكثر الدول العربية خلال العقود الماضية، يجب أن
يبقى اهتمام رجل الأمن بالأمن فقط، لا يجوز له أن يتدخل بالوظيفة العمومية ولا
بالمهن ولا الصناعة ولا التجارة ولا السياسة.
لا يجوز أن نعامل الناس على أنهم متهمين حتى
تثبت براءتهم، فهذا يدمر المجتمع ويخلق مجتمع من الشكاكين والمهووسين أمنياً،
ويخلق مناخاً مزدهراً للفساد والإفساد والإقصاء والاستبداد، فلنتحمل مخاطر وجود
جاسوس أو مدسوس بيننا فهذا أقل سوءاً وأقل ضرراً.
هناك 4 تعليقات:
المؤسسة الأمنية في البلدان العربية للأسف جامدة ولا تغيير فيها ولازالت كعهدها منذ الإستعمار ليومها هذا فقط تغيرت الإسماء من جاك ل عادل أو منير فقط
ولازلت أذكر كيف تعامل رجل أمن مع طفلته الصغيرة وهي لم تتجاوز 3سنوات حتى يلقنها كلمة -بابا- ضربها ضرب مبرح لأن الطفلة عجزت عن نطقها للأسف ماتت الطفلة ومشهد آخر كان طفل يرافق أباه لصلاة الجماعة فطار عقل الطفل الصغير وهو لا يصدق مايرى فجذب أباه حتى يريه المشهد رغم أن المشهد عادي هو رجل أمن يصلي ببدلته البوليسية فقال الطفل : أبي بوليسي يصلي !!!!يعني الطفل هاله أن يرى رجل أمن يصلي فهذه فقط بعض النمادج وإلا رجال الأمن في بلداننا العربية يمثلون أسوء النمادج في القمع والسلطة والتسلط على رقاب العباد والقصص كثيرة..أرجو من من يهمهم أمر المواطن أن يسعون لتغيير جذري حتى يرتقوا بالمواطن ويحترموا كرامته التي أهدروها لعقود..
بإذن الله تنتبه الشعوب العربية لهذه الملاحظات، ويجب أن ندرك أن المشكلة لم تكن بالوجوه فكما تفضلت تغيرت الوجوه وبقيت الممارسات كما هي.
نريد تغيير طريقة العمل كلها وبشكل كامل.
أخي الكريم رغم وصول بعض الإخوة الإسلاميين لمناصب وزارية مهمة إلا أن لكل دولة خط أحمر لا يستطيع أي كان أن يتخطاه على أي نرجو أن نرى تغيير حقيقي وإلا فقط لأننا نعيش لحظة تاريخية وهي الثورات فقد فهمت بعض الدول الدرس وحركت عجلة الإصلاح لحتى تقطع الطريق عن أي حراك مستقبلي يطلب بتغيير جذري المهم الأخ مقاوم جزائري لا أظنه يحكي من فراغ فقد وصلتنا مشاركة من أخت فاضلة من مصر تحكي نفس إللي حكاه هذا الأخ عن عناصر لا يهمها إلا تشويه الثورة وثنييها عن أي إحراز لأي إنتصار للإخوةان هناك والأخت حقا مثال للأخت الطيبة وهي عضوة في حزب الحرية والعدالة وراح أنقل لكم كلامها بدون أن أنقص منه أي حرف والله شهيد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،أخواتى الحبيبات الغاليات،كيف حالكن أتمنى من الله أن تكن جميعاً بخير،أشكركن لسؤالكن مع تقصيرى الشديد معكن وهذا ما عهدته منكن ومن أخلاقكن،وأرجوا منكن الدعاء لنا فى مصر فنحن نمر بمحن شديدة وحرب شعواء من قبل من لا يريدون للإسلام أن يحكم،فهم يريدون تدمير مصر وترويع شعبها،فنحن لا ننام ولا نأمن فى بيوتنا،لقد أصبحت مصر فريسة للمخربين والمفسدين وللعصابات الخطيرة ومسجلين الخطر،لا يمر يوم إلا بخطف وسرقة وقتل،فأول أمس تم خطف طفل من جيراننا أمام والدته وأمام سائق الباص وبتهديد السلاح الذى أغرق كل محافظات مصر،وهذا إضطرنا لمنع نزول الأطفال للشارع وحراستهم وإصطحابهم وقت الذهاب للمدرسة ووقت الإياب،وحتى ونحن معهم لا نكون مطمئنين فيخطف الأطفال وهم مع أمهاتهم،هذا غير خطف النساء والبنات وترويعهن بالرشاشات،أصبحنا لا ننزل الشارع إلا لضرورة قصوى أو عمل،وحتى البيوت أصبحت غير اّمنة،فهى أيضاً تسرق،مع تأمينها،نشعر بكابوسولا نصدق ما نحن فيه، ولا ندرى ما ستئول إليه الأمور،فهى تسوء مع الوقت،ونرجوا من الله النجاة،أناشدكن الدعاء لمصر وأهلها،دمتن فى حفظ الله
إذن أخي الكريم رغم أن الأخ يتجاوز حد الحوار ببعض الكلمات الغير المسؤولة إلا إنه على حق هناك من يريد أن يجر مصر لحرب الكل خاسر فيهالكن أنا معك القضبة الأمنية في التعامل مع الكل بالعنف غير منطقي والأولى مزيد من نشر الوعي وإلا بماذا تفسر عدم مشاركة الإخوان في مظاهرة يوم الجمعة؟؟؟ لكن إللي أزعجني هو كون الأخ ضيّق الموضوع وحسره فقط في الشأن المصري والمقال كان أشمل وأعم وأعمق ..لذلك حاول أخي لفاضل أن تتفهم ماكان يرمي إليه من خلال تدخلاته المتكررة ..والله أعلم
من جهة أخرى رجاءااااااااا أنا حطيت مباركة للأخ مشرفنا الأسبق لمولوده البكر والله فرحا له ولحتى يفرح له الإخوة وخاصة جاء هذا المولود الميمون بعد مدة من زواجهما فكانت فرحة حبيت أن يشاركونني الإخوة والإخوات لكن المشرف سعيد الخالد قتل في نفسي هذه الفرحة سامحه الله وأنا ما تجرئت وحطيت هكذا موضوع لحتى شفت موضوع مباركة زفاف أحد الإخوة المحررين يعني وين الغلط في إللي قمت به على أي أهل مكة أدرى بشعابها..
حياك الله أختي الفاضلة.
التغيير لا يأتي بيوم وليلة، لكن مسألة وجود سقف أظن هذه تعديناها وأصبحت وراء ظهورنا، هي عقبات ومعوقات لكن ليس سقوف.
بالنسبة لرسالة الأخت من مصر لا أستطيع أن أحكم على الوضع في مصر من خلال شهادة يتيمة قد تكون فيها بعض المبالغة أو تأويلات معينة من أجل اثبات وجهة نظر مسبقة.
وفي كل الأحوال لا يجوز ولا يقبل أن نضع الحرية واحترام حقوق الإنسان مقابل ضياع الأمن، أو الأمن مقابل ضياع الحرية وحقوق الإنسان.
نحن نريدها كلها وهذا ممكن بإذن الله.
فقط ملاحظة سريعة بالنسبة لتهنئة الإخوة المحررين نقلت إلى محور الأسرى ولم تبقى في محور الأخبار.
إرسال تعليق