الاثنين، 5 ديسمبر 2011

هل فكرت يوماً أن تمد يدك؟

كم منا فكر في يوم من الأيام بأن يمد يده لمساعدة الآخرين؟ كم منا فكر بأن يخدم مجتمعه بدون مقابل أو مكافأة؟ دائماً نقول الحكومة يجب أن تفعل كذا وكذا، والحكومة يجب أن تهتم بتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل، والحكومة يجب أن تبني المساكن للفقراء، ويجب ويجب ويجب.


الحكومة من واجبها رعاية مصالح الشعب، وكلنا يذكر مقولة الإمام العادل عمر بن الخطاب "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها"، لكن الكثيرين ينسون مسؤولية الفرد ومسؤولية كل واحد منا تجاه الآخرين، فالزكاة مثلاً هي بالدرجة الأولى عبادة يؤديها الفرد من تلقاء نفسه، والدولة تحاسبه إن قصر لكن بالنهاية هي مسؤوليته كفرد تجاه المجتمع كما حدده المولى عز وجل. وإن قصرت الدولة فهذا لا يعفي الفرد من أداء الزكاة.


وفي السنة النبوية الشريفة الأحاديث الكثيرة التي تشجع على البذل والعطاء وأداء الأفراد لواجب مساعدة الآخرين من البشر وحتى من غير البشر، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري بعد أن روى قصة الرجل الذي سقى كلباً عطشاً الماء، "في كل كبد رطبة أجر."


ولعبت مؤسسة "الأوقاف" طوال عهود الدولة الإسلامية دوراً محورياً في مساعدة فقراء المسلمين والإنفاق على المساجد ومراكز العلم، وأغلب الوقت كانت الأوقاف بمثابة مؤسسات أهلية (بلغة عصرنا هذا) أي لا تشرف عليها الدولة، بل يقوم عليها أفراد وعائلات ومتطوعون، فساهم المواطن المسلم ببناء مجتمعه إلى جانب الدولة الإسلامية.


وعند قدوم الاستعمار قام بتأميم الأوقاف وجعلها تابعةً للدولة، حتى يتحكم بحياة المواطنين ويفقد الشعوب العربية والإسلامية استقلاليتها واكتفائها بذاتها، وبعد خروج الاستعمار وقيام الدولة الحديثة لم يعد للأوقاف دورها السابق ولم تشأ الحكومات أن تفرط بأملاك الأوقاف التي ورثتها، فكان أن وئدت الأوقاف تحت وطأة البيروقراطية والفساد.


ولم تكتف أنظمة الاستبداد بالاستيلاء على مقدرات الأوقاف وإلغاء دورها كمؤسسة عمل أهلي، بل ضيقت على كل أشكال العمل التطوعي، وخصوصاً الأنظمة الثورية التي رأت في الاشتراكية والعلمانية حلولاً لكل مشاكل الشعوب العربية والإسلامية وما ترتب على ذلك من مصادرة العمل والأهلي التطوعي وتأميمه، فأي جمعية خيرية وأي مبادرة فردية للمساعدة وأي تجمع شبابي أو غير شبابي هو مؤامرة مشبوهة لأحزاب سياسية.


وأشاعت أنظمة الاستبداد ثقافة "اللهم نفسي"، إلى درجة أصبح المجتمع يصور كل من يفكر بمساعدة الآخرين والقيام بعمل طوعي أنه إما انتهازي يريد مصلحة مادية أو أنه حالم ساذج لا يعيش في الواقع، ورسخت هذه الأنظمة ثقافة أن من أراد العيش فيجب أن يطلب ذلك من الدولة لأنها هي وحدها المسؤولة عن الجميع، وفي ظل الفساد والاستبداد المستشريين أصبح هذا يعني أن من أراد الحياة فعليه تملق المؤسسة الحاكمة والتوسل إليها.


فأصبحنا أمام دولة فاسدة ومعطلة لا تقدم شيئاً لمجتمعاتها ولا تسمح للمجتمع بأن يقوم بدوره المطلوب منه، في حين أن أكثر الدول الغنية والمتقدمة تقدم الخدمات لمواطنيها وتفتح المجال لمؤسسات العمل التطوعي لتساعد المحتاجين وبشكل مفتوح وبدون قيد أو رقيب. ولهذا لن نجد ثورات عنيفة في أمريكا والتي يعيش بها عشرات ملايين المشردين، لأن هنالك عشرات المؤسسات الطوعية التي تقوم على خدمتهم وبدون أي عوائق تضعها الحكومة.


ويشير المطلعون على الوضع التركي الداخلي إلى أن مؤسسات العمل الأهلي والتطوعي تلعب دوراً هاماً يوازي دور الدولة، وهنا مكمن خوف الأنظمة المستبدة فهي لا تريد أي قوة تبرز سواها حتى لو كان دورها خدمة الفقراء والمحتاجين أو تنظيف الشوارع وحتى لو سبح القائمون عليها بحمد الحاكم، فإما أن يكنس النظام الشوارع أو لتبقى قذرة بدون تنظيف.


فكان وأد العمل الطوعي هو أحد الضحايا الجانبيين للاستبداد السياسي، ولذا في عصر الثورات العربية يجب أن نعيد للعمل التطوعي والأهلي دوره الأصيل في حياتنا كمسلمين وكأمة إسلامية، طبعاً لا يستطيع كلنا إنشاء جمعيات خيرية أو مؤسسات أهلية فقد لا يملك المرء الإمكانيات أو المؤهلات وربما بعضنا ما زال يعيش في ظل أنظمة لم تتعلم الدرس ممن سبقها، لكن كل هذا لا يهم فهذه مجرد تفاصيل، ما يهمنا هو المبدأ، ما يهمنا فكرة أن نمد يدنا لمساعدة غيرنا.

ليبدأ كل منا بما يستطيع عليه، لنفكر فيما حولنا، كيف يمكنني مساعدة من حولي؟ كيف يمكنني مد يد المساعدة لجاري أو لقريبي أو لصديقي؟ كيف يمكنني أن أعمل فرقاً في المجتمع ولو من خلال كلمة خير أقولها، أو دعوة صلاح أدعو لها؟ فهذا زمن الحرية وزمن تحرير أنفسنا من حب الذات.

هناك 7 تعليقات:

أم كوثر يقول...

صحيح كلاكم أخي الكريم فكما تكونوا يولى عليكم فهذه الأنظمة ما هي إلا إنعكاس لواقع معاش فإذا حكينا عن الأنانية نجد المجتمع أكثريته أناني ترى ذلك جليا في الأسر الكبيرة فيها أغنياء هل أحسوا يوما بمن هم فقراء في العائلة ؟؟ كلا ونحكي عن الظلم وووو....كل شيئ حكيناها عن الأنظمة التي تعيث إستبدادا وظلما إلا ووجدنا له مثالا حيا بين أفراد المجتمع فكيف نلومهم ونحن نعيش في ما بيننا ظلما وتسلطا فعلينا قبل أن نغير القمة نغير السفح مهما نظفت أسفل السلم أو الدرج جسب لهجتنا ستتسخ من جديد لأن علينا أن ننظفها من الأعلى لكن لو غيرنا في سلوككنا وتراحمنا فيما بيننا وكنا أخوة كاملة لكان هذا مدعاة للتغيير لكن في المقابل أي تحرك تطوعي إلا ووصف بأوصاف لا تليق أعطيك مثال لو أن حزبا إسلاميا أعان الأرامل وقدم معونات للمحتاجين فحتما سيكون عمله هذا فيه نوع من الإشهار لحزبه الإسلامي مثلا نحن نريد عمل تطوعي من كل أفراد المجتمع نقيم تكافل وتعاون كما أسلافنا فاليوم إندثر ذلك التكافل ولم يبقى له صدى كان الجيران فيما بينهم كالإخوة كان التكافل له بصماته الغني يشفق على الفقير ويقضي حاجاته لماذا في نظرك إندثر هذا الخلق الرائع وحل محله الإنانية؟؟ يعني نعزوه للإستبداد الحكام وأنعكس ذلك على الأفراد أم لطريقة عيش الناس الجديدة أم ماذا؟؟

ياسين عز الدين يقول...

شكراً على مرورك ومشاركتك أختي أم كوثر.

بالفعل الأنظمة والحكومات هي نتاج المجتمعات، حتى لو كانا في لحظة من اللحظات على طرفي نقيض. وبالتالي إصلاح الحكم يأتي من خلال إصلاح المجتمع.

إبـــآءْ يقول...

أجزتَ فيما قلت ..
أود أن أقول أني أتفق تماما مع رأيك الذي يقول بأن الاعمال التطوعية في مجتمعاتنا ودولنا المعاصرة بمثابة "أعمال ضد استمرار سيطرة الدولة وهيمنتها حيث يشكل تهديد على استمرارية سيطرة اليد العليا للدولة على الشعب" هي لا تريد إلا أن تكون الجهة الوحيدة المعيلة للشعب وان تكون مصدر رزقه الوحيد حتى تبقى هي المسيطرة والمهيمنة وصاحبة الفضل ..
أذكر مثال يدعم هذه الفكرة ..
( في فترة حكم العثمانيين وبعد عام 1931م عندما تولى ابراهيم باشا حكم فلسطين ومجاوراتها حاول حاكم لبنان وقتها أن يفرض سيطرته على فلسطين وينهي حكم ابراهيم باشا عليها عندها تنبّهت بعض العائلات الكبيرة التي كانت لها سلطتها في فلسطين مثل آل رضوان في غزة -على سبيل المثال لا الحصر- وقامت بالدفاع عن ارض فلسطين وحالت دون وقوعها بيد حاكم لبنان وهو بمثابة عمل تطوعي ودافع داخلى لا دخل للسلطة حينها به,رغم ذلك وبدل أن يشكرهم ابراهيم باشا قام بمحاربتهم وقمعهم " مخافة ان يتعالى نفوذهم ويشكلوا خطر على حكم ابراهيم باشا لفلسطين!!" فكان تصرفه المضاد هذا وبالا عليه ومما زاد سخط الناس عليه وعلى حكمه فقاموا بثورة ضده}
وكأنك يا تاريخ تعيد نفسك !

ياسين عز الدين يقول...

شكراً على إضافتك الطيبة أختي أسماء.

دائماً المستبدون والطغاة لا يريدون سوى إبقاء الناس محتاجين إليهم في كل شيء، ولا يقبلوا أقل من ذلك.

ملاحظة: يبدو من السرعة أنك كتبت تاريخ 1931م بدلاً من 1831م

أم كوثر يقول...

السلام عليكم
أخي الكريم لي رجاء بما أنني غير ملمة بالنت كثير أردت أن أدخل لشبكة فلسطين فلارد ولا يريد السيت أن يفتح الموقع مغلق فرجعت لإميلي حيث إستعنت ب رابطين لكن للأسف لا يريد أن يفتح:
http://64.57.218.25/~paldf/forum/index.php

http://64.57.218.25/~paldf/forum/showthread.php?t=910475
رجاءا أنا أعلم أنه لا يناقش هكذا أمور في مدونكم لكن رجاءا ساعندي وجزاكم الله ألف خير

ياسين عز الدين يقول...

للعلم تعذر دخول الشبكة من الرابط الأصلي سببه الهجمة الألكترونية المتواصلة عليها.

أم كوثر يقول...

جزاكم الله خيرا الآن نقلت الرابط الذي أعطيتني إياه بارك الله فيكم والله الآن فقط رأيته ..الحمد لله لقد ثم فتح السيت الحمد لله أرجو المعذرة نعم كلامكم صحيح الموقع أحيانا يتعذر فتحه ولا يفتح إلا ناذرا اللهم أحفظ الشبكة ..اللهم آمين