أثار حضور الصحفي اليهودي الفرنسي برنار ليفي لمؤتمر المعارضة السورية في أسطنبول ضجة، وخاصة أن إعلام "الثورة المضادة" في العالم العربي يستخدم اسمه لترويج نظرية أن الثورات العربية ما هي إلا مؤامرة صهيونية وذلك بعد اجتماعه مع قيادات من الثوار الليبيين.
والأصل أن الثوار السوريين انتبهوا لخطأ الثوار الليبيين وتعلموا الدرس، ولا أدري ما أهمية دعوة هذا الكاتب الصحفي (البعض يبالغ بوصفه ويسميه فيلسوفاً)، وإن كنت على يقين أنه ليس أكثر من صحفي محب للظهور والأضواء إلا أنه يجب على الثوار السوريين الحذر من الوقوع بمثل هذا الفخ، لأن النظام السوري يستغل مثل هذه المواقف في تعبئة أنصاره والتحريض على الثورة.
ومن قبله ارتكبت أخطاء مماثلة، مثل استقبال السفير الأمريكي بالورود في حماة، وإن كنت لا ألوم أهل حماة فهم أسرى هذا النظام ومثل أي أسير من الطبيعي يتعلقون بأي يد تمتد لهم ومن الطبيعي أن يتعلق الغريق بقشة، ولن نلومهم حتى لو قدموا الورود للسفير الصهيوني، فلا يمكن أن نتوقع غير ذلك من شعب يواجه الموت كل لحظة فوضعهم ليس طبيعياً، لكن المشكلة مرة أخرى هي في توفير الذرائع للنظام السوري.
وبكل تأكيد كان ذهاب السفير الأمريكي مؤامرة من النظام الذي سمح له بالوصول بدون عراقيل، ليبدأ بعدها بحملة إعلامية منظمة للكلام عن ذهابه لوضع اللمسات الأخيرة على "المؤامرة"، وبدلاً من طرد "السفير الخطير" قام النظام بحشد أنصاره لمهاجمة السفارة الأمريكية وتحطيمها، فهذه من ضرورات استغلال الزيارة إعلامياً لحشد الأنصار حول النظام السوري.
والأخطاء الأكبر أسمعها على الفضائيات من بعض المعارضين، ولا أدري وزنهم الحقيقي في المعارضة السورية، بين من خرج ليدين مهاجمة السفارة الأمريكية، وبين من يطالب أمريكا بمواقف أكثر شدة تجاه النظام السوري، وبين مطالب بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، فكل هذا الكلام يضر الثورة السورية ولا ينفعها.
من الضروري الإدراك أن النظام السوري يمتلك قاعدة شعبية يقوم بتعبئتها وإيهامها بأن الثورة ما هي إلا مؤامرة وأن الثوار ما هم إلا عملاء للخارج، وهذه التصريحات والمواقف بمثابة هدايا تقم على طبق من ذهب للنظام السوري، ولا يجب أن نستهين بالجهاز الإعلامي التابع للنظام ولا بقاعدته الشعبية، فهذا نظام استطاع طوال خمسين عاماً بناء قاعدة حزبية متجذرة وليس من السهل تفكيكها.
ولعلنا نرى كيف استطاع القذافي (وهو أقل كفاءة وتنظيماً ومصداقية من النظام السوري) جمع الناس من حوله، حيث يوجد لحد اليوم أنصار للقذافي مستعدين للموت من أجله، وتحت مسمى الحرب ضد الناتو ومحاربة المؤامرة الصليبية، فلا يجب أن نستهين بقدرات الأنظمة الاستبدادية على تجنيد الناس وغسل أدمغتهم.
ومن الناحية الأخرى يجب أن يستوعب قادة المعارضة السورية والثوار السوريين أن قوتهم الحقيقية موجودة في الشارع السوري، وأن ما يمكن أن تقدمه أمريكا أو غير أمريكا هو أقل القليل، ومن يتتبع تعامل الإدارة الأمريكية مع الثورات العربية يجد أنها تلاحق تطورات الأحداث وتميل حيث مالت موازين القوى، رأينا كيف كانت تدعم مبارك ثم تنقلب عليه عندما ترى المظاهرات في الشارع المصري ثم تعود وتدعمه عندما تظن أنه تم احتواء الثورة، ونفس الأمر في ليبيا بالأول دعمت الثوار وعندما بدت الأمور وكأن القذافي استعاد زمام المبادرة عادت للكلام عن تسوية بين القذافي والثوار.
أمريكا تلحق مصلحتها، ومصلحتها هي الوقوف مع الطرف المنتصر، وهي غير مستعدة للمغامرة بدعم الثورة السورية حتى آخر مدى فنراها تحافظ على علاقاتها مع نظام الأسد، وستبقى كذلك حتى اللحظة التي يصبح واضحاً فيها أن الثورة ستنتصر ووقتها سنرى تغيراً حقيقياً في موقفها.
وحتى الأنظمة العربية الموالية لأمريكا وعلى رأسها النظام السعودي، والتي تظهر العداء الإعلامي للنظام السوري، فهي ما زالت تحافظ على علاقاتها ومصالحها معه، ففي ذروة مجازر مليشيا الأسد كانت مئات الملايين من الاستثمارات الإماراتية تتدفق لدعم نظام الأسد، وقبل أيام صرح وزير الخارجية السعودي أن ما يحصل في سوريا هو شأن داخلي لن يتدخل به، وقد رأيت من يناشد الملك عبد الله بالتدخل لنصرة الثورة السورية وأقول له إطمئن لن يتدخل لا هو ولا أي من أنظمة الخليج (ربما باستثناء قطر)، فبقاء النظام السوري هو صمام الأمان لكل الأنظمة العربية الاستبدادية، إن سقط فسيعود الزخم للثورات العربية وتصيب بلهيبها ما تبقى من أنظمة عربية.
المهم أن يدرك الثوار السوريين أن الرهان هو على الأرض، وأن أمريكا والغرب هم عبء على الثورة وخصوصاً في هذه المرحلة، وأن سعيهم من أجل تصريح من وزيرة الخارجية الأمريكية أو مقالة من كاتب فرنسي لن يكون قليل القيمة فحسب، بل ثمنه سيكون دعم الحملة الإعلامية للنظام السوري.
معركة الثورة السورية هي معركة صعبة للغاية مع نظام دموي ومتجذر وله ماكنة إعلامية شديدة الذكاء، وأي موقف يظهر وكأنه الثوار يستمدون الدعم من الغرب لن يكون إلا إضافة يستفيد منها النظام وتطيل عمره.
في المقابل نشير إلى تصريحات العديد من رموز المعارضة السورية الذين لا يملون من تكرار رفضهم لأي تدخل خارجي في سوريا، فمن الضروري إدراك اللعبة الإعلامية التي يديرها النظام، ومن الضروري الإدراك أن أهم شرط لنجاح الثورة السورية هو كسب أكبر عدد ممكن من قلوب الشعب السوري وبالأخص الفئات المرتبطة بالنظام ومن تم غسل عقولهم على مدى خمسين عاماً.
هناك تعليقان (2):
كلامك 100%
مشكلة المعارضة السورية(وليس المتظاهرين بالداخل)أن الخلاف بينهم عميق يمكن ومشتتين
من يطالب بالتدخل الغربي لا يعبر عن اراء المتظاهرين وهو ذاته من تحدث عنه وكيليكس وهو اق من الذ1ي ادعى ان حماس مشاركة بالقمع و أظنك سمعت به عيد رزق
اعلم أن الشعب السوري شعب شريف لا يمكن ان يستقبل الصهاينة بالورود و اعلم أن غزة استقبلت بالورود ايضا بيل كلنتون وليس السفير الامريكي
العالم لن يتكلم البتة
شكرا على مرورك وتعليقك أخي الكريم.
كلنا ثقة بالشعب السوري، وأدرك أن المطالبين بالتدخل الغربي هم أقلية في المعارضة السورية ولا يمثلون لا الشعب السوري ولا الثورة ولا حتى المعارضة نفسها.
إرسال تعليق