لطالما سمعنا عن سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية، وتحديداً وسائل الإعلام بالغرب، وكثيراً ما سمعنا عن تآمر اليهود من خلال وسائل الإعلام التي يملكوها من أجل إسقاط من لا يعجبهم ورفع من يخدمهم، والبعض كان يذهب إلى درجة الزعم بأن كل ما نراه من حولنا ما هو إلا مؤامرة يهودية للسيطرة على العالم كجزء من ما يسمى ببروتوكلات حكماء صهيون.
ووجد أصحاب نظرية المؤامرة بأسماء يهودية لامعة في سماء الإعلام الغربي أدلة تدعم نظريتهم، ومن أبرز هذه الأسماء أمبرطور الإعلام روبرت ميردوخ، الملياردير الاسترالي الجنسية واليهودي الديانة، وصاحب أمبروطرية إعلامية تشمل عشرات الصحف والفضائيات ومواقع الانترنت، وأغلب نشاطه في بريطانيا بالإضافة لوجود قوي له في الولايات المتحدة وأستراليا، فضلاً عن دخوله شريكاً في مجموعة روتانا بالمنطقة العربية.
عرف مردوخ بقربه من الجمهوريين واستخدمت وسائل إعلامه في الحملة الترويجية لحروب بوش في العراق وأفغانستان، كما يعرف بولائه للكيان الصهيوني وسعيه لشراء وسائل إعلام تركية من
أجل تحسين صورة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام التركي.
إذن نحن أمام شخصية نموذجية تصلح لنظرية المؤامرة والسيطرة على مقاليد الحل والربط في العالم من خلال وسائل الإعلام التي يمتلكها، طبعاً لا أحد ينكر توجهات الرجل العقائدية في توجيه وسائل الإعلام التي يمتلكها، لكن السؤال الذي كان مطروحاً طوال الوقت هل حقاً يملك مثل هذه القوة الخارقة؟ هل يمكن القول عنه، وعن غيره من الأثرياء وأقطاب الإعلام اليهود، أنهم يشكلون حكومة خفية تحكم العالم وتوجه الحكومات الموجودة فعلاً؟
جاءت فضيحة التنصت الأخيرة في بريطانيا والتي كان بطلها صحفي يعمل ضمن أمبرطورية مردوخ لتختبر نظرية المؤامرة، لأنه لو كنا نتكلم عن حكومة خفية تتحكم بالعالم فالأصل أن يتم التغطية على فعلة هذا الصحفي أو على الأقل يعاقب هو وصحيفته ومسؤوليه المباشرين، لكن ما نراه من تداعيات تتضخم مثل كرة الثلج المتدحرجة أصبحت تهدد أمبرطورية مردوخ ليس فقط في بريطانيا بل في أستراليا وأمريكا أيضاً (مع وجود كلام عن قيام صحفيين يعملون لديه بالتجسس على هواتف ضحايا أحداث أيلول 2001).
كشفت هذه الفضيحة عن مدى هشاشة نفوذ وقوة مردوخ، فقد تخلى عنه حلفاءه من المحافظين واليمين، وتركوه ليواجه وحده تحقيقات الشرطة وجلسات استجواب البرلمان البريطاني، بالرغم من أنه كان ممكناً إيجاد العذر له بأنه لا يعلم عن تفاصيل العمل الدقيقة في أمبرطوريته الإعلامية، وأن شخصاً بمكانته لا يمكنه ملاحقة كل صحفي وكل محرر وكل مدير قسم، وبدلاً من ذلك اضطر لإغلاق احدى صحفه وهنالك كلام عن سعيه لبيع ما يمتلكه من وسائل إعلام في بريطانيا، كما أوقف مشروعه لشراء قناة سكاي الإخبارية.
هل يعقل لقوة خارقة تتحكم بالعالم أن تتهاوى بهذا الشكل؟ تخبرنا الفضيحة ولجان التحقيق أن من حسنات الغرب وإيجابياته أنه لا يوجد أحد فوق المسائلة، بل إن أصحاب المكانة العليا والنفوذ الكبير هم أكثر عرضة للمسائلة من غيرهم، كما تخبرنا أيضاً أن رجال الأعمال اليهود في الغرب وأصحاب الأمبرطوريات المالية والإعلامية هم مجرد جزء من المؤسسة الغربية يقدمون لها الخدمة ويستفيدون بالمقابل، وليسوا أصحاب الهيمنة والتحكم كما تصور نظريات المؤامرة.
ما كان لمردوخ أن ينجح ولا لغيره من رجال الأعمال والإعلام اليهود والمتصهينين لولا أنهم جزء من النظام الغربي، ولولا أن الغرب يستفيد منهم ومن خدماتهم، وبالتالي نستنتج أن دعم الغرب للكيان الصهيوني ليس لأن حكومة خفية تتحكم بقادة الغرب من وراء الكواليس، بل لأن مصلحة الغرب تقتضي ذلك، ولأن الكيان الصهيوني يقدم الخدمات للغرب، ولأن تكلفة دعم الكيان الصهيوني لا تساوي شيئاً (فالغرب لم يجد أي معارضة أو مقاومة من الدول العربية).
تذكرنا هذه الحادثة بقيام الملك الأنجليزي إداورد الأول بطرد اليهود من إنجلترا عام 1290م بعد أن كانوا وطوال سنوات مصدر التمويل والإقراض لعامة الناس والنبلاء والملك نفسه، وكان السبب لطردهم هو "تماديهم" بأخذ الفوائد الربوية بما أرهق خزينة الدولة. طبعاً لن تصل الأمور اليوم إلى طرد اليهود من بريطانيا ولا التخلي عن الكيان الصهيوني، وأسوأ ما يمكن أن يحصل هو إغلاق أمبرطورية مردوخ الإعلامية.
إلا أن الدرس الذي نريد تعلمه مما حصل هو أنه مهما بدا أن الصهاينة واليهود يملكون قوة ونفوذاً وسطوة، فهم مجرد أداة بيد الغرب ينفذون سياسته، وأن دعم الغرب لهم ليس بلا شروط وبلا حدود، الغرب سيتخلى عن دعمه للكيان الصهيوني عندما يصبح الكيان الصهيوني عبء على الغرب وعندما يجد الغرب أن ثمن دعمهم للكيان أكبر من العوائد التي تعود عليهم.
تتذكرون حسني مبارك؟ كم خدم أمريكا وكم استفادت منه وكم دافعت عنه؟ عندما رأت أنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط تخلت عنه وباعته بثمن بخس، حسناً نفس الشيء ممكن أن يتكرر مع الكيان الصهيوني مع الفارق بين رئيس وعائلة مالكة وكيان متكامل مكون من خمس ملايين مرتزق صهيوني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق