الجمعة، 15 يوليو 2011

المصالحة العالقة بين فتح وحماس

ما زالت المصالحة بين حركتي فتح وحماس عالقة بعد مرور أكثر من شهرين على توقيع الطرفين على الورقة المصرية، حيث توقفت الأمور عند إصرار محمود عباس على اسم سلام فياض رئيساً لوزراء الحكومة المقبلة، وإصرار حماس على رفض أي دور لفياض في المرحلة القادمة لا كرئيس وزراء ولا كوزير مالية.

وفيما يظن البعض أن المشكلة هي محاولة كل من الطرفين إبقاء سيطرته على الحكومة من خلال شخص رئيس الوزراء، لكن بنظرة فاحصة نجد أن اسم رئيس الوزراء هو مجرد عرض للمشكلة الحقيقية، فبمراجعة الأسماء التي وافقت عليها حماس لرئاسة الوزراء نكتشف أن الحركة قبلت فعلياً بالتخلي عن أي علاقة لها بالحكومة.

حماس اقترحت اسمين مقربين منها لرئاسة الوزراء: جمال الخضري ومازن سنقرط، والأخير وإن كان مقرباً من الحركة إلا أنه ليس محسوباً عليها ولا هي تستطيع ضبط كل مواقفه، ورفض عباس الأسمين لأن وجودهما في رئاسة الوزراء "سيعيد الحصار على الحكومة"، فتنازلت حماس وقبلت بأسماء مثل منيب المصري وهو شخصية مستقلة لكنه مقرب من محمود عباس ومعروف بعلاقاته الجيدة بحكومات عربية مقربة من أمريكا، وهو شخصية مرضي عنها "دولياً".

وحتى مرشح حركة فتح محمد مصطفى لم تعترض عليه حماس، وهو رئيس هيئة الاستثمار الفلسطينية، وهي مؤسسة حكومية تابعة مباشرة لمحمود عباس، وهو شخصية أخرى مرضي عنها دولياً وأمريكياً، إذن لماذا تصر حماس على رفض فياض ما دامت تقبل بمرشحين لا يقلون عنه قرباً من فتح؟ ولماذا يصر عباس على فياض وحده دون غيره؟

إذن المشكلة ليست بالشكل العام للحكومة المرتقبة، ولا بمن يتحكم بها ويسيطر عليها، فحماس كما تبدو وبعد تجربة 5 سنوات في الحكم وصلت لنتيجة أن وجودها منفردة في الحكومة عبء عليها وعبء على الشعب الفلسطيني، حيث أن العالم يتخذ من وجودها ذريعة لمحاصرة الشعب الفلسطيني في غزة ولمحاصرة أي حكومة فلسطينية تشارك بها.

وهذه خطوة جريئة ومتقدمة من حركة حماس بأن تتنازل عن مكسب حققته من خلال صناديق الاقتراع وهي في موقع قوة وقدرة على التمسك بالحكومة لسنوات قادمة، إذن لماذا تصر على رفض سلام فياض وبالتالي تعطيل عملية المصالحة؟ تعبر حماس أنها قدمت الكثير لمحمود عباس والسلطة، فهي قبلت ببقاءه في رئاسة السلطة وستقبل بحكومة وفق مواصفاته (حكومة مقبولة دولياً) وفي المقابل لم تحصل على شيء؛ فلا رفع الحظر عن نشاطها في الضفة تحقق ولا معتقليها أفرج عنهم، ولا معبر رفح فتح بشكل حقيقي، فهي تريد الرجوع بشيء إلى قواعدها الشعبية لتقنعهم بأنها حققت شيئاً من المصالحة.

فمن الصعب أن تقنع مؤيديها ومناصريها بحكومة يبقى على رأسها سلام فياض، والاستمرار بنفس سياسته التي رفضتها الحركة طوال السنوات الأربعة الماضية، بل وسيصبح مسؤولاً أيضاً عن غزة بالإضافة للضفة الغربية، وأصلاً قاعدة حماس بالكاد استوعبت المصالحة نفسها.
الأمر الآخر الذي تريد حماس تحقيقه من تغيير سلام فياض، هو إيصال رسالة إلى أي مسؤول فلسطيني بأنه مهما كان مرضي عنه أمريكاً وصهيونياً ومهما كان مدعوماً فإن حماس تستطيع إزالته إن تجاوز خطوطها الحمراء، فالحركة لا تريد التدخل بتفاصيل الحكومة ولا عملها اليومي لكنها تريد إبقاء حق الفيتو بيدها على شخص رئيس الوزراء.

أما إصرار محمود عباس للإبقاء على سلام فياض فلا يمكن فهمه سوى أنه يريد إيصال رسالة إلى حركة حماس والمجتمع الفلسطيني والعالم بأن سياسة السلطة لن تتغير، وتحديداً سياستها الأمنية في الضفة الغربية، ويريد أن يطمئن الصهاينة والأمريكان بأن الالتزامات الأمنية تجاه الكيان لن يتم المس بها، فالأمر لا يتعلق بمواصفات خاصة يمتلكها فياض لأنه ليس من المعقول أن الشعب الفلسطيني لا يوجد به أي كفاءات ولا شخصيات مقبولة دولياً سواه.

وخصوصاً أن أداء فياض الإداري والمالي ليس بالأداء المميز ولا حتى العادي، فالديون تتراكم على السلطة، كما أن فضائح الفساد ما زالت تتوالى على حكومته، فضلاً عن عدم قدرته على دفع الرواتب كاملة للشهر الحالي بالرغم من كل الدعم الدولي المقدم له، والتضخم غير المبرر في حجم التوظيف داخل حكومته، وتوظيف مئات المستشارين برواتب تتجاوز الثلاثة وخمسة آلاف دولار شهرياً.

فإن أردنا قراءة المشهد السياسي بشكله الصحيح فإننا أمام حركة حماس التي تريد ضمانات للسماح لها بالعودة للعمل العلني في الضفة الغربية وأن لا تكون الحكومة القادمة سيفاً مسلطاً على الحركة، وفي المقابل نجد محمود عباس يريد تحصيل كل شيء لصالحه الآن، وترك ما هو لصالح حركة حماس للمستقبل (مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وفتح مؤسسات حماس المغلقة في الضفة وإعادة بناء منظمة التحرير)، وذلك حتى لا يغضب الأمريكان والصهاينة ولا يفتح جبهة مواجهة معهم، ولا يعطيهم ذرائع للتشويش على خطته للإعلان عن دولة فلسطين في أيلول القادم.

في ظل هذه المعادلة من الصعب أن تستمر عملية المصالحة، باستثناء بعض المظاهر الشكلية مثل التخفيف من حدة الحملات الإعلامية والسماح بعمل فضائية الأقصى في الضفة وفضائية فلسطين في غزة، وذلك حتى شهر أيلول على أقل تقدير وقد تمتد حالة الجمود إلى ما بعد أيلول في ظل هذه المعطيات وفي ظل التوقع بأن تتراجع السلطة عن إعلان الدولة مقابل وعود وهمية بالعودة إلى المفاوضات.

وفيما لا يملك محمود عباس ولا حركة فتح أي طموح أو جرأة للخروج من عباءة التبعية لإلتزامات أوسلو، فالأنظار تتجه لحركة حماس لكي تتحرك وتكسر حالة الجمود، طبعاً لا نقول أن تستسلم وأن ترفع الراية البيضاء للسلطة، لكن المطلوب هو أفكار جريئة وخطوات غير تقليدية.
السؤال: ماذا لو قالت حماس نحن نوافق على بقاء سلام فياض رئيساً للوزراء بشرط الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة فتح المؤسسات المغلقة؟ وأن تبدأ عملية تشكيل الحكومة وإطلاق المعتقلين السياسيين (من حماس وغير حماس) بوقت متزامن. ماذا لو اشترطت حماس بأن لا يتنازل عباس عن إعلان الدولة في أيلول؟ وفق منطق: "أنت تريد بقاء فياض حتى لا تخرب مشاريعك بإعلان الدولة، فما الذي يضمن لنا أنك لن تتراجع عن إعلانها تحت الضغوط الصهيو-أمريكية؟"

قد يقبل محمود عباس بهذه الشروط وقد لا يقبل (وأنا أرجح أنه لن يقبل)، لكن على الأقل تكون حماس قد وضعت النقاط على الحروف أمام الرأي العام الفلسطيني، فلا هي تريد الحكومة ولا تتمسك بها (وإن كان ذلك حقها)، ولا هي تريد أن تقف عقبة أمام المصالحة، لكنها تطرح شروطاً طبيعية وتحصيل حاصل، ووقتها فليتحمل محمود عباس وحده فشل عملية المصالحة.

ليست هناك تعليقات: