جاء فصل دحلان المفاجئ قبل أيام من اللجنة المركزية ومن حركة فتح، وإحالة ملفاته إلى النائب العام لتكون آخر حلقات مسلسل الصراع بينه وبين محمود عباس، ونتساءل هل هو مجرد صراع بين رجلين؟ وهل سينتهي الأمر بخروج دحلان من فتح وللأبد؟ وهل سيسكت التيار الموالي له؟ وما هي خيارات دحلان والموالين له؟ هل يمكن أن تتطور الأمور نحو انشقاق يقوده دحلان؟
كانت متابعة ملف دحلان حدثاً استثنائياً في حركة نادراً ما قامت بفصل أحد من أعضائها ونادراً ما تابعت ملفات تحقيق داخلية، ودحلان ليس مجرد قيادي في الحركة، بل شخصية متنفذة لها جيوب وجماعات ولاء له سواء في غزة أو الضفة.
فكان من الطبيعي أن تأخذ الخطوة ابعاداً قد تهدد وحدة حركة فتح فشهدنا حملة حشد لمؤيدي دحلان ربطت بين توقيت الطرد وتزامنها مع الذكرى السنوية للحسم (الانقلاب) وعملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، حيث يردد أنصار دحلان أن طرده جاء أرضاءً لحركة حماس التي أعلنت تحفظها عليه وعلى أي دور مستقبلي له.
وأخذت الأزمة أبعاداً جهوية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والصراعات الجهوية والمناطقية معروفة وقديمة داخل حركة فتح لذا كان طبيعياً أن يحاول دحلان حشد فتحاويو قطاع غزة وراءه بزعم أنها مؤامرة "ضفاوية"، معززاً مزاعمه ببعض الوقائع مثل مشكلة تفريغات 2005م (وأغلبهم من قطاع غزة) ورفض سلام فياض توظيفهم في السلطة وسعيه للتخلص منهم.
فضلاً عن أن السلطة في توجهها نحو المصالحة يبدو أنها تخلت عن فكرة حكم الضفة وغزة، وتكتفي بوجودها في الضفة وأن تأخذ حماس قطاع غزة، وأن كل ما يريده محمود عباس هو حكومة وحدة وطنية لكي يستطيع أن يذهب إلى الأمم المتحدة في أيلول ممثلاً للشعب الفلسطيني، وحتى عند الحديث عن المعتقلين السياسيين تبدو حماس أكثر اصراراً على اطلاق سراح معتقليها في الضفة مقارنة بالسلطة التي تبدو غير مبالية بمصير معتقلي فتح في غزة.
وعلى الطرف الآخر يبدو محمود عباس ومن حوله مصرين على إقصاء محمد دحلان بشكل غير معهود في حركة فتح، والتي تشهد صراعات ومحاولات إقصاء عديدة إلا أن قيادة الحركة (سواء أيام عرفات أو عباس) حرصت دوماً على ترك فسحة للجميع يتحركوا فيها، وهذه كانت طوال الوقت نقطة قوة حركة فتح بأنها ذلك التنظيم الذي يستوعب الجميع: يساريين وقوميين وإسلاميين، وسلفيين وإخوان وصوفيين، ووطنيين ومطبعين وعملاء، ومناضلين وانتهازيين، كل هذه التناقضات كانت فتح تستوعبها طوال الوقت.
لكن في حالة دحلان هنالك اصرار على إقصائه وإقصاء الموالين له، فبعد أن شكلت له لجنة تحقيق وعقدت له عدة جلسات تحقيق وقدم للمحكمة الحركية ليأتي أخيراً قرار الفصل، وحرصت أوساط مقربة من محمود عباس على تسريب أخبار وتقارير تهدف إلى تشويه محمد دحلان، ومنها ما نسب إليه من تهريب سلاح إلى القذافي ونبش ملف علاقاته القديمة مع سيف القذافي، والكثير مما ينشر عن دحلان في مواقع والإعلام التابع لحركة حماس مصدره تسريبات متعمدة من مكتب الرئاسة في رام الله.
فاليوم يجد دحلان نفسه أمام خيارين: إما الانسحاب من الحياة السياسية والقبول بالأمر الواقع أو أن يخرج من حركة فتح ويعمل على شق صفوفها وأخذ أنصاره ومؤيديه معه وأن يسعى لتأسيس حزباً منافساً لحركة فتح، إلا أنه ولحد اللحظة ما زال يأمل بالبقاء كحالة ضمن الإطار الفتحاوي وما زال مقتنعاً أنه يمكنه الحفاظ على مكانته داخل الحركة بطريقة أو بأخرى.
وفي الواقع شهدت حركة فتح انشقاقات كثيرة منذ انشقاق صبري البنا (أبو نضال) وتأسيسه فتح المجلس الثوري في السبعينات، ومروراً بأكبر حركات الانشقاق بعيد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م والذي قاده أبو موسى وليعرف تنظيمه لاحقاً بفتح الانتفاضة، وخاض حروباً دموياً ضد حركة فتح "ياسر عرفات" في مخيمات طرابلس وبيروت كجزء من حرب المخيمات بين عامي 1982م و1985م وانضم للمنشقين تنظيم القيادة العامة وحركة أمل اللبنانية وكافة التنظيمات الموالية لسوريا، لكن فتح "ياسر عرفات" صمدت بعد تلك الهزة وبقيت متماسكة.
وفي بداية الانتفاضة الأولى قاد أبو الزعيم انشقاقاً مدعوماً من النظام الأردني، وبعد اتفاقية أوسلو حصلت حالات انشقاق و"حرد" كثيرة وقام منير المقدح بالانشقاق عن فتح احتجاجاً على أوسلو قبل أن يستعيده عرفات ويستوعبه، وبعد انتفاضة الأقصى عملت حماس في قطاع غزة على استمالة العديد من التشكيلات التابعة لكتائب الأقصى وحركة فتح واستطاعت استيعابها واستمالتها وأبرزها ما يعرف اليوم بحركة الأحرار، كما أن عرفات دعم تكوين لجان المقاومة الشعبية لتكون تنظيماً تابعاً لحركة فتح قبل أن تخرج من عباءة فتح وتتحالف مع حماس.
وما ميز كل حالات الانشقاق أنها لم تستطع إضعاف حركة فتح بشكل مؤثر، وكانت آثارها وقتية وعابرة، ولطالما حرص عرفات على إعادة استيعاب المنشقين مثلما فعل مع العقيد أبو صالح أحد أبرز الذين أنشقوا مع أبو موسى، لكن حالة دحلان مختلفة فهو على عكس كل المنشقين لا يريد أصلاً الخروج من فتح بينما غيره كان المبادر بالخروج عن فتح، بل تمارس بحقه وبحق أنصاره عملية طرد منظمة من داخل حركة فتح والسلطة.
في ظل هذه السابقة فمن الصعب التنبؤ بما ستنتهي إليه الأمور، فهل سيستطيع دحلان مستخدماً ثروته المالية الطائلة عمل إنشقاق ذي وزن كبير داخل الحركة؟ هل سيستطيع استمالة القطاع العريض من فتحاويي قطاع غزة؟ هل كان محمود عباس سيعمل على تدمير دحلان وطرده لو علم أنه قادر على شق صفوف الحركة؟ أم أنه وصل إلى نتيجة أن دحلان أضعف من أن يقدر على عمل أي شيء؟ أم أن الأمور ستنتهي باستيعاب دحلان وتناقضاته مثلما كان الأمر دائماً؟ لنترك الإجابة للأيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق