تعرضت حركة حماس في الضفة الغربية لضربات متتالية منذ اجتياحات عام 2002م بعد أن ألقت الحركة بكل ثقلها وراء العمليات الاستشهادية خلال ذروة انتفاضة الأقصى، مما أدى لحرب تصفية واعتقالات لم تستهدف فقط قادة وأفراد الجهاز العسكري بل شملت قادة من الصف الأول للعمل الجماهيري والدعوي، حيث حكم بعضهم بالسجن المؤبد عدة مرات مثل الشيخ طلال الباز وجمال أبو الهيجا وعباس السيد، أو الشيخ محمد عبد الخالق النتشة الذي حكم بأكثر من عشر سنوات، وقبلهم اغتيل كل من جمال منصور وجمال سليم وصلاح دروزة.
وإن كان الصهاينة قد ركزوا خلال عامي 2002م و2003م على تصفية الأجنحة العسكرية للمقاومة الفلسطينية بكافة أجنحتها العسكرية ليبدأ العمل المسلح بالتراجع مع عام 2004م، إلا أنهم أدركوا أن حماس قادرة على بناء جهازها العسكري خلال أسابيع وأشهر قليلة إن ترك لها المجال.
فكانت أحد النتائج التي توصلت لها الأجهزة الأمنية الصهيونية وعلى رأسها جهاز الشاباك أنه يجب ضرب حماس من جذورها الشعبية وتجفيف المنابع المالية عنها وتغييب قياداتها الجماهيرية وراء قضبان السجون، حتى تضمن عدم إعادة أحياء الجهاز العسكري، وتوصلت إلى وجوب اشغال الحركة بضربات استباقية متتالية وأن لا تتيح لأبناء وكوادر الحركة المجال للتفكير بتطوير نشاطهم أو استئناف العمل المسلح.
فكانت أول الضربات الكبيرة تلك التي وجهت في أيلول عام 2005م والتي شملت كل ما شك الصهاينة بأن له علاقة بالجهاز السياسي أو المالي للحركة وشملت مئات الكوادر النشيطة، وإن لم تظهر النتائج مباشرة على الأرض بل واستطاعت الحركة الفوز بانتخابات عام 2006م، إلا أن الصهاينة كانوا ينظرون لما هو أبعد من نتائج انتخابات لسلطة لا تملك صلاحيات حقيقية.
وبعد أحداث الحسم 2007 استغلت الأجهزة الأمنية حالة الشحن العالية داخل منتسبيها ضد حركة حماس لكي تنضم إلى جهود الاحتلال لضرب الحركة، وفي المقابل ساد شعور بين أبناء حماس في الضفة أنهم سيكونوا ضحية انتقام فتح لما حصل في غزة وأنه لا سبيل للتصدي لما هو آت نظراً للضربات القاصمة التي تلقاها القسام.
وبالفعل شهدت السنوات الأربع الماضية أعلى مستويات التعاون بين السلطة والاحتلال لضرب الأجهزة العسكرية والدعوية والمالية والإعلامية والاجتماعية للحركة في الضفة الغربية، وامتلكت حركة فتح ميزة وجود قاعدة شعبية واسعة لها (على عكس الاحتلال) مكنتها من تعقب كل تحركات وسكنات حماس في المعاقل الأساسية لها (الجامعات والمساجد).
وشابت الفترة هذه أخطاء تكتيكية قاتلة لحركة حماس على عدة مستويات سواء من ناحية اعلامها الذي نشر الرعب من ممارسات السلطة بدلاً من رفع معنويات أبناء الحركة، أو من ناحية قرار مقاطعة انتخابات مجالس الطلبة الأمر الذي أفقد الحركة فرصة التواصل مع مجتمع الطلاب وهو الخزان الذي تجدد به الحركة كوادرها التنظيمية العاملة لتستبدل من يسجن أو يستشهد منهم، فكانت النتيجة بعد ستة سنوات من الاستهداف المتكرر هو تجفيف الكثير من القواعد الشعبية والتنظيمة لحماس في الضفة.
وعندما وقعت المصالحة بين حركتي فتح وحماس برز أمل ضعيف بتوقف ممارسات السلطة أو التخفيف منها، كما اعتبرها البعض فرصة لكسر حاجز الهزيمة النفسية لدى أبناء حماس في الضفة الغربية، وفي المقابل اعتبرها البعض مجرد خدعة أو كلام لا رصيد له على أرض الواقع.
وبينما حركة حماس ومؤيدوها يناقشون جدية المصالحة وإمكانية الانطلاق من جديد في الضفة أظهر الصهاينة حرصهم على عدم المخاطرة بأي شيء، وبدأوا بشن حملة اعتقال طالت عدد كبير من قيادات الصف الأول والثاني بالحركة من الذين يمتلكون قدرة التأثير على الجماهير، أمثال الدكتور عدنان أبو تبانة والمهندس عيسى الجعبري والشيخ خالد الحاج والمهندس وصفي قبها والنائب علي رومانين والشيخ ماجد حسن والشيخ حسين أبو كويك والنائب عبد الرحمن زيدان والنائب أحمد الحاج علي ومصطفى الشنار وغيرهم، بالإضافة إلى استهداف ممنهج لنشطاء الكتل الإسلامية في الجامعات.
والصهاينة يركزون (منذ أواخر التسعينات) على نوعية المعتقلين لا كميتهم، فيهتموا بتغييب الكوادر النشيطة أو المرشحة لأن تكون نشيطة، ويوجد حالياً في سجون الاحتلال ما بين 2500 و3000 آلاف معتقل لحركة حماس، منهم ما بين 1000 و1500 من قيادات الصفوف الأولى والثانية والثالثة والقيادات الميدانية والكوادر المركزية والمؤثرة، إلى جانبهم حوالي 200 معتقل في سجون السلطة التي تعتمد أكثر على سياسة الباب الدوار؛ أي إبقاء النشيط ينتقل من مرحلة الاعتقال لفترة قصيرة ثم الافراج قصير المدى ثم الاستدعاءات ثم إعادة الاعتقال وذلك حتى يبقى في دوامة لأطول وقت ولا يستطيع العودة إلى العمل التنظيمي.
وفي ظل غياب هذا الكم من الكوادر التنظيمية والقيادات، وفي ظل إصرار الاحتلال على قطع طريق إعادة بناء الحركة قبل أن تبدأ، فإن هذا يفرض على أبناء الحركة في الضفة تحدياً حقيقياً، ويجب أن يدركوا أن مشكلتهم الحقيقية هي مع الاحتلال الذي لن يترك أي قيادي قادر على تحريك الشارع خارج السجون.
التحدي كبير وهو إعادة نشاط حركة حماس في ظل ظروف شبه مستحيلة، لكن يقيني أن أبناء الحركة على قدر التحدي لكن نحتاج منهم التقدم والمبادرة، يجب أن تعود الكتل الإسلامية لنشاطها في الجامعات والمساجد لكي تضمن الحركة تجديد دماء أبنائها، فبدون نشاط لا يوجد أعضاء ولا كوادر.
وليكن الجميع مستعداً لدفع الثمن سواء كان مضايقات من السلطة أو اعتقال من قبل الاحتلال، وفي النهاية "ما بيقطع الراس غير اللي ركبه"، وشاهدنا أمس الاثنين كيف قامت الأجهزة الأمنية بفض الاعتصام وسط مدينة نابلس وكان الثمن أقل بكثير مما يهابه البعض وتصوره لهم مخاوفهم.
وفي ظل استهداف الشخصيات المحروقة تنظيمياً فإن هذا يتطلب من الشباب والجيل الجديد في الحركة أن يكون مستعداً لأخذ مكانه والعمل، وفي حال اختفت المرجعية أو القيادة فليبادر كل من موقعة وبحسب طاقته، ربما لا يستطيع الجميع تنظيم مسيرات أو اعتصامات لكن يستطيعون عمل مجلة حائط (حتى لو مزقت فلنضع غيرها غداً)، ويستطيع الجميع طباعة بيانات وتوزيعها أو كتابة شعارات، أعمال بسيطة تضخ الحياة فالمهم أن يستمر شريان الحياة في الحركة.
لطالما عانت الحركة من الاعتقال والتصفية وفتنة أبنائها عبر التهديد والوعيد والاغراءات لكن هذا لم يمنعها من المواصلة وأن يستلم الجيل مكان الجيل القديم ليواصل المعركة، واليوم الاحتلال يصر على رفع مستوى التحدي فهل أنتم لها يا شباب الضفة الغربية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق