الأحد، 3 أبريل 2011

الفروق بين تهدئة حماس ورفض فتح لعمليات المقاومة

تجري مقارنات كثيرة بين موقف حماس من اطلاق الصواريخ والتزامها بالتهدئة وبين رفض فتح للعمل المقاوم، وتجري مقارنات سطحية مثل: "فتح تمنع المقاومة في الضفة وحماس تمنعها في غزة"، و"عباس وصف الصواريخ بالحقيرة والزهار وصفها بالمشبوهة"، و"حماس تريد تهدئة وفتح تريد السلام مع الكيان الصهيوني". فهل حقاً أن الحركتين وجهين لنفس العملة؟ كيف تتهم حماس فتح بأنها تمنع المقاومة في الضفة فيما هي تسعى لفرض التهدئة في قطاع غزة؟ ألا يعتبر هذا تناقضاً في المواقف؟ أليس منع العمليات بغض النظر عن المسوغات هو نفس الشيء سواء كان في الضفة أم في غزة؟ ألا يمكن القول أن فتح أكثر صدقاً من حماس لأنها تجاهر بسعيها للصلح مع الصهاينة فيما حماس تعلن شيئاً وتضمر شيئاً آخر؟ سنحاول هنا عمل مقارنة علمية بين الجانبين بعيداً عن لغة الخطابات ونريد البحث عن الفروق الجوهرية (إن وجدت) حتى نرى إن كانت أعمق وأهم من التشابه السطحي الذي يحاول البعض إبرازه:

المقاومة ما بين تجريمها واحترامها:

السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والتي تمثل حركة فتح، تعتبر المقاومة المسلحة جريمة يحاسب عليها القانون، وإن كان عرفات حاول الموازنة بين اتفاقية أوسلو التي تجرم العمل المسلح وبين ضرورة إبقاءه خياراً مطروحاً عند الحاجة إلا أنه وبعد وفاته قام محمود عباس بحل الجناح العسكري لحركة فتح وقطع أموال الدعم عن كتائب الأقصى فيما يعتبر طلاقاً بائناً بينونةً كبرى بين فتح والعمل المسلح. وبعد أن كانت الاعتقالات في عهد عرفات تهدف أساساً لإسكات الصهاينة كلما تذمروا من عدم قيامه باللازم أصبحت اليوم ممارسة ممنهجة من قبل السلطة، وأوضح وزير داخلية سلطة رام الله سعيد أبو علي في مقابلة أجراها مع صحيفة الحياة في 26/10/2010م أن "السلطة لن تسمح بحمل السلاح وبغسل الاموال، وكل الاعتقالات التي جرت كانت تتم على هذه الخلفية" وذلك رداً على سؤال عن الاعتقال السياسي، فهو نفى الاعتقال السياسي لكنه أقر بوجود اعتقالات على خلفية حمل السلاح (بما فيه سلاح المقاومة فالكلام عن حماس) وأموال الحركة (غسيل الأموال).

ويعتبر مثول شابين من سلواد أمام محكمة عسكرية فلسطينية مؤخراً والحكم عليهما بالسجن ثلاثة أعوام دليلاً دامغاً على تجريم السلطة للعمل المقاوم من حيث المبدأ، حيث تضمنت لائحة الاتهام التي حكموا بموجبها: الشروع بقتل مستوطنين صهاينة، والاضرار بالتزامات السلطة الفلسطينية تجاه الاحتلال الصهيوني. وفي رام الله اعتقل شابين قبل أيام بتهمة الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا، بسبب محاولتهما رفع علم فلسطيني على مستوطنة بيت أيل المجاورة أثناء مسيرة بمناسبة يوم الأرض، وقام أحد مراكز الشرطة الفلسطينية بشمال الضفة الغربية باعتقال مواطن في أحد القرى وتهمته "العراك مع المستوطنين".

ومجرد الانضمام لجناح مقاوم مسلح كفيل بسجن ومطاردة الشخص، بينما في قطاع غزة يوجد فصائل مسلحة تابعة للجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وغيرها تعمل بشكل علني ولها مراكز تدريب علنية، بما فيه بعض التشكيلات التابعة لحركة فتح وكتائب الأقصى مثل كتائب أيمن جودة ومجموعات نبيل مسعود، بالإضافة لتشكيلات فتحاوية قامت حماس باستقطابها وتقريبها منها.

بل أكثر من ذلك يخرج ناطقون باسم هذه الأجنحة العسكرية على الفضائيات ليعلنوا رفضهم للتهدئة، مثلما فعل ممثل الجناح العسكري للجبهة الديموقراطية عندما عقد مؤتمراً صحفياً قبل بضعة أشهر ليعلن رفض ترتيبات التهدئة التي توصلت لها حركة حماس، وبالرغم من شن حركة حماس عدة حملات ضد سلاح الفلتان الأمني إلا أنها حرصت على إبقاء سلاح المقاومة خارج دائرة الاستهداف، مع صعوبة التمييز بينهما أحياناً. وبالرغم من تردد كلام عن منع حماس لخلايا مسلحة من اطلاق الصواريخ في غزة وتوقيف أفرادها لبضع ساعات والطلب منهم التعهد بعدم تكرار اطلاق الصواريخ، وبغض النظر عن دقة هذه المزاعم، إلا أنه يفهم في إطار منع العمل الفردي وحصر العمل المسلح في إطار التنظيمات معروفة العنوان بدلاً من العمل العشوائي الذي لا يمكن ضبطه والمعرض للاختراق.

التنسيق مع جماعات المقاومة:

في الضفة الغربية السلطة هي من يرسم سياسة المواجهة مع الكيان الصهيوني ولا تأخذ رأي أي من فصائل المقاومة، والسلطة لا تعترف أصلاً بشرعية الأجنحة المسلحة للتنظيمات المختلفة وتعتبرها مليشيا مسلحة، ولديها سياسة واحدة ووحيدة وهي أن العمل المسلح يضر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا وأن كل من يقاوم الاحتلال يضر بهذه المصلحة وبالتالي يستحق الاعتقال.

ومجرد قيام تنظيم فلسطيني بعمل مسلح ضد الاحتلال يعتبر حافزاً للسلطة من أجل شن حملة اعتقالات بصفوف مناصريه (وليس فقط المشتبه بتنفيذهم للعمل)، مثلما حصل مع مؤيدي حماس بعد عملية مفترق بني نعيم قبل عدة أشهر، أو مع مؤيدي حركة الجهاد الإسلامي بعد تفجير القدس الأخير (بالرغم من عدم ثبوت علاقة الجهاد بالعملية).

في المقابل تعتبر حماس في القطاع التنظيمات العسكرية شريكاً وعندما تريد التوصل إلى تهدئة فإنها تجتمع وتتشاور معهم من أجل اتخاذ قرار جماعي، وفي حال لو خرق تنظيم هذا التفاهم وحصل تصعيد مع الاحتلال الصهيوني فإنها لا تحظر التنظيم ولا تشن حملة اعتقالات في صفوفه، بل قد تترك له مجالاً للعمل وفي لحظة معينة تستدعي مجدداً ممثلي الفصائل للتشاور معهم حول تمديد التهدئة.

أسباب وقف المقاومة:

لماذا تريد حماس أو فتح وقف المقاومة؟ كلا الطرفين يقولان أن الهدف هو المصالح الفلسطينية العليا، فهل كلا الطرفين محقين؟ أم كليهما على خطأ؟ يقولون دوماً الشيطان يكمن في التفاصيل، ولافتة المصالح الفلسطينية العليا هي لافتة فضفاضة تحتمل معاني كثيرة، والسؤال الذي نطرحه: ما المأمول من وقف المقاومة المسلحة؟ وهل هو وقف دائم أم مؤقت؟ حركة فتح لا ترفض (نظرياً) العمل المسلح ضد الاحتلال لكنها ترهن ذلك بالوقت المناسب، ولو تتبعنا مواقف الحركة منذ سنوات طويلة لوجدنا أنها دوماً ما انتقدت توقيت العمليات الاستشهادية أو غيرها من عمليات المقاومة بحجة أن "الوقت غير مناسب"، ولم أجد مرة واحدة منذ أوسلو حركة فتح الرسمية تعلن أن الوقت أصبح مناسباً لاستئناف العمل المسلح، وفقط بعد حصول عملية ناجحة فإنها تشجبها أمام الإعلام الغربي والصهيوني فيما تحاول ركوب الموجة في الإعلام الفلسطيني وحصد ثمارها.

ولماذا الوقت ليس وقت مقاومة؟ من أجل عدم تعطيل جهود "السلام مع الاحتلال" و"عدم إعطائه ذرائع"، حسناً هل لديكم تصور للخطوة التالية؟ وهنا أعود لمقابلة صحفية أخرى لوزير الداخلية سعيد أبو علي (في 22/12/2010) حيث أكد على تنفيذ السلطة "كل ما طلب منها في البند الأول من خطة خارطة الطريق، وأن من تنصل من التزاماته هو الاحتلال الإسرائيلي، بمواصلة الاستيطان، واقتحامات المدن والتجمعات الفلسطينية، ونشر الحواجز، وغير ذلك."

وماذا بعد التزام السلطة وعدم التزام الصهاينة؟ الأمورمعلقة منذ أشهر كما نلاحظ جميعنا، وحركة فتح مع ذلك تصر على وقف العمل المسلح ومنعه بالقوة واعتقال من يحمل السلاح ويقاوم الاحتلال. في مقابل ذلك تطرح حماس التهدئة من أجل تطوير بناء جهازها العسكري، استعداداً لمواجهة المحتل الصهيوني في معارك وحروب مستقبلية، ولا أحد يستطيع أن يقيم حجم القوة العسكرية لحماس أو غيرها في قطاع غزة لكن بكل تأكيد فجوة التسلح واسعة جداً وتقليصها بحاجة لوقت ولمجهود طويل المدى. كما لا تتبنى حماس سياسة "منع اطلاق النار مهما حصل"، وتعطي هامشاً لجناحها العسكري وفصائل المقاومة الأخرى هامشاً ليس فقط من أجل التصدي لاعتداءات الاحتلال المباشرة بل أحياناً للمبادرة وقصف المواقع الصهيونية.

من الذي يمتلك قرار التصعيد أو التهدئة:

ما دام لكل طرف مبرراته من أجل التهدئة أو التصعيد، نسأل: من يملك صلاحية القول أن الوقت مناسب للتصعيد أو أن التهدئة أفضل؟ وهل يجب إعطاء فتح الفرصة لكي تفاوض الصهاينة للأبد؟ وهل تعطى حماس الفرصة للأبد من أجل بناء قوتها التسلحية؟ عند قدوم السلطة عام 1994م قالت فتح أنها تمثل الأغلبية وعلى الأقلية (أي حماس) أن تنصاع لرغبة الأغلبية التي رغبت وقتها بتجريب الخيار التفاوضي، ودار جدل حول أحقية فتح والمنظمة التكلم باسم الأغلبية، مع ذلك قبلت حماس بتقييد العمل المسلح وفق تفاهمات الخرطوم أواخر عام 1995م والتي نصت على أن "لا تحرج حماس السلطة بعلمياتها العسكرية"، وهو التزام فضفاض فهمت منه حماس لاحقاً أنه يحق لها الرد على اغتيال الشهيد يحيى عياش (باعتبار أن الاحتلال هو المبادر) فيما فهمته السلطة أنه وقف تام ومطلق للعمل المسلح.

وشنت السلطة عامي 1996م و1997م حملة اعتقالات واسعة وضغوط سياسية على حماس لإجبارها على إعطاء السلطة فرصة للعمل السياسي، وبالفعل توقف المسلح لحد انتفاضة الأقصى عندما بدا أن هنالك إجماعاً فلسطينياً على استئناف العمل المسلح (مع ذلك لم يتوقف التنسيق الأمني للسلطة مع الاحتلال حتى في أوج الانتفاضة).

بعد وفاة عرفات بدأ محمود عباس بتسويق فكرة نزع سلاح المقاومة ووقف العمل المسلح، فيما فازت حماس بانتخابات عام 2006م وكان يفترض أن تنصاع الأقلية (أي فتح) لرغبة الأغلبية إلا أن الأمور تطورت بشكل مختلف وحصل الانقسام، وذهبت فتح لتحكم الضفة وفق مصطلح فضفاض وهو "الشرعية الفلسطينية" وبما أنها تمثل الشرعية فلا يحق لأحد غيرها رسم سياسة مقاومة الاحتلال. فيما تحرص حماس في قطاع غزة على إشراك الفصائل المقاومة الأخرى برسم سياسة مقاومة الاحتلال، بالرغم من أنها تستطيع أن تنسب لنفسها "تمثيل الشرعية" التي يجب أن ينصاع لها الجميع.

الخلاصة:

هنالك مصلحة للبعض في المساواة بين فتح وحماس في موقفها من المقاومة، سواء فتح نفسها التي تسعى لتبرير انخراطها في التنسيق أمني بأنها لا تختلف عن حماس، وسواء من يريد طرح نفسه كبديل ثالث ناسياً أن إبراز أخطاء الآخرين لا يعني أن الناس سيتجهون إليك. في خضم المزايدات المتبادلة احتجنا لمقارنة موضوعية، حيث رأينا انفراد فتح بقرار المقاومة في الضفة الغربية، وتنساق تماماً للشروط الصهيونية والتي تسميها "التزامات" وبالتالي تجرم العمل المقاوم المسلح (وأحياناً تجرم المقاومة غير المسلحة)، في حين أن حماس تحرص على إبقاء العمل المسلح حاضراً ولو بوتيرة منخفضة وأن تشرك الجهات الأخرى بعملية اتخاذ القرار، وتعتبر العمل المقاوم المسلح عملاً مشروعاً لكن بحاجة لترشيد، والأهم أنها تعد العدة وتجهز قوتها لتكون جاهزة بأي لحظة للصدام مع الكيان الصهيوني.

وتبقى حماس ضحية خطابها الإعلامي السابق أواسط التسعينات عندما لجأت لبعض الشعارات واضعة العمل المقاوم في قوالب نمطية وجعلت العمل المسلح غاية وليس وسيلة وحرمت ترشيد العمل المسلح أو وضع أهداف سياسية له، فيما أحسنت حركة فتح استغلال الموقف وتستخدم هذه القوالب النمطية لكي تثبت للعالم أنها هي وحماس وجهان لعملة واحدة. إلا أن المقارنة الموضوعية تثبت أن حماس تختلف عن فتح بشكل كبير في نقطتين جوهريتين:

1- حماس تأخذ في الاعتبار جميع الخيارات (العمل السياسي والمقاومة المسلحة) بينما فتح لا تعترف إلا بالعمل السياسي.

2- فتح تنفرد بالقرار في الضفة الغربية بينما حماس تسعى لمشاركة فصائل المقاومة المسلحة بقرار التهدئة والتصعيد في غزة.

ليست هناك تعليقات: