الثلاثاء، 29 مارس 2011

مقارنة بين نظام القذافي وحكم طالبان

لا يوجد الكثير من الأمور المشتركة بين نظام القذافي ونظام طالبان، إلا أنه بعد بدء الغارات الغربية على كتائب القذافي فإننا نستحضر أحد نقاط التشابه القليلة وهي دخول معركة خاسرة أمام قوة طيران مدمرة - معركة معروفة النتائج مسبقاً. في الحالة الأفغانية (عام 2001م) كان الأمريكان هم المبادرين بالحرب، واستخدموا القوة الجوية بشكل مكثف لتقويض قوات طالبان، ودخلت قوات التحالف الشمالي الأفغانية لاحقاً لتتقدم على الأرض، بينما في الحالة الليبية كانت الأمور معكوسة حيث بدأ الشعب الليبي التحرك ضد القذافي واندلعت الثورة وبعد أن بدت الثورة وكأنها ستدوم للأبد ما بين كر وفر جاء التدخل الجوي الغربي ليرجح كفة الثوار على قوات القذافي.

وبعيداً عن النوايا الغربية في أفغانستان أو ليبيا نريد المقارنة هنا بين طريقة تعامل القذافي وحركة طالبان مع الوضع الذي وجد كل منهما نفسه فيه، فعندما حشدت أمريكا الجيوش والطائرات لاجتياح أفغانستان كان الأمل معقوداً أن تقاوم طالبان بعنف وشراسة إلا أن حجم القوة التي حشدت لهم جعلت انتصار طالبان أمراً مشكوكاً به.

وبينما كان القصف الأمريكي في أوجه صدر تصريحين للملا محمد عمر، لم أفهمها جيداً في حينه: الأول طلبه من آلاف المتطوعين والمجاهدين الذين كانوا ينوون القدوم من باكستان أن لا يأتوا وأنه لا حاجة لهم، وظننت أنه مجرد كلام إعلامي، والثاني هو قوله بأن طالبان لن تستسلم وستخرج إلى الجبال وتحارب الأمريكان لسنوات طويلة وتساءلت لماذا يستعجل الأمور؟ ألا يثق بقدرات طالبان؟ لم تطل الحكاية وانسحبت طالبان بشكل سريع من داخل المدن واستولى الأمريكان وحلفاءهم الأفغان خلال أيام على جميع المناطق والمدن، فيما لجأ قادة طالبان إلى الجبال وذاب عناصر الحركة بين السكان، وظن الناس أن طالبان انتهت وللأبد وأن ما بقي هو مجرد فلول، إلا أن الأمور بدأت بالانقلاب حوالي عام 2005م وبدأت طالبان باستعادة زمام المبادرة وتصاعدت قوة هجماتها وازدادت قوة وشراسة.

لقد أدرك الملا محمد عمر وقادة طالبان أن معركتهم مع الطيران الأمريكي وحلفائهم هي معركة خاسرة بكل المعايير، لذا كان قرارهم بالانسحاب حتى لا تكون معركتهم انتحاراً بدون طائل وليحقنوا دماء المدنيين الأفغان الذين سيعلقون بين نيران المتحاربين، وكان بإمكان طالبان أن تحارب مدينة مدينة وشارعاً شارعاً وبيتاً بيتاً، ورجالها يمتلكون من الانتماء العقائدي وحب التضحية والاستشهاد ما يكفي لخوض هذه الملحمة، لكن عندما تكون النتيجة معروفة سلفاً لم يدخلون هذه المعركة؟ لم يكن في بال قادة طالبان حقن دماء مقاتليهم والشعب الأفغاني فحسب، بل كانت نيتهم الاستمرار بالحرب ضد الأمريكان لكن بما أن الحرب التقليدية غير ممكنة فلتكن حرب العصابات ومعارك الكر والفر وهذا ما حصل.

في مقابل ذلك ثار الشعب الليبي على حكم القذافي بعد 42 عاماً من الفوضى غير الخلاقة التي حكم بها ليبيا وبدد ثرواتها على مغامراته العبثية، وبدلاً من التسليم بأن الشعب الليبي لا يريده وجمع أولاده وأمواله (التي سرقها) والفرار إلى الخارج قرر خوض الحرب حتى النفس الأخيرة، وظن أنه بإمكانه الاستنجاد بالمرتزقة وحشد القوات واستخدم الحد الأقصى من القوة ضد الثوار، مع ذلك كان مشكوكاً في قدرته على الحسم لكن لم يهمه أن تتفتت ليبيا إلى دولتين أو أكثر أو أن تصبح دولةً فاشلة، المهم أن لا يستسلم وأن لا يقال أنه هرب. ولم يهتم بحقيقة أن ثمن انتصاره سيكون حرق الأخضر واليابس في ليبيا.

وبعد صدور قرار الأمم المتحدة بفرض منطقة الحظر الجوي بات من المؤكد أن أيامه معدودة بالحكم، مع ذلك قرر المقامرة وأرسل آلاف الجنود في مغامرة لاحتلال بنغازي وتركهم لقمة سائغة للطيران الغربي بالصحراء الليبية، وما زال لحد اللحظة مصراً على التمسك بالسلطة وعلى تدمير ليبيا شبر شبر ومتر متر بالرغم من أن معركته خاسرة بكل المعايير.

ويتفاجأ الكثير من شراسة قوات القذافي في الدفاع عنه فهل يستحق بقاء شخص على كرسي الحكم كل هذه التضحيات والدماء التي تبذل؟ هل يستحق ذلك أن يضحي المرء بحياته؟ ربما نجد الإجابة بأن قادة قوات القذافي يخافون من انتقام الشعب الليبي نظراً لجرائمهم السابقة التي ارتكبوها فيعتبروها حربهم المصيرية، وينسحب نفس الشيء على الحركات المعارضة الأفريقية من تشاد ودارفور وغيرها (والتي يأتي منها قسم كبير من مرتزقة القذافي) وتخاف أن تصبح يتيمة ووحيدة بعد زواله.

أما صغار الجنود فيتم التحكم بهم من خلال غسل أدمغتهم وإرعابهم وتخويفهم، وقد شاهدت فيديو يجبر فيها المجندون الجدد بكتيبة خميس القذافي على تناول لحوم الكلاب النيئة مع تلقيهم للضرب والاهانات إن هم ترددوا كجزء من العملية التي تهدف لصنع آلات قتل مفرغة من العقل والتفكير السليم ومجردة من كل القيم الإنسانية.

إن الفرق بين تصرف حركة طالبان والقذافي يتمثل في أمرين أساسيين: 1- قيادة طالبان تعاملت بواقعية مع المعطيات على الأرض واستعرضت الخيارات واختارت أقلها ضرراً، أما القذافي فقد بقي لحد اللحظة يعيش في وهم أنه يستطيع البقاء حاكماً ولو على جزء من الأرض الليبية. 2- طالبان فضلت تجنيب الشعب الأفغاني حمام دماء بالرغم من أنها كانت تواجه أمريكا وخوض حرب قاسية ضدها مبرر عقائدياً ومبدئياً، في حين أن القذافي فضل حرق ليبيا عن بكرة أبيها لكي يحافظ على مصالحه الشخصية (أو الانتقام من الشعب الليبي إن لم يستطع الحفاظ على الكرسي).

أمامنا اليوم مشهد لطاغية يقاتل حتى الرمق الأخير من أجل حفاظه على مصالحه الذاتية الضيقة، ولا يستطيع أن يهرب إلى الجبال وأحضان شعبه كما فعلت طالبان، لأن طالبان كانت (ولا زالت) جزءاً لا يتجزأ من الشعب الأفغاني، أما هو فعدوه الأول هو الشعب الليبي. في مثل هذه المواقف نقارن بين الأضاد فلا نملك إلا أن نحيي حركة طالبان التي أثبتت حرصاً على دماء عناصرها ومؤيديها ودماء ومقدرات الشعب الأفغاني في تلك اللحظة الحرجة، بالرغم من أن لدى المرء ملاحظات وانتقادات لها (قبل وبعد سقوط حكمها)، فيما لا نملك أن نقول عن القذافي سوى أننا أمام أحد أقذر طغاة البشرية على الإطلاق.

ليست هناك تعليقات: