الاثنين، 29 ديسمبر 2014

بعد الانتخابات التونسية هل وئدت الثورات العربية؟



المرزوقي مرشح الثورة والسبسي مرشح الثورة المضادة


أتعجب ممن يتصرفون وكأن الانتخابات (ومن قبلها سقوط صنعاء بيد الحوثيين) هي نهاية الدنيا، وكلام مبالغ فيه عن سقوط الثورات والربيع العربي.

الحياة ليست هكذا وبالأخص حركات الشعوب، هنالك تقدم وهنالك تراجع، وهنالك أخطاء ونكسات، لكن المهم حركة التاريخ الكلية إلى أين تسير.

وما نراه هو سنة التدافع بين النظام القديم والقوى الناشئة الجديدة، بالإضافة إلى عملية إعادة اصطفاف حيث اختارت جزء من القوى السياسية مغادرة مربع الثورة والارتماء بأحضان الدولة القديمة، وأتكلم تحديدًا عن اليسار وقسم كبير من التيار العلماني.

نتائج الانتخابات في تونس سواء الرئاسية أو البرلمانية تشير إلى نتائج متقاربة تقريبًا، وبالمقارنة مع انتخابات 2011م حصل تراجع من 37% من الأصوات لحركة النهضة إلى حوالي 33%، وهذا تراجع مقبول في ضوء الأخطاء التي ارتكبتها النهضة بالإضافة للمؤامرات التي حيكت ضدها.

كان هنالك انتكاسة لحلفاء النهضة من العلمانيين فتراجع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب المرزوقي) من 29 مقعدًا إلى 4 مقاعد، وهذا يعني أن التحالف العلماني مع النهضة أضر بالعلمانيين أكثر مما أضر بالنهضة.

ولهذا السبب حرصت النهضة على أن تقف على الحياد العلني في انتخابات الرئاسة حتى تخفف من الأضرار الواقعة على حليفها المنصف المرزوقي، ومن الواضح والجلي أنها كانت تدعمه فعليًا، بل وصل الأمر إلى أن تصف الجبهة الشعبية وحزب نداء تونس المرزوقي بمرشح حركة النهضة.

لا توجد كارثة بفوز حزب النداء من أجل تونس وهو خليط من العلمانيين واليساريين والفلول لأن الأمر قابل للإصلاح، فهنالك انتخابات قادمة (أقربها الانتخابات البلدية) فالفرص لم تنتهِ.

المهم هو منع أي محاولة للانقلاب على الدستور أو جعل هذه آخر انتخابات، ومنع ذلك بالقوة وعدم السماح لللف والدوران على الدستور، فما دام الدستور موجودًا فالأمور قابلة للاستدراك والإصلاح.

فما هو على المحك اليوم هو قدرة النهضة وحلفائها على منع الانقلاب على الدستور والعملية الانتخابية، وهذا يحتاج للاستعانة بالشارع وقد رأينا حراك الشارع الغاضب بعد إعلان النتائج، ويجب على النهضة أن تحافظ على صلتها بالشارع لتستعين به وقت اللزوم.

وهنا يجب أن تستخلص النهضة العبر من أخطائها وأولها بعض المواقف المائعة التي أريد منها الظهور بمظهر المرن والمنفتح، ففهمت على أنها انتهازية وهذا أضر بها جدًا.

وأنا مع المرونة والتعامل مع الجميع واستيعاب الجميع، وأن نضع جانبًا إرث التشدد الذي لا يمت للشرع بصلة، لكن هنالك فرق كبير بين الانتهازية وبين المرونة، وهنالك فرق بين التلون وبين الانفتاح، وهنالك فرق بين محاربة التنطع وبين التمييع.

والإخوان المسلمون رأسمالهم مبادئهم والناس تقف إلى جانبهم بسبب مبادئهم، ومتى ما ظهرت منهم مواقف يشتم منها الانتهازية، انفض الناس من حولهم.

ومخطئ من قال أن لا أخلاق في السياسة، فهذا كلام فارغ لا يميز صاحبه بين الذكاء وبين قلة الدين!!

المرونة والانفتاح يجب أن تكون مضبوطة بالثوابت والمبادئ فلا نبيع مبادئ وثوابت حتى يقال أننا منفتحون أو مرنون.

ومما وقعت فيه حركة النهضة تحديدًا: رفضها تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وتغاضيها عن السماح لسياح صهاينة بزيارة جربة، وتلميحها بأنها قد تتحالف مع حزب نداء تونس، والطريقة الصادمة التي تكلم بها الغنوشي عن السماح بالخمور والبكيني.

ومن الناحية الأخرى يجب الإشارة إلى عمليات السلفية الجهادية (أنصار الشريعة) في تونس، ومصائب داعش (في سوريا والعراق) فهذه أمور ساهمت بتنفير الناس من التيار الإسلامي كله ولصالح العلمانيين، وللأسف فالسذج من أبناء الإخوان المسلمين لا يدركون هذه الحقيقة.

وما لم يكن هنالك موقف حاسم وحازم من جميع أبناء التيار الإسلامي ضد القاعدة وبناتها، موقف قائم على المفاصلة والتبرؤ التام، فالخاسر سيكون المشروع الإسلامي كله.

أما ما يطرحه البعض عن أن النهضة أخطأت بعدم استكمال الثورة واجتثاث النظام القديم، فهذا كلام كان يصح لو كانت هي اللاعب الرئيسي الوحيد في الساحة الثورية، لكن كان لها شركاء وازنون بالثورة وعلى رأسهم اتحاد عام الشغل، وشركاؤها لم يقبلوا المضي قدمًا باجتثاث النظام القديم، وزادهم إصرارًا على ذلك عمليات الاغتيال التي نفذتها أنصار الشريعة.

فكيف ستمضي قدمًا بالثورة وقسم كبير من الشعب التونسي لا يؤيدك في ذلك؟ والدولة بأكملها وبجيشها ومؤسساتها ضدك؟ لهذا من الضروري الإشارة إلى أن حركة النهضة لم يكن لديها الكثير من الخيارات، والطريق الذي سلكته فيه مغامرة لكنه كان أفضل من الانتحار عبر بوابة التصلب بالمواقف.

وليس صحيحًا المخاوف التي يبثها الفزعون والمنهارون نفسيًا بأن النهضة ستقتلع وستسحق، صحيح أن الكثير من خصومها لن يرضوا عنها ويريدون هذه النتيجة، لكن في المقابل هنالك خصوم يمكن المناورة معهم ويمكن تحييدهم، وفي مثل هذه المواقف التي لا يوجد لديك فيها حلفاء أقوياء، فمن الذكاء أن تعمل على شق صف خصومك وتحييد من يمكنك تحييده.

خلاصة الكلام أن ما حصل في تونس هو حصيلة طبيعية للأحداث: قسم منها أخطاء لحركة النهضة، وقسم آخر إعادة اصطفاف للقوى السياسية مما أدى لعزل النهضة وتركها وحدها تقريبًا، وذلك بفضل أخطاء السلفية الجهادية، والمطلوب الآن هو التخطيط للهجوم المضاد بدل البكاء على ما فاتنا.

ليست هناك تعليقات: