الطائرة التي تم اسقاطها صباح الأمس |
ليست المرة الأولى التي تستطيع حماس إسقاط طائرة تجسس صهيونية لكنها تأتي
عقب سلسلة تطورات تأتي ضمن إطار حرب العقول بين الحركة والاحتلال الصهيوني، مما
يستدعي وقوفًا عند دلالات ما حصل ومآلاته.
وهنا يجب الإشارة إلى أن جيش الاحتلال الصهيوني يعتمد على ثلاثة أعمدة
وركائز أعطته تفوقًا كميًا ونوعيًا طوال السنوات السبعين الماضية (منذ عهد
العصابات الصهيونية تحت الاحتلال البريطاني حتى اليوم)، وهي: قوة الطيران الضاربة،
والقوة الاستخبارية، والتفوق النيراني.
واستطاعت المقاومة بمناسبات عدة التفوق على القوة الاستخبارية، ونرى في غزة
بدايات خجولة لتحييد القوة الجوية، بينما يبقى التفوق النيراني معضلة حقيقية تواجه
المقاومة خصوصًا والجيوش العربية عمومًا، لكن في هذا المقال سيقتصر الكلام على
جانبي الاستخبارات والطيران.
إسقاط الطائرة:
تظهر صورة الطائرة أنها سليمة نسبيًا وبدون أضرار تذكر، وهذا ينفي رواية
جيش الاحتلال بأنها سقطت نتيجة خلل فني لأنه وقتها فستصاب بأضرار نتيجة هبوطها غير
المتحكم به، مما يشير إلى أنها أسقطت عن طريق السيطرة على موجة التحكم الخاصة بها
ودفعها للهبوط داخل قطاع غزة.
وفي ظل التفوق التقني العظيم للكيان الصهيوني سواء في مجال الطيران أو
التجسس الإلكتروني أو التشويش الإلكتروني، وفي ظل مساحة قطاع غزة الصغيرة والمحدودة
بالأخص بالنسبة للطيران، تصبح السيطرة على طائرة ودفعها للهبوط داخل هذه المساحة
المحدودة تحديًا عظيمًا من الناحية الفنية والتكنولوجية، خاصة وأن العدو يمتلك آخر
ما توصلت إليه التكنولوجية الأمريكية (رقم واحد على الصعيد العالمي).
وهي كما أسلفت ليست المرة الأولى التي يتم إسقاط طائرة بدون طيار، فقد سبق
ذلك مرتين على الأقل (فيما أذكر) مرة في حرب غزة الأولى (2009م) والثانية في حرب
غزة الثانية (2012م)، بل من المعلوم أن القسام قادر منذ سنوات طويلة على اختراق
موجات الطائرات بدون طيار والتنصت على ما ترسله إلى مشغليها.
خلفيات الحدث:
وزير الحرب يعلون يزور الجنود الذين أصيبوا في عملية بوابة المجهول |
تأتي عملية إسقاط الطائرة بعد أيام قليلة من عملية "بوابة
المجهول" حيث استهدفت قوة عسكرية صهيونية حاولت تفجير نفق استراتيجي، وقيام القسام بالكشف عن منظومة تجسس صهيونية على شبكة الاتصالات
الفلسطينية في قطاع غزة، وكلها تأتي بعد كشف الاحتلال عن نفق خانيونس الاستراتيجي.
نلحظ هنا ضربات متتالية للذراع الاستخباري الصهيوني، وهي ليست المرة التي
يتلقى فيها ضربات استخبارية سواء في فلسطين أو حتى في لبنان، وقد تابعنا العمليات
الاستشهادية في انتفاضة الأقصى كيف شكلت معضلة مخابراتية كبرى له.
وحتى في حرب حجارة السجيل والتي افتتحها الصهاينة بضربات وهجمات مباغتة، فقد كانت تستهدف بالإضافة للشهيد الجعبري كل من مروان عيسى ورائد العطار وقادة آخرون في القسام ومخازن لصواريخ القسام والسرايا، وإن علمنا أن الجعبري كان يتحرك بطريقة شبه علنية، فحصيلة الاغتيالات في ذلك اليوم هي فشل استخباراتي عظيم، وإن كان مجهولًا حجم الأضرار الفعلية بمخازن الصواريخ التابعة للمقاومة إلا أن حجم الرد الكبير في نفس يوم الاغتيال والأيام التي تلت تدل على أن نسبة ما دمر من صواريخ هي ضئيلة (هذا إن تم تدمير شيء أصلًا).
ما الجديد إذن؟
إلا أن الجديد هو حجم الانكشاف المخابراتي للاحتلال الصهيوني، فسابقًا كانت
المقاومة تعتمد على الثغرات في منظومة الأمن الصهيوني من أجل توجيه عملية
استشهادية أو خطف جندي، أو الأخطاء الميدانية من أجل نصب كمائن للدوريات.
أما خلال الأسبوعين الماضيين فقد تكشف لنا حجم الضعف الأمني للاحتلال
الصهيوني، فالنفق الاستراتيجي استمر العمل به لشهور طويلة في ظل وجود معدات رصد
ومراقبة متطورة جدًا لاستشعار أي نفق يقترب من الحدود فما بالكم بشبكة أنفاق تخترق
الحدود وتتجاوزه، والأصعب من ذلك كان عجز الاحتلال عن تدمير النفق ووقوع القوة
التي أرادت تفجيره في كمين.
من قواعد حرب العصابات وحروب المقاومة أن تنسحب من المعركة التي استعد لها
عدوك (الجيش النظامي) لكن في عملية بوابة المجهول كان القسام مستعدًا للمواجهة
وخاضها باقتدار رغم التفوق بالنيران وتفوق الطيران.
أما كشف القسام عن منظومة التجسس على شبكة الاتصالات الأرضية (بما فيه شبكة
الإنترنت)، والتي لم يذكر تفاصيل عنها متعمدًا إبقاء الغموض مثلما أبقى الغموض على
طريقة إسقاط الطائرة واكتفى بإظهار الدليل على إسقاط الطائرة (من خلال تسريب
صورتها)، فكانت ضربة استراتيجية لعملية جمع المعلومات التي يقوم بها الاحتلال
الصهيوني، تضاف إلى فقدان الاحتلال للاحتكاك اليومي مع المجتمع الغزي والذي كان
يتيح له جمع المعلومات من عامة الناس، وابتزازهم ومساومتهم من أجل تجنيدهم ودفعهم
لمستنقع العمالة.
ماذا بعد؟
رغم حجم الضربات الموجهة إلى المنظومة الاستخبارية الصهيونية إلا أنه لا
يجب أن يغيب عنا القدرات الضخمة التي يتمتعون بها، فقد تمكن جهاز الشاباك طوال
أربعين عامًا من الاحتلال المباشر لقطاع غزة من بناء شبكة معلومات واستخبارات
قوية، كما أن لأجهزته المختصة بالتنصت والرصد الإلكتروني وخاصة الوحدة 8200
التابعة للاستخبارات العسكرية (أمان) قدرات مخيفة في مراقبة شبكات الاتصال
اللاسلكي و التصوير والمراقبة وبناء بنوك الأهداف.
وفي نفس الوقت لا يجب الاستهانة بما وصلت إليه المقاومة من قدرات في ظل
ظروف صعبة للغاية، لدرجة نستطيع أن نقول معها أن الأضرار التي أصابت منظومة
الاحتلال الاستخبارية غير قابلة للعلاج أو الإصلاح.
وفي المقابل فإن قدرة القسام على تحييد سلاح الجو ما زالت محدودة جدًا
وقاصرة على الطائرات بدون طيار التي تحلق على ارتفاع منخفض والتي يتم التحكم بها
عن بعد، ولم تصل إلى القدرة على إسقاط الطيران المروحي وطائرات أف 16، والتي إن
استطاعت تحييدها فستقلب كل موازين الصراع مع الكيان الصهيوني.
وأخيرًا مثلما ذكرنا في البداية فالتحدي الكبير والحقيقي هو تقليص الفجوة
الهائلة في القوة النيرانية بين الاحتلال الصهيوني وبين العرب مجتمعين (وليس فقط
المقاومة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق