منفذا العملية على يمين الصورة والعقيد الهالك على اليسار |
هل تذكرون العقيد الصهيوني الذي قتل الشهر الماضي (11/10/2013م) في بيته
بالأغوار الشمالية؟ وهل تذكرون كيف حرص إعلام الجيش الصهيوني على إرباكنا وأنه غير
متأكد من خلفية العملية: هل هم لصوص قتلوه بالخطأ أم هم مقاومون؟ وهل تذكرون ما قلناه
سابقًا عن حرص الاحتلال على سياسة الغموض بخصوص العمليات الأخيرة بالضفة؟
حسنًا تمكن محامي مؤسسة التضامن من الالتقاء مؤخرًا بأحد منفذي العملية وهو
الأسير عودة الحروب (18 عامًا) في مركز تحقيق الجلمة، وكونه سمح له بالالتقاء به
فمعناه أن الجزء الأساسي من عملية التحقيق قد انتهت، وما تبقى مجرد رتوش وشكليات.
وكنت أتوقع أن يحاول الأسيرين الاعتراف بدوافع جنائية (مثل السرقة) لعملية
القتل كون ذلك يخفف الحكم المفروض عليهما ويتيح لهما الإفراج بعد عشرين عامًا،
فالأحكام المدنية (الجنائية) بالمؤبد محكومة بسقف زمني وللسجين امتيازات لا تتوفر
للأسير الأمني (على خلفية مقاومة الاحتلال) والذي لا أمل له بالإفراج سوى صفقات
التبادل وقد توفي عدد من الأسرى داخل السجن دون أن تتاح لهم فرصة الإفراج عنهم
(مثل الشهيد عمر القاسم ومحمود أبو هدوان وميسرة أبو حمدية وغيرهم).
كما أن بعض الأسرى يعترف بأنه نفذ العملية مقابل وعد بأموال مقدمة من
تنظيمات فلسطينية لأنهم يظنون (مخطئين) أن ذلك يخفف عنهم الحكم بالسجن (كون الهدف
مالي وليس وطني)، رغم ثبوت أن الصهاينة لا يلقون بالًا لهذه التبريرات فما دام هنالك
رائحة عمل وطني في العملية فمعناه أقسى الأحكام بالسجن.
ولا ألوم الأسرى الذي يحاولون من خلال الطرق السابقة التخفيف من أحكامهم
حتى لو لم تجد نفعًا، فهم أحق بأي طريقة تقصر عليهم الحياة داخل السجن، إلا أن
الأسير عودة الحروب كان واضحًا في إظهار الدافع الوطني للعملية وهو الخيار الأكثر
كلفة بالنسبة له، مما يضفي مصداقية على كلامه، فلا أحد يكلف نفسه أثمان إضافية بكلام
كذب وغير صحيح.
يروي الأسير عودة كيف نفذ العملية مع شريكه بشير الحروب 21 عامًا وكليهما من
قرية دير سامت غربي الخليل، حيث أشار إلى أن الدافع كان من أجل (إسعاد الشعب
الفلسطيني والأسرى)، وأشار إلى أن بشير كان مؤيدًا لحماس، لكن التخطيط والتنفيذ
كان فرديًا.
قام بشير بعملية استشكاف للمكان برفقة قريبيهما ناجي وأحمد الحروب اللذين
أخبرهما بأنها رحلة جبلية ولم يدركا نية بشير تنفيذ عملية، مع ذلك فهما معتقلين
وربما يسعى المحققون للانتقام منهما بتدبير أي قضية لهما ولو لقضاء بضعة أشهر في
السجن؛ وهذا حسب فهمي للعقلية الانتقامية الصهيونية.
قتلا العقيد الصهيوني بفأس صغيرة داخل مستوطنته في الأغوار الشمالية، وهي
منطقة بعيدة عن مكان سكنهم وهي منطقة مليئة بالمستوطنات والمعسكرات والمناطق
العسكرية المغلقة، ولا يوجد سوى قرى بدوية فلسطينية متناثرة يعيش أهلها في فقر
وحرمان من أبسط أساسيات الحياة مثل المياه الجارية والكهرباء وشبكة الاتصالات
الأرضية.
ومثل أغلب عمليات المقاومة كانت المعضلة في عملية الانسحاب، وهي قد واجهت
مقاومين محترفين وخلايا متمرسة مثل عملية اغتيال قائد القوات الخاصة الجنرال مائير
منز في 25/12/1993م، والتي قادها الشهيد القسامي عوض سلمي من خلال نصب كمين
للدورية التي تقله في منطقة التوام شمال غزة، حيث وقعت عدة أحداث غير متوقعة حيث
تعطلت بندقيتين من بين ثلاث بنادق استخدمها المقاومون في العملية منذ البداية،
وخلال عملية إطلاق النار اختبأ أحد الجنود وبدأ بإطلاق النار عشوائيًا على الطريق
التي كان يفترض أن ينسحب عبرها أفراد الخلية، مما اضطرهم إلى الرجوع خلفًا وأربك
عملية الانسحاب، وعلى ذلك يمكنكم تخيل أغلب عمليات المقاومة قد واجهت أحداثًا غير
متوقعة.
فإن كان الكلام عن مشاكل تواجه مقاومين محترفين ومنظمين في اتمام العملية
والإنسحاب فما بالكم بشابين في مقتبل العمر وعديمي خبرة؟ فبعد العملية حاول بشير
وعودة تشغيل السيارة الخاصة بالعقيد للإنسحاب فلم يستطيعا العثور على المفتاح،
وخرجا مشيًا على الأقدام إلى خارج المستوطنة وهناك وسط منطقة صحراوية مليئة
بالمستوطنات قاما بالاتصال بأحد معارفهم لأخذهما واسمه عبد شوامرة وأخبراه بما
قاما به، ومقابل مبلغ 500 شيكل أرجعهما إلى البلدة.
اعتقل عبد شوامرة بعد يومين من العملية ويبدو أن الاحتلال رصد المكالمة
التي تمت وخاصة أنها منطقة معزولة ولا يوجد مكالمات هاتفية كثيرة تتم بها، ثم
اعتقل بعده بيومين عودة واعترف على بشير الذي اعتقله جهاز الأمن الوقائي التابع
للسلطة وأثناء نقله اعترضتهم دورية للاحتلال وقاموا باعتقاله.
وهنا لدي عدة ملاحظات على ما سبق سرده:
أولًا: كان واضحًا الإرباك في خطة انسحاب المنفذين،
ويبدو أنهما لم يوفرا رواية مقنعة لسائق السيارة لوجودهما ليلًا في هذا المكان
المعزول، مما اضطرهما للاعتراف بما قاما به، كما أن اتصالهما الهاتفي به فيما يبدو
كان طرف الخيط الذي أوصل لهما.
ثانيًا: نرى في هذه القضية الدور النموذجي للسلطة ضمن
منظومة التنسيق الأمني؛ يصلها طلب اعتقال من جانب الاحتلال الصهيوني، فتقوم
بالاعتقال والاستجواب وتسليم المعلومات للمحتل، والذي غالبًا لا يعتمد عليها بل
يفضل إعادة التحقيق للتأكد منها ومقارنة المعلومات، لكن في حالة بشير الحروب لم
ينتظر لخطورة القضية المتهم بها فقاموا باختطافه قبل أن تقوم أجهزة السلطة
باستجاوبه أو حتى نقله إلى مقراتها.
ثالثًا: أبرز شيء يمكن ملاحظته هو الطابع الفردي
للعملية، وهذا أكثر ما يخيف الصهاينة، وهي لم تكن المبادرة الفردية الأولى ولا
الأخيرة خلال الأسابيع الأخيرة، لكن ترجمة المشاعر الوطنية واليأس من تحرك الفصائل
المقاومة إلى عمل مقاوم فردي هو خط أحمر لا يريد الاحتلال أن يقطعه المجتمع
الفلسطيني.
رابعًا: ولهذا السبب يحرص الاحتلال على سياسة الغموض
والتقليل من أهمية هذه العمليات لأن خطر إبرازها إعلاميًا يكمن في تشجيع آخرين على
اللحاق بها وتقليدهم، ولهذا السبب بالذات لم يصدر شيء حاسم عن إعلام جيش الاحتلال
بخصوص العملية، على غير استراتيجيته التقليدية القائمة على التهويل والمبالغة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق