قد يبدو العنوان غريباً، إذ ما علاقة رئاسة خالد
مشعل للمكتب السياسي والثورات العربية؟ في الحقيقة لا يوجد رابط مباشر لكن ما وراء
القرار هو الأكثر أهمية، وهو ما يجب التوقف عنده ملياً، لأنه يتعلق بأحد أمراض
العالم العربي المزمنة وهو "التمسك بالكرسي من المهد إلى اللحد".
تأتي رغبة مشعل بعدم الترشح لرئاسة المكتب
السياسي التزاماً بمبدأ التداول وتكريساً لفكرة أنه يجب التنازل عن موقع القيادة
طوعاً بعد أن يؤدي القائد ما عليه، وقد تولى مشعل رئاسة المكتب السياسي لأكثر من
15 عاماً قدم بها الكثير، وحسب اللائحة الداخلية الجديدة لحماس لا يمكن لأي مسؤول
أن يتولى منصبه لأكثر من دورتين متتاليتين.
وبالرغم من أن القوانين عادة لا تطبق بأثر رجعي
مما يعني أن مشعل يمكنه الترشح لدورة جديدة (وأخيرة)، إلا أنه آثر اتباع روح
القانون وخصوصأً أن 15 عاماً تساوي عدة دورات انتخابية وليس فقط دورتين اثنتين،
وقرر عدم الترشح فاسحاً المجال لغيره أخذ دوره بقيادة الحركة.
وفي مصر أقدم المرشد العام السابق محمد مهدي
عاكف على خطوة هامة عندما قرر أيضاً عدم الترشح لمنصب مرشد عام الجماعة في سابقة
على الصعيد المصري، وفي تونس قرر الشيخ راشد الغنوشي عدم الترشح لدورة جديدة
لرئاسة حركة النهضة ورفض تولي أي مسؤولية حكومية بعد عودته.
في عالمنا العربي حيث يتزوج المسؤول كرسيه
زواجاً كاثوليكياً لا يفرق بينهما سوى الموت، من الضروري تقديم نماذج جديدة وخاصة
بعد انطلاق عصر الثورات العربية، ولتحديد مدة تولي المسؤول (وخاصة كبار القادة
والمسؤولين) أهمية كبيرة من عدة نواحي: كسر عبادة الفرد فطول بقاء القائد في منصبه
تقود غالباً إلى عبادته وتقديسه، وإتاحة المجال لوجوه جديدة ودماء شابة تقدم شيئاً
جديداً، ولأن أي إنسان يطول به الزمن في منصب معين يصيبه بعد مدة الفتور وضعف
الهمة أو على الأقل يفقد القدرة على الابداع والتجديد.
لذا يفضل تغيير الوجوه بشكل دوري وتجديد الدماء،
وأي مسؤول يقضي أكثر من 10 سنوات في منصبه يصبح عبئاً على المنصب (إلا في حالات
نادرة)، وقد يصاب أداؤه بالتكلس والتحجر، وفي الغرب أدركوا هذه الفضيلة منذ زمن،
أما ثقافتنا العربية فما زالت تقدس تخليد المسؤول أو القائد على الكرسي.
ومن الطبيعي أن يكون هنالك مخاوف من ترك مشعل
لرئاسة المكتب السياسي، خاصة وأنه يملك خبرة وعلاقات واسعة لكن هذه يمكن
استدراكها، ويمكن لمن يأتي بعده أن يعيد بناء هذه العلاقات بسرعة وخاصة إن جاء من
أعضاء المكتب السياسي الحاليين (وهو الأرجح).
وأهمية خطوة مشعل أن ظرف حماس صعب، ودوماً كانت
الظروف الصعبة والأزمات مبرراً وحجة لاستدامة الشخوص في مواقعهم، مع أنه في أحيان
كثيرة وجود هؤلاء الأشخاص هو الأزمة بحد ذاتها مثلما كان الأمر مع مبارك أو
القذافي.
كما أن حركة حماس ليست مجرد حزب سياسي، بل هي الحزب
الحاكم في غزة ولقرارتها ومواقفها لها الأثر الكبير على مصير الشعب الفلسطيني
والقضية الفلسطينية ككل بكل تعقيداته، فالإقدام على ترك مثل هذا المنصب الحساس
يثبت للمتخوفين أن الأمر ممكن ولا عذر بعد اليوم لأي كان.
وهنالك ناحية أخرى يجب الإشارة لها وهي أن قرار
مشعل جاء امتثالاً للقوانين الداخلية، ولم يأت نتيجة لمرض أو ملل أو صراع داخلي،
فهنا نتكلم عن احترام القوانين بعد أن تعودنا في عالمنا العربي على إعادة تفصيل
القوانين لاستدامة وجود فلان وعلان، فالقوانين وجدت لتنفذ لا ليلتف حولها.
واللافت في الأمر أن الإسلاميين يقدمون نموذجاً
لتجديد الدماء وتداول السلطة، بعيداً عن طقوس تقديس الأشخاص وعبادة الفرد، في
تناقض كبير مع منافسيهم من العلمانيين والليبراليين الذين طالموا خوفوا الناس من
الإسلاميين والاستبداد المفترض أن يأتوا به.
فما فشلت به هذه التيارات استطاعت الحركات
الإسلامية أن تحقق فيها انجازات عملية، ومن الغريب أن ينظر للديموقراطية وتداول
السلطة رؤساء أحزاب أمضوا عقوداً في مناصبهم، ومن الغريب أن يرمي مخلدون على
الكراسي الحزبية منافسيهم بتهمة الاستبداد.
فقرار مشعل هو خطوة إضافية وهامة على سبيل إصلاح
نظرتنا للقيادة والمسؤولية، نحو بناء نموذج عصري لتجديد الدماء وتداول السلطة في
عالمنا العربي، وعندما تترافق هذه الخطوة مع الثورات العربية التي كانت في جوهرها
ثورة على طول البقاء في الحكم، فهذا يعطي زخماً أقوى للفكرة.
هناك 4 تعليقات:
لا اعلم ما الي دفعني للتعقيب على هذا الموضوع بمدونتك هنا قبل ان تكتب عنه
http://yaseenizeddeen.blogspot.com/2012/01/blog-post_08.html
موضوع رفض السيد أبو الوليد مشعل ترشيح نفسه لرئاسة المكتب السياسي لحماس فإن من يعتبر ذالك التغيير ناتج عن تصريحات و مواقف حماس من الثورة السورية فهو مع احترامي له انسان ضعيف الذاكرة فالأولى لمثل هذه الخطة أن تكون بعد فشل حماس بإستدراك الحل سياسي و لجوئها للعسكر في حزيران 2007 للحسم مع أجهزة حركة فتح الامنية بقطاع غزة(و ما كان لهذا الانقسام من ضرر على فلسطين القضية)و كان الأولى ان يكون هذا العمل بعد نجاح اسرائيل ونظام مبارك بخداع حركة حماس يوم 27/12
/2008
هذه الاحداث بإعتقادي أهم عند الحركة من مواقف حماس من الثورة المباركة
أود التنويه أنه محمود عباس (ذالك الشاب المراهق الذي يعبث بقضية أمة الاسلام)قد هدد بإستقالة وووو ان فشل ما يعرف بإستحقاق أيلول و لكن ما وجدناه هو رفض مشعل الترشح للرئاسة الحركة بعد نجاحه و رفاقه المقاومين بتحرير ألف أسير فلسطيني فبارك الله به و بصحبه و الخزي للأمريكي محمود عباس و أجهزته (كلاب الحراسة )
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
هذه المشاركة ربما يعتبرها الأخ الفاضل ياسين عز الدين تحت تأثير(التقية)و لكن الله أعلم بالنوايا
العضو في فلسطين للحوار (ثورة سوريا )
خطوة رائعة من جانب الأخ مشعل فرغم كل نجاحات الأخ فضّل أن يفسح المجال لدماء جديدة ثتري الفكر بكل تجديد تقدمه للحركة وكذا لكل فلسطين وأنا سأدرج مثال رغم أنه بعيد عن السياسة فاللاعب المميز لا يترك حلبة الصراع في ضعف وهوان بل يتركها وكل الأضواء تنير له يتركها وهو في أوج العطاء والقوة نشد على يدي الأخ مشعل ونرجو أن يكون الخلف مكمل لما بدئه السلف وأن يكون خير خلف لخير سلف ..
ولو مكنونا من أن نشاركهم في إختيار الخلف لما وجدنا كفؤا لهذا المنصب المهم غيركم أخي الكريم ياسين بوركتم وبوركت مواضيعكم النيّرة..
لا تأخذ رأيي أنه محاباة معاذ الله فأنا لا أجيدها ولكن هو فقط رأيي في شخصكم الكريم والذي إتخذته بناءا على مواضيعكم الأكثر من رائعة والتي أعطتني نمودجا رائعا في أن أحذو حذوكم في بحوثي..
أرجو من الله أن يحمي الحركة وكل رموزها وكل محبيها لحتى تحرير كل مقدساتنا ..
أخي الكريم عمر لا يشك أحد في حبكم لحماس وهذه الأخيرة وما تبذله من تضحيات جسام للوطن وللمواطن فالأخ ياسين صدره رحب فقط أنت إعرف مفتاحه فستجده نعم الأخ الكريم غيّر من لهجة كلامك فوالله ستجده يحتويك بطيب أخلاقه فكلنا إخوة وما يقرنا أكثر مما يبعدنا ..وإتخذ لأخيك 70 عذرا بدل اللوم والعتاب إكسبه لحتى تكونوا على قلب رجل واحد وفقك الله لما يحبه ويرضاه ..اللهم آمين
حياك الله أخي الكريم.
وشكرأً على كلامك الطيب. أخجلتني.
وإن شاء الله أكون دوماً عند حسن ظنك.
إرسال تعليق