الثلاثاء، 29 يونيو 2010

النظام الأردني وأكذوبة رفض التوطين

تعتبر الساحة الأردنية من المواقع الحيوية والاستراتيجية في صراعنا مع الكيان الصهيوني، نظراً للحدود طويلة مع الكيان الصهيوني والضفة الغربية مما يؤهل الأردن لعب دور لوجستي داعم للمقاومة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى وجود مليونين ونصف فلسطيني يعيشون في الأردن، ويشكلون حوالي نصف عدد سكان الأردن، وحوالي ربع تعداد الشعب الفلسطيني، ونصف عدد الفلسطينيين الذين يعيشون خارج فلسطين.

مع ذلك فلم تتمكن المقاومة الفلسطينية من استغلال هذا الواقع الجغرافي والبشري، بل على العكس لعب النظام الأردني وخاصة في السنوات العشر الماضية (منذ وفاة الملك حسين) دوراً خطيراً للغاية يتمثل بتوطين الفلسطينيين بالأردن بشكل غير رسمي، مع تغطية دورهم المتواطئ هذا من خلال تكرار تصريحات رسمية تؤكد على أنهم ضد التوطين قلباً وقالباً، ولإقناعنا بأنهم صادقون برفضهم للتوطين يزعمون أن التوطين ليس في مصلحة الأردن الذاتية وأنه يهدد تركيبته السكانية.

لكن الممارسات على أرض الواقع تثبت العكس تماماً، فالنظام الأردني يقوم وبشكل حثيث على توطين اللاجئين الفلسطينيين، وإجبارهم على التخلي عن انتمائهم لفلسطين تحت مسمى "الأردن أولاً"، وعبر ادخال الشعب الأردني في دوامة صراع بين أصحاب الأصول الفلسطينيية والأصول الأردنية، وهي دوامة من صناعة النظام الأردني هدفها الضغط على اللاجئين الفلسطينيين لكي يتخلوا عن التفكير بفلسطين واللهاث بدلاً من ذلك وراء حقوق المواطنة الأردنية، وابتزازهم: إما أن تكونوا أردنيين وتنسوا فلسطين، وإما أن تكونوا فلسطينيين وتفقدوا جزءاً من حقوقكم.

فقد أصبح اليوم الاهتمام بفلسطين في عرف النظام الأردني ومن يشايعه هو عبارة عن أجندات خارجية، وواجب الأردنيين هو التضامن مع المساكين جيرانهم الفلسطينيين فقط لا غير، ولم تعد قضية الأقصى وتحرير مسرى الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أجندات أردنية ولا يجب أن يهتم بها الشعب الأردني.


التوطين الكامل والتنازل عن حق العودة:


وإذا كانت الحجة التي يتم تداولها لتصرف النظام وأنصاره بهذا الشكل والتضييق على اللاجئين الفلسطينيين، هي حماية الأردن من مخططات تحويله إلى الوطن البديل للشعب الفلسطيني والحفاظ على طابعه الأردني، فإن الحقائق على الأرض تشير وبشكل لا لبس فيه إلى أن النظام متواطئ حتى النخاع ومعني بتحويل الأردن إلى الوطن البديل وتوطين اللاجئين الفلسطينيين وقطع صلاتهم بوطنهم الأصلي.

وقد أشار تقرير أعد داخل جماعة الإخوان المسلمين الأردنية في شهر تموز من عام 2009م إلى أن الحكومة الأردنية متواطئة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية من خلال "التوطين الأبدي للاجئين والنازحين الفلسطينيين المقرون بسحب حق العودة"، وقد أثار التقرير (الذي أعد ليكون داخلياً ثم تسرب للصحافة) ضجة في حينه.

فالنظام حريص على إظهار أنه ضد التوطين وضد الوطن البديل، وعلى قاعدة "يكاد المريب يقول خذوني" استفز النظام من التقرير، وهو الذي يستغل أكذوبة معارضته للوطن البديل من أجل تمرير مخططات تصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بشكل دائم.

إذا كان النظام الأردني حقاً يرى في الوطن البديل خطراً يتهدده لماذا عقد اتفاقية سلام مع الكيان دون اشتراط حق عودة اللاجئين؟ لماذا يحارب حماس التي ترفض الوطن البديل بشدة وترفض التنازل عن حق العودة؟ لماذا يتحالف مع السلطة مع أن السلطة لا تبالي بحق العودة وتسعى للتنازل عنه؟ هل هذه تصرفات نظام يعارض التوطين ويعارض الوطن البديل؟

لماذا يستهدف النظام الأردني الفلسطينيين حاملي البطاقات الصفراء والذين يعيشون في الضفة والقطاع ويقوم بسحبها منهم (لمن لا يعلم البطاقة الصفراء تخول حاملها الإقامة والعمل في الأردن)؟ أليس المنطق يقول أن تسحب البطاقة الصفراء من أولئك الذين يعيشون في الأردن من أجل اجبارهم على الذهاب إلى الضفة والقطاع إذا كان الهم هو تثبيت الفلسطينيين في أرضهم؟ الإجراءت الحالية توصل رسالة للفلسطينيين الذين يحملون الهويات الفلسطينية إذا عدتم إلى أرضكم سنعاقبكم ونسحب منكم الامتيازات التي لديكم (البطاقة الصفراء والرقم الوطني).


حماس والاستراتيجية الخاطئة:


في مقابل التواطؤ الواضح للنظام الأردني، والذي لا يقتصر على توطين اللاجئين الفلسطنيين والضغط عليهم لإجبارهم على نسيان فلسطين وهم فلسطين، بل يمتد لتدريب قوات دايتون الأمنية وتقديم المعلومات الاستخبارية للكيان الصهيوني والتنسيق معه لمحاربة حركة حماس وغيرها من قوى المقاومة، وتقديم الغطاء السياسي لمشاريع التطبيع والتفاوض مع الكيان الصهيوني. نجد أن حركة حماس تتجاهل في تعاملها مع النظام الأردني هذه الحقائق الساطعة.
فالخطاب الإعلامي لحركة حماس يقوم على أن بين حماس والنظام الأردني مصلحة مشتركة تتمثل برفض مشروع الوطن البديل ورفض التوطين، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالنظام الأردني هو أبو التوطين وهو أبو مشروع الوطن البديل، وبالتالي فمحاولة حماس ايجاد مساحة مشتركة مع النظام فاشلة لسوء نية النظام الأردني، وقد حاولت الحركة في عهد رئيس المخابرات العامة الأردنية محمد الذهبي خلق تفاهمات، لكنه عزل في ذروة العدوان على غزة، لأنه تجاوز الخط الأحمر وتقارب مع حركة حماس.

وكان مركز دراسات الشرق الأوسط قد عقد في عمان حلقة نقاش بتاريخ 30/8/2008م بعنوان "علاقات حماس والأردن الفرص والتحديات"، وتحدث فيه عدد من المفكرين القريبين لحماس مثل جواد الحمد الذي تكلم عن مصالح مشتركة بين حماس والنظام الأردني مثل: "حماية الأردن وكيانه واستقلاله من مشروع الوطن البديل، وحماية مصالح الأردن في الضفة الغربية ودوره في القضية الفلسطينية، وتشكيل حالة توافقية تساعد على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المملكة."

لا يوجد أي إمكانية لإيجاد مساحة مشتركة مع النظام الأردني، ففي دول عربية عديدة يتم التضييق على الفلسطيني وتتخذ "اجراءات لمحاربة التوطين" لاعتبارات داخلية مختلفة، مثل لبنان حيث توجد خشية من الاخلال بالتركيبة الطائفية، وعليه يمكن الوصول لتفاهم مع الأطراف المعنية بهذه الدول من منطلق أن هنالك اتفاق مشترك حول رفض التوطين. أما في الأردن الأمر هو عكس ذلك تماماً فالاجراءات التي يزعم أنها تحارب التوطين، هدفها الحقيقي هو التوطين ودفع الفلسطيني لنسيان وطنه، لذا هنالك تناقض مطلق وبالتالي لا مجال للوصول إلى تفاهم مشترك.

ربما نتفهم كلام حركة حماس أنه يأتي من باب العلاقات العامة لا أكثر، لكن لغة الخطاب هذه المنفصلة عن الواقع تساهم بتكريس مصطلحات وأفكار خطيرة، مثل أن الشأن الأردني لا علاقة له بتحرير فلسطين وأن تحرير المسجد الأقصى الذي يبعد أقل من 30 كيلومتر عن نهر الأردن هو أجندة خارجية وأن الحديث عن تحريره أو مقاومة الاحتلال الصهيوني انطلاقاً من الأردن هو استهداف للأردن ولأمنه ولاستقراره، هذه مفاهيم خطيرة تكرسها اللغة الاعلامية لحركة حماس وللإخوان المسلمون في الأردن الذين لم يكونوا لحد اللحظة صريحين بما يتعلق بالنظام الأردني ونواياه.


الخلاصة:


نستنتج مما سبق أن النظام الأردني يستخدم محاربة التوطين كشماعة ليمرر مشروع الوطن البديل وليوطن اللاجئين الفلسطينيين، ويحاول غسل أدمغتهم من خلال شعارات وأولويات مثل "الأردن أولاً" بدلاً من "الأقصى أولاً"، وبناء عليه يجب على حركة حماس أن تراجع طريقة تعاملها مع النظام الأردني وأن تكف عن محاولة الالتقاء معه على مصالح مشتركة موهومة لا وجود لها.

ويجب على اللاجئين الفلسطينيين في الأردن مقاومة هذه الضغوط، والاصرار على النشاط السياسي من أجل القضية الفلسطينية، وعدم التحرج من الحديث عن حق المقاومة، ويجب على الجميع التفكير جدياً بتحويل غور الأردن إلى ساحة مواجهة مع الكيان الصهيوني، بما يخفف الضغط عن المقاومة في الضفة الغربية، وبما يفشل مخططات توطين اللاجئين في الأردن. فبدون تصعيد المقاومة المسلحة في غور الأردن فإن مخطط التوطين يسير على نار هادئة وبدون ضجة، والكل يظن أنه لا توطين والكل يطبع مع الأمر الواقع ويقبل ويرضى به، ويرضى بقواعد اللعبة التي يرسمها النظام الأردني بالتعاون مع الصهاينة والأمريكان والسلطة.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بوركت على التوضيح ، يعطيك العافية ، حفظكم الله ..

غير معرف يقول...

استمر