الاثنين، 21 يونيو 2010

سجن الكاتشاب والميونيز

استطاع الكيان الصهيوني إلهاء الاعلام باعلانه عن تسهيلات في الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال زيادة عدد أصناف السلع المسموح بدخولها، مع وجود تضارب بين نص القرار باللغة العبرية ونصه بالانجليزية، الأمر الذي يشير لنية سيئة مبيتة من قبل الكيان وإلى أن الأمر كله ليس أكثر من لعبة ومراوغة من طرف الكيان.

ومن يستمع للتصريحات الصهيونية يظن للوهلة الأولى أن الصهاينة يطعمون أهل غزة من مالهم الخاص ويتصدقون عليهم، وبالتالي هم من يقررون كم حصة أهل غزة من الطعام وكم يحتاجون وما هي الكماليات التي يسمح لهم بالدخول وما لا يسمح من الكماليات التي لا "تليق بالفقراء".

وحتى يعطوا الانطباع المضلل بأن أهل غزة يتوفر لهم كل شيء، ولم يبق إلا بعض الكماليات تضمنت أحد القوائم الجديدة أصنافاً تعد من "الكماليات" مثل الميونيز (ولا أدري لماذا نسوا الكاتشاب)، وفيما يتدخل الوسطاء ليطلبوا من الصهاينة إضافة الأسمنت لقائمة المسموحات يتعزز الصهاينة مرة أخرى (كأن الاسمنت سيتبرعون به)، ويقولون سنسمح به فقط للمؤسسات الإنسانية أو لبناء المدارس والمستشفيات مع اشتراط الإشراف الدولي، طيب وماذا عن الأفراد الذي هدمت بيوتهم في الحرب؟ وماذا عن الأزواج الشابة التي تبحث عن منازل؟ وماذا عن رجال الأعمال الذين يريدون الاستثمار بقطاع الإنشاءات؟

ويتبرع طوني بلير ويتفتق ذهنه باقتراح لاستبدال قائمة المسموحات بقائمة أخرى للممنوعات يضعها الصهاينة، فبرأيه هذا يخفف معاناة أهل غزة، والملاحظ أن الكلام كله يدور وكأن غزة هي سجن كبير يتحكم السجان الصهيوني بما يدخل إليه ويخرج منه، فهذه ليست بلداً حراً، فكل بلدان العالم تدخل وتخرج لها البضائع بدون حسيب ولا رقيب، ولطالما بشرنا الأمريكان بالتجارة الحرة بدون حواجز أو موانع، ولا ننسى العين الصهيونية الحقودة مثل عين عضوة الكنيست الليكودية التي عارضت تخفيف الحصار لأنها رأت أهل غزة يأكلون الكعك على شاشات التلفاز "فلا يلزمهم المزيد" (اللهم لا حسد).

ومن عاش في سجون الاحتلال يدرك التشابه الكبير بين تصرف مصلحة السجون الصهيونية مع الأسرى وتصرف حكومة الاحتلال مع أهل غزة، في سجون الاحتلال كل شيء يجب أن يكون على حساب الأسير من مأكل وملبس، مع ذلك يمنون عليه ويذلوه مئة مرة قبل أن يسمحوا لأهله بادخال ملابس له على الزيارة أو يسمحوا له بالشراء من ماله الخاص من الكنتينا.

في سجون الاحتلال يسمحون للأسير بامتلاك غيارين من الملابس الداخلية وثالث يلبسه، طبعاً هذه الغيارات ليست تبرعاً من إدارة السجن، بل يحضرها أهل الأسير على الزيارة، مع ذلك يمنون على الأسير، وتعتبر إدارة السجن نفسها متساهلة، فهو لا يحتاج (برأيها) لأكثر من غيارين واحد يلبسه والآخر في الغسيل، وسماحهم بالثالث هو من باب الكرم الحاتمي.

كذلك في سجون الاحتلال لا يجوز لأهل الأسير أن يحضروا له ما يحتاجه من طعام وشراب، (فنحن نوفره له) هكذا تقول إدارة السجن، وتقصد أنها تسمح له بالشراء من كنتينا السجن، وفضلاً عن أن ثمن الطعام فيها يفوق أسعار السوق الصهيونية بمرات فإن إدارة السجن تضع قيوداً على ما يسمح له بشراءه والمبالغ المسموح له بإنفاقها (مرة أخرى هذه أموال الأسير وليست أموال تتبرع بها إدارة السجن حتى لا تظنوا أنها تمن من عندها).

وكذا الأمر في سجن غزة، فسواء كنا نتكلم عن التبرعات التي يقدمها العالم الحر أو عن البضاعة التي يشتريها أهل غزة بمالهم الخاص، فالصهاينة يمنوا عليهم بمجرد السماح بادخالها، بل وذهب الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي وكذب بوقاحة في أحد المقابلات التلفزيونية عندما وصف المساعدات والبضاعة التي يسمح كيانه المزعوم بدخولها بأنها "مساعدات إسرائيلية".

وفي خضم هذا الجدل القائم حول كيفية إدارة سجن غزة، جاء وزير المواصلات الصهيوني ليعلن عن احباطه من فشل الحصار وليقول: "إن الصلة بين إسرائيل وقطاع غزة منذ الانفصال غير منطقية وغير صحيحة, ونحن لسنا هناك, لكننا نتحمل المسئولية عن الاوضاع هناك, إنها فرصة تاريخية من أجل قطع أي صلة بيينا وبين غزة, وعلى الأقل نشترط وضع رقابة لمنع دخول السلاح،" هو كلام يعبر عن احباط بسبب فشل الحصار، وليس قناعة بأن هذا الأمر هو الأمر الصحيح، ولم يكن موقفاً رسمياً قاله في الحكومة بل تصريحاً صحفياً عابراً.

لكن هذا الوزير الصهيوني وجد آذناً صاغية عند الخارجية المصرية التي رأت بكلامه نجدة هبطت من السماء، فقال حسام زكي تعليقاً على كلام الوزير الصهيوني: "مثل هذا الكلام يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على ما كنا نقوله على مدار الأعوام الماضية من أن هناك تفكيراً إسرائيلياً رسمياً يهدف إلى التنصل من مسؤولية قطاع غزة وإلقائها على مصـر .. وهو الأمر الذي ترفضه مصر تماماً وحذرت منه ومن تبعاته وبالذات على مستقبل القضية الفلسطينية"، ويقصد هنا أن موقف مصر المشارك بالحصار هو موقف سليم.

حسناً لقد فات حسام زكي أمرين: غزة ليست سجناً لكي تتناقلها الأيادي بين سجان صهيوني ومصري، غزة يجب أن تكون أرضاً حرة والسيادة لأهلها، وهذا يجب أن يكون موقف الحكومة المصرية: يجب إخراج غزة من سجنها، لا أن يكون موقفها هو مجرد رفضها لاستبدال السجان الصهيوني بسجان مصري.

الأمر الآخر الذي فات حسام زكي هو أن تصريح الوزير الصهيوني يتناقض مع موقف حكومته ومع موقف رئيس جهاز الشاباك الذي عارض وبشدة أي تخفيف للحصار، فلماذا سمع ذاك التصريح ولم يسمع هذا؟ في ما يتعلق بالشأن الفلسطيني الكلمة الأولى والأخيرة تأتي لأربعة أشخاص: رئيس الشاباك ورئيس الاستخبارات العسكرية ووزير الحرب ورئيس الحكومة، وكلهم بلا استثناء يؤيدون تشديد الحصار وإبقاء المسؤولية الصهيونية عن كل ما يدخل ويخرج من غزة.

لماذا لا يريد حسام زكي الانصياع لرغبة وزير المواصلات فيما يطبق تماماً توصية رسمية أوصى بها رئيس جهاز الشاباك وتحمس لها وزير الحرب ورئيس الحكومة والأغلبية الساحقة من حكومة الاحتلال؟ هل وزير المواصلات الصهيوني أكثر حرصاً وفهماً وإدراكاً لمصالح الكيان؟

وكان رئيس الوزارة المصري أحمد نظيف أكثر صراحة عندما قال أنه حتى لو أنجزت المصالحة الفلسطينية الفلسطينية فسيبقى الحصار مفروضاً على غزة، لأن غزة محتلة وهو لا "يريد مساعدة المحتل بالتخلص من مسؤولياته"، حسناً يا نظيف لما لا تساعد أهل غزة بالتخلص من المحتل؟ بأي منطق يساهم حصارك لغزة بمساعدة الشعب الفلسطيني. ولا عجب من كلامه فمبارك قالها قبل أكثر من عام والطائرات الصهيونية تصب قنابلها على قطاع غزة: "القطاع ما زال محتلاً، ومن حق الاحتلال أن يعرف كل ما يدخل للقطاع وما يخرج منه" (لاحظوا معي أصبح للاحتلال حقوقاً يجب احترامها).

باختصار قطاع غزة ليس سجناً ليمنّ عليه الصهاينة بالقطارة، ولا ليتهرب النظام المصري من إدارته، قطاع غزة يجب أن يكون أرضاً حرة لشعب حر، وكل الحلول التي تدور حول عقلية السجن ومن يدير هذا السجن ومن يتحكم به غير مقبولة، والسجن سجن حتى لو كان مليئاً بالطعام والدواء فليس بالكاتشاب والميونيز وحده يحيى الإنسان.

ليست هناك تعليقات: