تصدمني الآراء المدافعة عن العملاء وتتهم المقاومين بأنهم كانوا يقتلونهم ظلمًا وعدوانًا خلال الانتفاضة الأولى، وخاصة عندما تصدر عن أشخاص محسوبين على المقاومة، يتبنون الدعاية الصهيونية التي تقول أنهم كانوا يقتلون على الشبهة أو تصفية حسابات وليسوا عملاء حقيقيين.
ومن الواضح أن هنالك جهل بتلك المرحلة وخلط للحقائق مع الأكاذيب، واعتقاد بأنه كان بإمكاننا الوصول لهذه المرحلة بدون تصفية العملاء خلال الانتفاضة الأولى.
بدايةً لا بد من التأكيد على أن هنالك أخطاء ارتكبت، سواء تشددًا دون داعٍ أو تسرع أو قلة الخبرة أو حتى تصفية حسابات، والبعض يشير لتجاوزات بعض المطاردين من تنظيمات معينة ويعممها على كل الحالة المقاومة، بل أحدهم وصف جميع المطاردين بأنهم لصوص ومغتصبين وساقطين أخلاقيًا مستدلًا بهذه الحالات الشاذة، ومتجاهلًا أن من يقفون على رأس المقاومة في غزة اليوم كانوا من المطاردين في الانتفاضة الأولى، كما أن المهندس يحيى عياش كان مطاردًا في يوم من الأيام وقائمة طويلة من القادة الأبطال.
وحتى نضع النقاط على الحروف ولا ننطق بلسان صهيوني مبين: تجاوزات وأخطاء البعض لا يجوز تعميمها على الجميع، ووجود بعض حالات الظلم لا تنفي أن الغالبية كانوا يستحقون القتل بل وكان واجبًا قتله مثل محمد العايد الذي قامت جماهير بلدة قباطية بمحاصرة منزله فيما كان يطلق عليهم النار إلى أن نفدت ذخيرته، فألقوا القبض عليه وشنقوه على عامود الكهرباء عام 1988م.
الكثير من الاتهامات التي أقرأها بحق المطاردين ونشطاء الانتفاضة هي كلام مرسل، وبعضها محض افتراءات مثل اتهامهم باغتصاب الفتيات فهل سيسكت مجتمعنا عن هكذا جريمة؟ وطبعًا هنالك اتهامات صحيحة أو فيها وجاهة لكن ليس كل ما يقال على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يصدق.
الاحتلال لم يكن يهتم بملاحقة مرتكبي جرائم تصفية الحسابات والجرائم الشخصية، لكن كان يعتقل المقاومين الذين كانوا يعدمون العملاء، لهذا مرتكبو جرائم تصفية الحسابات مجهولي الهوية إلا ما ندر، وتقريبًا جميع من دخلوا السجن بسبب قتل عملاء حقيقيين فلا يجوز اتهامهم بأنهم كانوا يقتلون تصفية حسابات أو لخلافات شخصية.
وأخيرًا فالحملة ضد العملاء آذت الاحتلال، الذي أجبر السلطة على التعهد في اتفاقية أوسلو على عدم اعتقال العملاء السابقين، كما لجأ المئات من كبار العملاء من الضفة وغزة إلى الداخل المحتل، وأسس الاحتلال تجمعين لصغار العملاء وعائلاتهم في الدهنية جنوبي قطاع غزة وفحمة شمالي الضفة، وقدر عدد سكان كل تجمع بخمسة آلاف.
صحيح أن مرحلة أوسلو أسست لشكل جديد من التعامل مع الاحتلال تحت مسمى التنسيق الأمني، لكن هذا لا يبرر للعملاء "الماركة الأصلية" خيانتهم، ولا يجعلهم أصحاب حق ولا وجهة نظر.
كان العملاء قبل الانتفاضة يتباهون بعمالتهم ويحملون سلاح الاحتلال علنًا، وعامة الناس يتملقونهم ويتقربون إليهم حتى يحصلوا على تصريح أو مصلحة معينة، والانتفاضة الأولى أنهت هذه الظاهرة بشكل حاسم، ولو بقيت لكنا في وضع أسوأ بكثير.
هناك تعليق واحد:
بوركت
إرسال تعليق