يحتفل الناس بما أنجزه الأسرى في إضرابهم الأخير، وهو إنجاز يسجل للأسرى أنفسهم بصمودهم طوال أربعين يومًا، ولأهالي الأسرى ولمن شارك في المواجهات والتصعيد الميداني بالضفة الغربية، لأنه لولا الضغط الميداني على الاحتلال لما أمكن للأسرى أن يحققوا أي شيء.
لكن من الضروري في هذه اللحظة الوقوف أمام الدور السلبي جدًا للسلطة الفلسطينية، التي مارست الضغوط على الأسرى بدلًا من الضغط على الاحتلال، والتي منعت الحراك الشعبي أن يأخذ حريته، وفي النهاية تحاول سرقة ما أنجزه الأسرى وأن تنسبه لنفسها.
عدم نشر السلطة لبنود الاتفاق لحد اللحظة يثير الريبة، لأنه حسب ما وصل فقد تم تعليق الإضراب مقابل وعود بدراسة المطالب، والمطلب الوحيد الذي استجيب له هو زيارتين في الشهر للأسير.
كان بإمكان السلطة ممارسة الضغوط على الاحتلال من خلال التهديد بوقف التنسيق الأمني، أو التوقف عن رفع التقارير اليومية من جهازي الوقائي والمخابرات إلى الاحتلال، أو إعطاء التوجيهات لحركة فتح من أجل الإنخراط النشط في الحراك الشعبي.
لكن لم يتحقق أي من ذلك، ومشاركة فتح في الحراك الشعبي كان بناء على شخصيات مقربة من مروان البرغوثي والقواعد الشعبية للحركة، لهذا جاءت مشاركة منقوصة وضعيفة، باستثناء منطقة رام الله التي شاركت فيها فتح بقوة، بحكم وجود شخصيات قريبة من البرغوثي فيها مثل قدورة فارس.
ولهذا كان هذا التيار يلجأ لإغلاق الشوارع في المناطق الفلسطينية وعمل على فرض الإضراب بالقوة، لأنه كان يواجه بقوة مضادة من السلطة ومن داخل فتح أيضًا.
وبغض النظر عن ما أنجزه الأسرى من قضايا مطلبية، وهو لحد الآن مجهول لم تعلن عنه السلطة، فقد أنجز الحراك التضامني مع الأسرى زيادة في المقاومة الشعبية وصلت ذروتها في المواجهات التي اندلعت الاثنين الماضي مع الإضراب الذي رافق زيارة ترمب.
فقد شهد ذلك اليوم 53 نقطة مواجهات وهجمات للمقاومة وهي الأعلى منذ بداية انتفاضة القدس، وشهدنا في الأسبوعين الأخيرين تضاعفًا في أعمال المقاومة الشعبية، ورغم أنها بقيت دون المستوى المطلوب لكنها أثارت مخاوف الاحتلال من تحولها إلى حالة دائمة أو الوصول إلى نقطة الانفجار الكبير.
كما شهدنا بدايات عمل مقاومة شعبية منسق، من خلال الإعلان عن أيام التصعيد والإضراب الشامل، والتقاء على قاعدة العمل المشترك بين فتح وحماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، وهو أمر كان مفقودًا منذ وفاة عرفات وقدوم عباس الذي لا يؤمن بأي شكل من أشكال المقاومة.
كان بالإمكان استغلال الحالة الشعبية التي بدأت بالتبلور من أجل الضغط على الاحتلال بشكل أكبر، لكن السلطة كان همها الأول وقف الإضراب وأن يبقى الحراك محصورًا في خيم التضامن بمراكز المدن.
لهذا حركت السلطة رجالها داخل السجون من أجل إضعاف الإضراب، وللعلم فإن المشاركين في الإضراب من حركة فتح لا يزيد عن ثلث أسرى الحركة، لأن بعض قيادات أسرى فتح وبتعليمات من السلطة رفضوا المشاركة بالإضراب وضغطوا على المشاركين لكي يوقفوا الإضراب.
كما حرصت السلطة على منع الاحتكاك مع قوات الاحتلال في مناطق التماس، لكن قوة الاندفاع في أحيان كثيرة اضطرها لرفع يدها في أكثر من مرة، خاصة وأنها لا تريد الدخول بصدام مفتوح مع أنصار البرغوثي أو قواعد الحركة الشعبية المنخرطة في المواجهات.
إلا أن السلطة أبقت قبضتها الأمنية لمنع عمليات المقاومة المسلحة ونجحت بذلك إلى حد كبير، رغم أنها كانت ستكون ورقة ضاغطة على الاحتلال.
في الساعات الأخيرة قبل إنهاء الإضراب مارست السلطة ضغوطًا على قيادات الأسرى المضربين عن الطعام، ووضعتهم تحت الأمر الواقع لقبول هذا الاتفاق المبني على وعود عامة، ولهذا كان موقف الأسرى بتعليق الإضراب وليس وقفه.
بناء على ما سبق فيجب التأكيد على الأمور الآتية:
أولًا: عدم السماح للسلطة بتنفيس المقاومة الشعبية بحجة انتهاء الإضراب، فالأسرى جزء من مطالبنا الوطنية وليسوا كل المطالب، ويجب استثمار ما حصل من أجل الحفاظ على زخم المقاومة.
ثانيًا: رغم تآمر السلطة وتيار محمود عباس على الإضراب وعلى مروان البرغوثي، فإن تيار البرغوثي والقواعد الشعبية لفتح المنخرطة بالانتفاضة، ما زالوا يحافظون على رابطهم بالحركة الأم والسلطة.
وهم بالتالي يتحملون مسؤولية قفز السلطة على إنجازاتهم والمتاجرة بها.
ثالثًا: قضايا الأسرى بحاجة لاستمرار المتابعة والدعم لأنها لم تنتهي بعد وما زال وضعهم حرجًا وصعبًا، وغدر الاحتلال وارد جدًا.
رابعًا: نحن أمام حالة تراكمية للمقاومة في الضفة الغربية، ويجب البناء عليها واستغلالها، رغم كل المعوقات والمثبطات.
هناك تعليق واحد:
إن كان من هو خارج فتح وخارج السلطة ما زال يعتبرها شرعية ويقابل رئيسها ومندوبيه من أجل المصالحة وغير ذلك، فكيف يمكن لمن هو في الحركة لأجل مبادئها التي نشأت عليها أن يتركها؟ فهي أيضا بالنسبة له مثل وطن لا يمكن أن يتخلى عنه لأن رئيسه يعبث به. بل قد يكون في فتح من انضم إليها لأن السلطة تعطي من يتحرك باسمها مساحة أكبر للحركة والتضامن والمواقف العلنية.
ولا أظن أن الأفراد يتحملون مسؤولية تقزيم السلطة لإنجازاتهم ومتاجرتها بها، كما لا تتحمل الحركة الأسيرة ولا حركات المقاومة مسؤولية تنصل الاحتلال المتكرر من اتفاقاته. فقدرة الحركات على تنظيم عمل جماعي متصاعد أصبحت محدودة مكانيا وزمانيا. وهذه الأخطاء إن كان سببها الضعف الناتج عن الانقسامات فعلاجها ليس المزيد منها، فهي إن تفشت بين القادة ونقلت عدوى الثأر والتخوين والتكفير إلى القواعد صارت هشة لا يمكن البناء عليها، فينبغي تنقية صفوف الشباب من رواسب الماضي لتزيد قابليتها للتماسك الداخلي والتراص في وجه العدو.
فكما كان في تدوينة فتاوى رمضانية تشجيع للمقاومين للالتزام بالصلاة والصوم، كان من الأفضل هنا تشجيعهم على ما يوحدهم، وأول ما يعين على ذلك استحضارهم نية تحرير الأرض ومقاومة الاحتلال عند التفكير في أي قرار وعند تنفيذه، مهما بدا الأمر بعيدا عن أشكال النضال المشهورة، وبغض النظر عن الحركة التي ينتمون إليها وعن وضعها الحالي. كما أن علينا ألا نعين الشيطان على إخوتنا المقاومين، حتى إن كانوا من خصومنا، فبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان. وتشجيع ظاهر الخير فيهم خير من إلجائهم للعناد وللتعصب على غير عادتهم لشخص محسوب عليهم أو مفروض عليهم، وللدفاع عن عمل كانوا ضده.
إرسال تعليق