تظاهرة في تعز تأييدًا لعملية عاصفة الحزم |
بعد أن دعم
النظامين السعودي والإماراتي علي عبد الله صالح في مواجهة الثورة اليمنية، والذي
تحالف بدوره مع الحوثيين (بموافقة خليجية) تأتي السعودية اليوم وتقود تحالفًا لضرب
الحوثيين ولدعم الشرعية اليمنية، فما الذي تغير؟ وهل هي صحوة إسلامية؟ وهل هنالك
علاقة للملك سلمان بهذا التغير؟
العملية الجوية
مخطط لها قبل وفاة الملك عبد الله
إن حجم الغارات
الجوية واتساعها وطبيعة الأهداف العسكرية المستهدفة، تشير إلى أن الحرب ليست وليدة
اللحظة، بل خطط لها منذ ثلاثة أشهر على أقل تقدير، أي قبل وفاة الملك عبد الله، فضلًا
عن أن العملية تمت بموافقة ومباركة أمريكية علنية وبدعم استخباراتي أمريكي.
كما أن موقف
السعودية من العراق وسوريا ما زال كما هو ولم يتغير؛ يدعم الحكومة الطائفية في
العراق ويتغاضى عن إجرام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين في سوريا، فضلًا عن عدم
وجود أي تغير تجاه القضية الفلسطينية أو حركة حماس.
لأجل كل ذلك لا
يمكن ولا يجوز أن نقع في وهم أن هنالك تغير أو بدايات تغيير في السياسة السعودية،
إذن ما الذي تغير حتى تقرر السعودية أن تتحرك وتقف بوجه التمدد الحوثي بعد أن كانت
تدعمه؟
ما الذي حصل في
اليمن؟
كان السماح
للحوثيين بالتمدد يهدف للقضاء على الثورة اليمنية، وإدخال الحوثيين في صراع طاحن
مع الإخوان المسلمين بما يستنزف الجانبين، وعلى هذا الأساس نشأ تحالف بينهم وبين
علي عبد الله صالح الذي سخر لهم كل إمكانيات الجيش الذي ما زال القسم الأكبر منه
مواليًا له.
إلا أن الحوثيين خرجوا عن السيطرة وعن
المسار الذي وضع لهم، وقام علي صالح بمجاراتهم واستمر بتقديم الدعم لهم، وليس من
الواضح من الذي يحرك الآخر (علي صالح أم الحوثيين) لكن الثابت أن التحالف بينهما
أصبح مصيريًا ولا مكان للخلاف بينهما في هذه المرحلة على الأقل.
واعتقد أنه منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين
بدأ النظام السعودي اتصالاته من أجل تشكيل التحالف، وبناء بنك الأهداف والتخطيط
للعملية لتكون جاهزة للتنفيذ في أي وقت، وما حسم أمر الهجوم هو غباء الحوثيون
وحرصهم على تصدر المشهد، وتنفيذهم مناورات عسكرية على الحدود مع السعودية وتهديد
الناطق باسمهم قبل أيام للسعودية، وبأنه سيسقط نظام آل سعود.
فالتهديد بإسقاط النظام هو خط أحمر لأي
نظام عربي ولن يسكت عليه، وهذا ما استشعره النظام السعودي من تمدد الحوثيين، وهذا الذي جعله ينقلب على الحوثيين وحليفهم علي عبد
الله صالح.
الحسم سيتم على الأرض وليس من السماء
وحسب ما نراه فعلى الأغلب سيقتصر الدور
السعودي والخليجي على القصف بالطائرات ولن يكون هنالك تدخل بري، إلا إذا عجزت
القوى المناهضة للحوثيين عن القيام بذلك، فوقتها ستكون هنالك حسابات أخرى.
ونؤكد هنا على أن الحسم الحقيقي سيتم على
الأرض وهو بيد القوى اليمنية المناهضة للحوثيين (الإخوان والسلفيين والحراك
الجنوبي والناصريين والحزب الاشتراكي)، ولولا صمودهم في مأرب وعدن ولحج، والمظاهرات
العنيفة في تعز، لتمكن الحوثيون من ابتلاع اليمن قبل أن يفكر السعوديون بالقيام
بأي عمل عسكري.
وهنا تتجلى عبقرية الإخوان المسلمين لأنه
لو عندنا إلى بدايات انقلاب الحوثيين حرصوا على أن تكون المواجهة بينهم وبين إخوان
اليمن حتى يستفردوا به، إلا أن الإخوان تعاملوا بذكاء، فانسحبوا من الواجهة وتركوا
غيرهم يتصدى للحوثيين.
والسعودية تدخلت بناء على طلب الرئيس هادي،
ولو كان الإخوان في المشهد لما تدخلت السعودية، ولتركت الإخوان والحوثيين يطحنون
بعضهم البعض.
وماذا بعد؟
بالتالي فما حصل ليس بداية لتحالف سني إسلامي
كما يروج الكثيرون، بل هو تدخل ليحمي النظام السعودي نفسه، بالإضافة إلى الإجماع
اليمني على رفض الحوثيين وانقلابهم، فلا نعطي الأمور أكبر من حجمها.
وتقاطع المصالح بين الثورات العربية
والحركات الإسلامية من جهة وبين الأنظمة الخليجية في وقف تمدد الحوثي وعلي صالح،
لا تعني تحالفًا ولا تعني أن هذه الأنظمة ستقدم هدية على طبق من ذهب للثورات
العربية.
فهذه الأنظمة ستستغل عملياتها في اليمن
إلى أقصى حد ممكن من أجل دعم الثورات المضادة، وهي تعمل على ذلك منذ وفاة الملك
عبد الله، عندما كان الإعلام السعودي يسرب إشاعات عن تغييرات مرتقبة في سياسة السعودية
مع قدوم الملك سلمان وتشكيل محور سني (تركي – سعودي – إخواني)، وإشاعات عن زيارة
قريبة لخالد مشعل إلى السعودية؛ وهي إشاعات كانت حماس تنفيها كل مرة لأنه لا مصلحة
لها بهذه الكذبة.
وحتى تكتمل التمثيلية سمعنا شائعات عن
إطلاق سراح الشيخ خالد الراشد، ورأينا الإعلام المصري الموجه يهاجم السعودية
(توزيع أدوار) لإقناعنا أنه بالفعل هنالك تغير بالسياسات، فلما جاءت لحظة الحرب
على الحوثيين كان الشارع العربي مهيأ لتصديق أكذوبة أن هنالك تغير في السياسة
السعودية وأنها زعيمة العالم السني.
وهكذا يحسّن النظام السعودي (وحلفاؤه) من
مظهرهم الإعلامي الذي تلطخ كثيرًا بسبب الانقلاب في مصر والحرب الإعلامية على
حماس، وسيستغلون ذلك من أجل تعزيز الثورات المضادة ومحاربة الإخوان المسلمين
والتيار الإسلامي عمومًا.
لذلك فإن كنا ندعم هذه الضربات ضد
الحوثيين ونعتبرها شرًا لا بد منه، فإنه لا يجوز تلميع النظام السعودي ولا الترويج
لأكذوبة المحور السني ولا أكذوبة أن هنالك تغيير في السياسة السعودية، كما يجب الاستعداد
منذ الآن للتصدي للموجة القادمة من الثورات المضادة، فهذه الأنظمة لم تنسَ ثأرها
مع شعوبها ولن تنساه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق