تناول الإعلامي المصري أحمد منصور قضية
انشقاق عبد المجيد ذنيبات عن إخوان الأردن، واستغلها كالعادة من أجل مهاجمة
الطريقة التي تدار بها الأمور داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكونه متحاملًا في
انتقاداته الموجهة للإخوان فقد خلط أمورًا كثيرة في مقاله سأحاول الرد عليها.
وقبل الرد أسجل اتفاقي معه على أمرين
أساسيين أوردهما في مقاله، وهما: أهمية المحاسبة داخل التنظيم وأن غيابها ستؤدي
إلى أخطاء وكوارث تتكرر، وضرورة إعادة النظر بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين
بشكل كامل.
أولًا: فيما
يتعلق بالنقد الداخلي والمحاسبة داخل جماعة الإخوان فرغم اتفاقي معه بضرورة
وجودهما وتفعيلهما بشكل أكبر مما هو موجود، إلا أني أرى الإخوان أفضل من غيرهم في
العالم العربي بكثير، سواء كأنظمة حاكمة أو أحزاب وجماعات يسارية وقومية وليبرالية
يحكمها محنطون بعضهم قادم من عصر الهكسوس والفراعنة، ولا ننسى الأحزاب السلفية
التي تقدس قيادتها وترفعها إلى مقام العصمة.
وكل ذلك لا يلغي ضرورة مراجعة الإخوان
أنفسهم والحاجة إلى مأسسة المحاسبة الداخلية، لكن كان من الضروري الإشارة إلى ذلك
حتى ندرك أن المشكلة هي مشكلة ثقافة مجتمع غير معتاد على العمل المؤسسي، فالتشخيص
الدقيق للمرض يقودنا إلى العلاج الصحيح.
وربما من أسباب تكرار انتخاب نفس الأشخاص
ونفس العجائز هو نظام الانتخاب داخل الإخوان المسلمين، والذي لا يجيز ترشح الشخص
بل الكل مرشح والكل ممنوع من عمل دعاية انتخابية، وبالتالي ستنتخب الوجوه
المألوفة، فمن الذي سينتخب مجهولًا؟ وكيف يتاح لشاب فرصة أن يتم انتخابه فيما نحن
نحرمه من التعريف بنفسه؟
ثانيًا: تبسيط
الأمور بشكل مخل والزعم بأن ظاهرة الذنيبات أو الخرباوي أو الهبلاوي هو اختراق
أمني، ناجم عن زرع المخابرات لأشخاص داخل الإخوان المسلمين، هو تشخيص غير علمي، ويغطي
على مشاكل كثيرة تعاني منها جماعة الإخوان بحجة أن كل المشاكل مردها إلى
الاختراقات.
المخابرات (والأنظمة) تخترق الجماعات
وتسقط الأفراد والقادة ليس من خلال زرعهم على فترات زمنية طويلة، إلا في حالة
نادرة جدًا، بل تقوم بإسقاط أفراد وقادة ناشطين و"نظيفين" من خلال سلسلة
ممارسات تعتمد على الترغيب والترهيب والترويض والتدجين.
فلحد فترة معينة يكون الشخص بعيدًا عن
الشبهات لأنه فعلًا ليس مشبوهًا، لكن بعدها يبدأ النظام بابتزازه؛ إن لم تهدئ
خطابك فسنسحب ترخيصك، وإن سمحت للفعالية الفلانية فمعناه أنك تريد تخريب البلد
(تلويح ضمني بالاعتقال)، ويوازي ذلك أساليب الترغيب عبر امتيازات شخصية، وهنالك التوجيه
عبر "لماذا لا تفعل كذا"، وهنالك تذليل العقبات أمام هذا الشخص من خلال
اعتقال "الصقور" (أي الأشخاص الذين استعصوا على التدجين) فيخلو الجو لهذا
المشبوه ثم تبدأ رحلة السقوط الحر.
ثالثًا: التلميح
أو التصريح بضرورة وجود جسم أمني يغربل جسم الإخوان المسلمين خطير، وبالأخص إن لم
يوضع له ضوابط، لأنه سيجر التنظيم إلى دوامة من التشكيك والتشكيك المضاد، وسيصبح
الخطأ العادي أو الاجتهاد الخاطئ محل شبهة بالعمالة، وستبدأ حرب تصفيات وتشكيك
وتخوين وانشقاقات وربما اقتتال.
القاعدة بتفريعاتها المختلفة وقعت في هذا
الفخ، والتراشق بالاتهامات بالتخوين والكفر أصبح مبدأها وديدنها فانحرفت عن مهمتها
التي نذرت نفسها لها (أي محاربة أمريكا)، وبدأت تخوض حرب تصفيات ضد منافسيها، وضد
بعضها البعض أيضًا (مثل: جبهة النصرة وداعش في سوريا، و الصراع الداخلي في حركة
الشباب المجاهد في الصومال).
ولحركة حماس تجربة سيئة في هذا المجال وهو
جهازها الأمني بين أسراها في سجني مجدو والنقب عامي 1995م و1996م، عندما تغول هذا
الجهاز الأمني بحجة البحث عن عملاء بين الأسرى، واتهم الكثيرون ظلمًا وعذبوا على
أيدي زملائهم الأسرى، وتركت ندوبًا نفسيًا لدى المئات، والآثار السلبية لتلك
المرحلة ما زالت حتى اليوم.
لقد وصلت الأمور بأن يصبح الأسير الذي يحمل
منشفته على كتفه بطريقة معينة موضع شك بأنه يرسل رسالة مشفرة إلى السجان، ووقتها قامت
قيادة الحركة بحل الجهاز الأمني، وعندما عادت وشكلته قيدته ومنعته من التدخل بكل
كبيرة وصغيرة.
من أكبر الخطايا
أن نسمي الفشل أو القرار الخاطئ أو حتى اتباع الهوى أو الانتصار للنفس بأنه عمالة
واختراق، لأن هذا سيدخلنا في دوامة لا تنتهي، فضلًا عن أنه لا يعالج الخطأ
الحقيقي.
ومشاكل الإخوان
في مصر وغيرها من الدول العربية لها أسباب عديدة وكثيرة، منها ما هو في بنية الجماعة
ومنها ما هو قادم من ثقافة المنتمين للجماعة، ومنها ما مصدره من أشخاص بعينهم،
ومنها ما هو بسبب خضوم الجماعة ومنافسيها وضيق أفقهم، فلا يجوز أن نبسط الأمور ونعلقها
على شماعة العمالة.
رابعًا: أما كلامه عن التنظيم الدولي ففيه مغالطات، فالتنظيم
نشأ في الثمانينات ليكون جسمًا ممثلًا للجماعة وفق مفاهيم معينة، وذلك لأن الجماعة
عندما أسست جاءت ردًا على إلغاء الخلافة الإسلامية، وبما أن حسن البنا ورفاقه
كانوا واقعيين لم يعلنوا عن قيام خلافة بديلة، بل أسموا أنفسهم جماعة لكن في عقلهم
الباطن هذه الجماعة ستكون نواة الخلافة.
ومن هنا جاءت
بيعة المرشد، وبما أن الخلافة تشمل جميع المسلمين، فكان من الضروري أن يتبع كل
فروع الإخوان هذا المرشد، لكن مع مرور السنين اكتشف الإخوان أن التبعية لا يمكن أن
تكون فعلية بسبب الملاحقات الأمنية وصعوبة التواصل وانعدام وسائل السيطرة والتحكم.
جاء التنظيم
الدولي للإخوان في محاولة لحل هذه المعضلة، ليكون بمثابة قيادة عليا للإخوان، لكنه
وقع بنفس المشكلة وهي مشكلة الملاحقة الأمنية وضعف منظومة السيطرة والتحكم، فتركت
الجماعة لكل فرع أن يدير شؤونه من باب أن أهل مكة أدرى بشعابها، وهكذا تحول
التنظيم الدولي إلى مجرد تنسيقية بين فروع الإخوان المسلمين.
ومن تناقضات أحمد
منصور كلامه عن خطورة اختراق التنظيم الدولي والحصول على معلومات هامة وفي نفس
الوقت يؤكد على أنه لا وظيفة حقيقية للتنظيم، إذن على ماذا كانوا يتجسسون؟
برأيي أن التنظيم
الدولي يجب أن يعلن رسميًا عن انتهائه من الوجود، وإنشاء بدلًا عنه جسمًا تنسيقيًا
بين الإخوان، منظمة تجمع ممثلين من الإخوان ليتناقشوا وينسقوا المواقف العامة فيما
بينهم، بدون الشكليات والمسميات التنظيمية الفارغة التي لا يمكن تطبيقها في ظل
الظرف الحالي.
في الختام: تصحيح أخطاء الإخوان المسلمين واجب، لكن عندما يخلط
الحابل بالنابل، وعندما يكون التشخيص خاطئًا فسيعاد ارتكاب نفس الأخطاء، وأذكر هنا
عندما أطيحت بأنظمة عربية بعد هزيمة عام 1948م بحجة العمالة والخيانة جاء من بعدها
وكرر نفس الأخطاء، ذلك لأن الهزيمة كانت أسبابها أكثر من مجرد خيانات ولم تعالج
تلك الأسباب إلى يومنا هذا، لكننا ما نزال نتراشق الاتهامات بالعمالة، بمناسبة
وبدون مناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق