الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

محاربة تصريح بلفور والانتقال من الأقوال إلى الأفعال


  
يعتبر تصريح بلفور نقطة مفصلية أنطلق منها المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، والتصريح نفسه لم يكن له قيمة لولا أن الصهاينة عملوا على ترجمته إلى أفعال ووقائع على الأرض.

وفي الوقت الذي نشهد تفاعلًا كبيرًا مع الذكرى المئوية لتصريح بلفور، فمن الضروري التأكيد على أنه ما لم تترجم أقوالنا إلى أفعال، فلا فائدة ترجى من هذه الفعاليات.

لهذا يجب استغلال التفاعل الشعبي مع الذكرى، من أجل تحويله إلى عمل ميداني يؤثر ويساهم في مشروع تحرير فلسطين.

ومشروع تحرير فلسطين ليس عملية محدودة تنتهي في أيام أو أسابيع، بل هو عمل تراكمي يمتد لسنوات طويلة، ويحتاج لتظافر كافة أشكال النضال والكفاح والمقاومة؛ المسلحة والسلمية والمالية والسياسية والإعلامية والاجتماعية.

واستطاعت المقاومة الفلسطينية تحقيق إنجازات ملموسة منذ الانتفاضة الأولى حتى انتفاضة القدس، مرورًا بانتفاضة الأقصى وحروب غزة الثلاثة، ووضعت كوابح للمشروع الصهيوني، لكن قلة الإمكانيات جعلت هذه الإنجازات محدودة.

وهذا يفرض علينا التفكير بآفاق جديدة لمقاومة الاحتلال، حتى لا نبقى أسرى لأشكال معينة من المقاومة (رغم أهميتها)، وإن كان الوضع العربي العام لا يسمح اليوم بالكثير من أشكال المقاومة، إلا أن هنالك أبوابًا بالإمكان طرقها.

سأبدأ طارحًا بعض المشاريع التي يمكن البدء بها فورًا، ويمكن أن تشكل تراكمات هامة على طريق مشروع تحرير فلسطين، وبالتأكيد هي لا تلبي كل ما نحتاجه وهنالك مجالات أخرى يمكن العمل فيها.


لكن أطرحها حتى لا نبقى في دوامة الكلام، آملًا أن تكون بدايةً لنقاش حقيقي من أجل مشاريع تهدف لمحاربة تصريح بلفور بالأفعال وليس فقط بالأقوال.

المشروع الأول: المطالبة بحق العودة

وذلك من خلال المحاكم والمحافل الدولية، فطرد الإنسان من وطنه هي جريمة متفق عليها في كافة القوانين والشرائع.

ورغم أن الاحتلال لن يستجيب لقرارات المحاكم؛ فقد رفض تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بخصوص جدار الفصل العنصري، بل رفض تنفيذ قرارات المحاكم الصهيونية نفسها مثل قرار المحكمة العليا الصهيونية بعودة مهجري قريتي أقرث وكفر برعم، أو إعادة مستوطنة حومش (السابقة) إلى أهالي قرية برقة.

إلا أن هذا المشروع يحقق أهدافًا هامة، فمن ناحية إعلامية يبرز الوجه القبيح والعنصري للمشروع الصهيوني، الذي يرفض عودة اللاجئين الفلسطينيين من أجل "الحفاظ على النقاء العرقي لدولة إسرائيل".

ومن ناحية أخرى يشعر اللاجئين الفلسطينيين أن هنالك إمكانية للعمل الفعلي من أجل العودة لفلسطين، لأنه بعد سبعين عامًا من النكبة أصبح هنالك نوع من التسليم بالأمر الواقع وأنه لا أمل بالعودة لفلسطين، فنحن بحاجة لنشاط عملي يجدد الأمل في صفوف اللاجئين ويعطيهم دافعية للتحرك من أجل العودة لفلسطين.

كما أنه يؤسس لأي عمل مستقبلي من أجل محاسبة الكيان الصهيوني وممارسة ضغوط حقيقية عليه لإجباره على إعادة حقوق الشعب الفلسطيني.

المشروع الثاني: ممارسة حق العودة

هنالك أكثر من ربع مليون لاجئ فلسطيني يعيشون داخل الكيان الصهيوني، ويمنعهم الاحتلال من العودة لقراهم التي هجروا منها.

يقوم المشروع على عودتهم إلى قراهم والبناء فيها من أجل ممارسة حق العودة، وعدم الاكتفاء بالزيارة والبكاء على الأطلال.

وكان للحركة الإسلامية مجهود في إعادة إعمار عدد من مساجد القرى المهجرة، لكن الفكرة هنا تتعدى المساجد إلى المنازل والممتلكات.

وسلطات الاحتلال لن تسكت بطبيعة الحال لكنها تفتح جبهة للنضال الشعبي واستنزاف للمشروع الصهيوني.
ففي الوقت الذي يعمل الصهاينة على تدمير قرى فلسطينية قائمة بدعوى عدم الترخيص، فلنعد بناء القرى المهجرة لكي نشغلهم ونشتت جهودهم.

المشروع الثالث: مشاريع العودة إلى الضفة الغربية وغزة

سعى الصهاينة إلى إيجاد بيئة طاردة للمواطنين من الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر الحصار والحواجز والاقتصاد التابع والمشوه، وهنالك عشرات الآلاف (إن لم يكن مئات الآلاف) من الفلسطينيين الذين اضطروا للاغتراب، رغم حملهم لبطاقات الهوية التي تمنحهم الإمكانية للسكن في الضفة والقطاع.

وأنجب هؤلاء المغتربون الأولاد والأحفاد فأصبح لدينا الجيل الثاني والثالث من الاغتراب، وهذا شكل من أشكال التهجير غير المباشر.
هنالك العديد من المشاريع التي يمكن تنفيذها لتشجيع هؤلاء المغتربين من أجل العودة وتعزيز الوجود الفلسطيني.
من الأمثلة على ذلك: تقديم منح دراسية لأبناء الجيل الثاني والثالث من المغتربين للدراسة في جامعات الضفة وغزة، فمن ناحية نشجعهم للعودة إلى فلسطين، ومن ناحية أخرى يمثل هذا دعمًا ماديًا لهذه الجامعات.

أو تشجيع أصحاب الكفاءات للذهاب والعمل في الضفة والقطاع، وبما أن سوق العمل غير مشجع، تدفع لهم رواتب من خلال مشروع ترعاه جهات مانحة.

أو تشجيع أصحاب رؤوس الأموال المغتربين من أجل افتتاح مشاريع في الضفة والقطاع، فيكون جزء من رأس المال منهم، وجزء آخر من جهة مانحة.

المشروع الرابع: لوبيات لمقاطعة الكيان الصهيوني

مثلما استطاع اللوبي الفلسطيني العربي إفشال القمة الإفريقية الصهيونية، يمكن تشكيل لوبيات في كل دولة من أجل التأثير على صانعي القرار ودفعهم لمقاطعة الكيان الصهيوني، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

المشروع الخامس: مشاريع تعزز الاعتماد على الذات

رأينا كيف استخدم الاحتلال الكهرباء وسيلة للضغط على قطاع غزة، وسعى لتركيع المقاومة من خلالها.

نريد مشاريع تعزز اعتماد الناس على أنفسهم وعدم الارتهان للاحتلال، مثل تشجيع استخدام الطاقة الشمسية التي توفر استقلالًا بالكهرباء، أو تشجيع الشبان على العمل في مجال الزراعة وإحياء الأراضي البور.

في الختام:


يجب استغلال الزخم الجماهيري في الذكرى المئوية لتصريح بلفور من أجل إطلاق مشاريع متعددة، تترجم هذا الرفض والغضب من أقوال إلى أفعال، ولا شك هنالك الكثير من الاقتراحات والمشاريع غير ما ذكرته أعلاه، لكنها محاولة متواضعة من أجل تحريك المياه الراكدة والانتقال من الكلام إلى الأفعال.

ليست هناك تعليقات: