بالرغم من وقوف السلطة الفلسطينية رسمياً على الحياد بما يخص الثورات العربية إلا أن المزاج العام في أروقة السلطة وبين قسم كبير من مؤيديها هو التشكيك بالثورات العربية وبأهدافها وجدواها، وهو ما نلمسه في أحاديثهم الخاصة أو تعليقاتهم في المنتديات وصفحات الفيسبوك أو على المواقع التابعة لحركة فتح، وأحياناً نستشعرها بالتلميحات المبطنة لمسؤولي حركة فتح والسلطة.
إلا أن موقف فتح وإعلامها ومؤيديها من الثورة السورية يختلف اختلافاً جوهرياً، فهو داعم وبكل شدة للثورة، ويراها الموقعة الفاصلة بين الحق والباطل، ولا يتوانى القوم عن الغمز واللمز من موقف حماس المحايد بما يخص سوريا بل ويتهمون حماس بالانحياز إلى جانب النظام السوري.
والموقف الفتحاوي من الثورة السورية لا ينطلق من مبادئ أو ثوابت ولا حباً بالشعب السوري، ليس فقط بسبب موقفه المناقض تجاه الثورات العربية الأخرى، بل أيضاً لأن السلطة الفلسطينية وفتح يرتكبون نفس أخطاء النظام السوري ويكررون نفس الممارسات التي أدت لثورة الشعب السوري ضد نظام البعث.
ويبدو أن السلطة الفلسطينية تعيش وهم أن الثورة السورية ما هي إلا تصفية حسابات مع "محور الممانعة والمقاومة"، متجاهلة أن الشعب السوري لم ينتفض ضد المقاومة، ومتجاهلة أن النظام السوري سبق وأن أخطأ نفس خطأها عندما اعتبر الثورة المصرية نصراً لمحور المقاومة وبالتالي ظن نفسه محصناً تجاه أي انتفاضة شعبية.
وقد سبق وأن حذرت من وهم أن الثورات تحصل فقط في دول الاعتدال (بعيد سقوط نظام مبارك)، وأن تبني خيار المقاومة لا يشكل حصانة لأي نظام، واليوم من الضروري التنبيه بأن اعتقاد السلطة أن الغطاء الصهيوني والأمريكي يحميها من أي ردة فعل شعبية هو وهم آخر يجب أن تتخلص منه قبل أن يفوت الأوان.
وبدلاً من تخلص السلطة من الممارسات التي كانت سبباً في انتفاضة الشعب السوري، نجدها تتقرب في مسلكياتها من النظام السوري أكثر وأكثر، وإن كان الشعب السوري يتندر من عدد الأجهزة الأمنية السورية والتي يصل عددها كما يقولون بضع وثلاثون جهازاً، فالسلطة تمتلك أعداداً كبيرة أيضاً من الأجهزة الأمنية (المخابرات العامة، والأمن الوقائي، والاستخبارات العسكرية، وأمن الرئاسة، والأمن الوطني، وقوات حفظ النظام والتدخل السريع، والشرطة السياحية، والشرطة البحرية، والشرطة العسكرية، الخ.)
وإن كان السوريون يعتبرون مشاركة المخابرات الجوية في قمع المتظاهرين من العجائب، فيبدو أنهم لم يسمعوا بمشاركة الشرطة البحرية بقمع مظاهرات طلابية في جامعة النجاح بمدينة نابلس عام 1997م (مدينة نابلس الجبلية تبعد عن البحر مسافة ستين كيلومتر تقريباً). ومثلما الحال في سوريا من حيث ارتباط العمل والوظيفة بالانتماء إلى حزب البعث، فنجد نفس العلاقة بين حركة فتح والعمل في الضفة الغربية.
إلا أن التشابه الأكثر خطورة هو في مدى تدخل الأجهزة الأمنية بحياة الناس اليومية، وطريقة ملاحقتهم في معيشتهم وحياتهم وأفكارهم، فكما أن افتتاح دكان لبيع الفلافل في سوريا يحتاج لموافقة الأجهزة الأمنية، فنجد قائمة المهن والوظائف التي تحتاج لموافقة الأجهزة الأمنية في الضفة (أو ما يعرف بحسن السير والسلوك) تزداد يوماً بعد يوم، فوصلت إلى المهن الحرة مثل رخص قيادة المركبات العمومية، أو محلات تصريف العملة والتي تخضع لرقابة شديدة لكل فلس يخرج ويدخل إليها.
ومصادرة أملاك المعارضين السياسيين هي ممارسة أخرى تعلمتها الأجهزة الأمنية في الضفة من نظيرتها السورية، بل وتتوسع يوماً بعد يوم باستخدامها، حيث تجبر المعتقلين السياسيين على التنازل عن ما يملكونه من أموال خاصة، وذلك تحت شبهة أنه ربما استخدمت أو ستستخدم في دعم حماس أو أي من نشاطاتها المختلفة، وتستخدم كافة أساليب الترهيب والترغيب وأكثرها شيوعاً احتجاز الشخص لدى أحد الأجهزة وعدم الإفراج عنه حتى يتنازل عن آخر مليم من ما يملكه.
أتذكرون طل الملوحي الفتاة السورية التي سجنها النظام لمدة خمس سنوات وهي لم تتجاوز الـ19 عاماً بسبب كتاباتها على الانترنت؟ ووجهت لها تهمة الاتصال مع جهات خارجية (يبدو أن الانترنت للنظام السوري يعني جهات خارجية). حسناً يوجد اليوم لها نظير فلسطيني، الفتى عبد العزيز مرعي (17 عاماً) والذي اعتقلته المخابرات العامة وسيقدم للمحاكمة الشهر القادم بتهم شتم وتحقير السلطة، بسبب كتابات له على صفحته بالفيسبوك ومشاركاته بمواقع إلكترونية مختلفة. لاحظوا نفس النسق: أشخاص في المرحلة الانتقالية بين المراهقة والشباب يقدمون للمحاكمة بسبب كتابات لهم على الانترنت.
مجدولين حسونة صحفية من بيت أمرين نابلس، يلاحقها جهاز الأمن الوقائي منذ أكثر من أسبوع، وقدم لها استدعاء للحضور إلى مقره حيث رفضت الحضور، فقام باعتقال شقيقيها لعدة أيام كوسيلة ضغط عليها (وسابقاً اعتقل زوج الكاتبة لمى خاطر للضغط عليها)؛ مثل هذه الممارسات لا نراها إلا في الدول التي تحكمها عصابات مثل سوريا.
جريمة مجدولين أنها قامت بتصوير اعتصام لأهالي المعتقلين السياسيين في نابلس، وهو عمل طبيعي كونها صحفية وهذه مهنتها، لكن يبدو أن الأمن الوقائي اشتبه أنها حمساوية كونها قامت بالتغطية الإعلامية لهكذا حدث، مع أنها ليست مقربة من حماس ولا حتى محجبة (معلومات يجب تأكيدها في هذا المقام لأن كلمة حمساوي في الضفة الغربية كفيلة بتجريدك من إنسانيتك وتحويلك لمواطن من الدرجة العاشرة). لو أنها كانت تعيش في سوريا لخرجت علينا الفضائية السورية بصور لنقاب وجدته الأجهزة الأمنية في بيتها، كانت تلبسه بصورة سرية كونها سلفية مندسة تعمل بغطاء صحفي.
في سوريا يعتبر تغطية جرائم النظام عملاً مشبوهاً لا يقوم به إلا المندسون أصحاب الأجندات، فقام أنصار النظام بمهاجمة منزل المذيعة بقناة الجزيرة رولا إبراهيم، وفي الضفة فتغطية جرائم السلطة عمل مشبوه لا يقوم به إلا الإنقلابيون الظلاميون.
وأخيراً بينما يمارس النظام السوري جرائمه على الأرض بنفس الوقت الذي يعلن فيه عن إصلاحات ومبادرات، يتقمص تلامذته "سلطة محمود عباس" الدور بإتقان، ففي نفس اليوم الذي اتفقت عليه فتح وحماس على إفراغ سجون الضفة وغزة من المعتقلين السياسيين شن جهاز الأمن الوقائي حملة اعتقالات في الخليل ومناطق مختلفة من الضفة.
لكن يبدو أن محمود عباس يصر على العيش في عالمٍ آخر، فهو لا يرى سلطته وهي تزداد قرباً بتصرفاتها من تصرفات النظام السوري، وهو لم يتعلم بكل تأكيد من أخطاء غيره ويصر على أن الكيان الصهيوني يمثل ضمانة له ولسلطته وبالتالي لا يضيره لو استمر وصعد من ممارساته بالضفة الغربية.
في سوريا يسمون الذراع الهمجية للنظام بالشبيحة وفي فلسطين يسموهم بالزعران، والمسميات فقط تختلف أما الجوهر فهو نفسه، والمصير سيكون نفسه بإذن الله، الفروقات بين تونس ومصر وسوريا وليبيا وفلسطين فقط في التفاصيل، أما الجوهر فهو واحد.
هناك 5 تعليقات:
يعطيك العافية
شكلك الك قرن مش سامع اخبار من فلسطين
بنصحك قبل ما تكتب مرة اخرى ان تراجع وتستمع الى ما يحلو لك من الاذاعات لانه الي بتحكي فيه لم يعد موجود منذ زمن ( يعني من اكثر من عشرين عام ) وبحكيلك بس تصحى من سباتك صباح الخير
ولم ننسى ضرب مراسل الجزيرة وائل شيوخي بالخليل بتغطيته مسيرة ضد السلطة
لكن للأسف الشديد أن في سوريا الشعب انتفض على القمع البوم فمتى سينتفض ععلى السلطة
لكن أبو مازن يركن أنه عندما يثور الشعب سيتنازل لإسرائيل أكتر فتحميه وتفتعل أنه مسلحين بالضفة ويمكن تدخل الدبابات والجيش كما بسوريا ان لم تنفع عصابات الزعران
محمد حليم أنا ذكرت واقعتين حصلت قبل أسبوعين وليس قبل عشرين عاماً.
ربما الشيء الوحيد الذي تغير بالأجهزة الأمنية هو أنها أصبحت أكثر احترافاً، أما احترام حقوق الناس وأما خدمة أجندات وطنية فهذه ما زالت بعيدة للغاية عنها.
أخي عمر سوريا ترزح تحت حكم البعث وال الاسد لأكثر من اربعين عاماً، احتاجها الشعب السوري حتى يكسر حاجز الخوف.
أعط أهل الضفة فرصة. :)
أخي ياسين لا تنسى أن الشعب السوري كان له انتفضته أواخرلسبعينياي
اسرائيل لا يمكن أن تضحي بالضفة كما كان بغزة عام 2007 يعني لا أحد يتوقع عدم تدخل اليهود لأنها أهم بكثير من غزة وحتى أكتر من العديد من مناطق 48
نقطة هامة جدا جدا أن ال40 عاما تختصر اليوم بسنوات قليلة مع الوسائل الحديثة خذ مثال أن مجزرة حماه لم تخرج منها الا أقل من 10 صور أما اليوم لا يوجد حادثة قتل الا تصور وتفضح النظام
عموما الشعب الفلسطيني معروف تاريخه وسيأتي اليوم الذي أحسد أهل الضفة على شجاعتهم وبسالتهم
إرسال تعليق