الأربعاء، 31 أغسطس 2011

العلاقة بين ثوار ليبيا والكيان الصهيوني

ظهرت على هامش الثورات العربية طبقة طفيلية هامشية تحاول نسب نفسها إلى الثوار وفي المقابل تستمد قوتها من أمريكا والغرب، وتتحفنا هذه الطفيليات بين الحين والآخر بتصريحات مستفزة تسيء للثورات العربية وتخدم بامتياز الثورة المضادة.

وأغلب هؤلاء الطفيليات من "القدرية والجبرية الجدد" الذين يؤمنون بأن قدرنا مرهون بمشيئة أمريكا لأن "الله لا يشاء إلا أن تشاء أمريكا" (تعالى الله عن ما يظنون)، وأفضل طريقة للتقرب والتزلف "للإلهة الأمريكية" يتم من خلال إرضاء الكيان الصهيوني.

وكانت صحيفة هآرتس الصهيونية أجرت مقابلة مع أحد هذه الطفيليات المدعو أحمد شباني والذي عرفته الصحيفة بأنه الناطق باسم المعارضة الليبية، حيث تعهد بوقف تهريب السلاح إلى غزة وأنه يؤيد فكرة الدولتين الفلسطينية والصهيونية، وغير ذلك من الهراء الذي يقال من أجل استرضاء الصهاينة والغرب.

وقبل أن نكمل أريد الرد على من يحسن جلد الذات ويعلل هذه المواقف المخزية أنها ردة فعل على تخلي العرب عنهم والقرارات الخاطئة التي أتخذتها قيادات الشعب الفلسطيني، فمن الواضح أن الثورة الليبية تمتعت بدعم عربي غير مسبوق، فيما وقف الشعب الفلسطيني بكل ثقله وراء الثورة الليبية وبشكل غير مسبوق، فرأينا مثلاً حركة حماس في الأيام الأولى للثورة الليبية تصدر بياناً يدين إجرام نظام القذافي في سابقة لم تتكرر قبلها ولا بعدها.

فلم نجد سوى تعاطف خجول مع القذافي من جانب التيار الدحلاني في حركة فتح، ويا "للمصادفة" كان كل من محمد دحلان وصديقه محمد رشيد حلقة الوصل بين القذافي والكيان الصهيوني، حيث اعترف محمد رشيد أنه عمل مستشاراً إعلامياً لسيف القذافي وأنه توسط من أجل إطلاق سراح صهيوني اعتقل في ليبيا قبل عدة شهور. وهذا غير مستغرب من رجلين يشاطران أحمد شباني عقيدة "أملي أن ترضى إسرائيل عني".

بالتالي يجب فهم هذه المواقف في إطارها الصحيح وهو أنها نابعة من فهم مختل للدنيا، وأن أصحابها يسيرون على درب السادات ومبارك وزين العابدين في إلغاء كل المبادئ والمصالح الوطنية، وربط مصيرنا بما يرضي أمريكا والكيان الصهيوني.

وإن كنت متيقناً أن مثل هذه الحالات هي حالات شاذة تعيش حالة طفيلية على هامش الثورة الليبية، إلا أنه من الضروري أن يكون للمجلس الوطني الانتقالي موقف واضح منه، فعلى الأقل مطلوب صدور بيان أنه لا يمثل سوى نفسه ولا يمثل ثوار ليبيا. وذلك لأسباب مهمة:

أولاً، يحرص الصهاينة على التقاط مثل هذه التصريحات لأنها تعوض شعورهم بالنقص كونهم كيان غير شرعي ومنبوذ، ويستخدمونها في حربهم النفسية حتى لو كانت مواقف صادرة عن نكرات أو حتى عن طريق خدع سخيفة، مثل قيام مراسل يديعوت بزيارة طرابلس باستخدام جواز سفر أوروبي وتنقله في ليبيا بالاسم الأوروبي دون أن يجرؤ على القول بأنه صهيوني، وبعد ذلك تأتي يديعوت لتتباهى بالاستقبال الحار الذي تلقاه مراسلها في ليبيا.

ثانياً، صدور هذه المزاعم والتصريحات في الوقت الذي كان الصهاينة أحد الجهات القليلة التي تمد معمر القذافي بالسلاح والمشورة في أيامه الأخيرة، ترسل رسالة خاطئة بأن ثوار ليبيا مدينون للغرب ويريدون تسديد الدين من خلال هذه المواقف. يجب أن يكون واضحاً للجميع أن أهل ليبيا لا يدينون لأحد بأي شيء، وإذا كان الغرب دعم الثورة الليبية حتى يتقي غضب الشعب الليبي بسبب مواقفه الداعمة للقذافي فيما مضى، فأكثر شيء يمكن أن يطلبه هو فتح صفحة جديدة مع علاقات متساوية بين الطرفين بدون إملاءات ولا هيمنة.

ثالثاً، هذه التصريحات، ومن قبلها زيارة الفيلسوف الفرنسي برنار ليفي لبنغازي تغذي نظرية المؤامرة التي تنشرها الثورة المضادة في العالم العربي، والتي تقول بأن الثورات هي صنيعة الموساد وتستدل بمثل تصريحات شباني وتقارير يديعوت وتصريحات أحد المتسلقين على الثورة السورية بأنه ستفتح سفارة للكيان بدمشق.

وهذه أخطر نقطة لأن هنالك ثورات عربية الآن تواجه أنظمة عاتية ومثل هذه التصريحات تخدم الأنظمة ولا تخدم الثورات، وأضعف الإيمان يقتضي نفي التصريحات، صحيح أن نظرية "ليفي محرك الثورات العربية" هي نظرية ساذجة وسخيفة لكن يوجد الكثير من السذج تنطلي عليهم، هذه حرب إعلامية وكل كلمة محسوبة علينا.

رابعاً، مروجي التطبيع والتبعية للكيان الصهيوني يستدلون بمثل هذه التصريحات لتبرير ما يقومون به، فسمعنا قبل أيام رئيس جنوب السودان سيلفا كير يقول أن سيفتح سفارة لدولته في الكيان الصهيوني اقتداءً بالدول العربية التي تمتلك علاقات ديبلوماسية مع الكيان.

خامساً، من يدعو لتقديم الهبات المجانية إلى الكيان الصهيوني لكي يرضي أمريكا بدون أي اعتبار لأي شيء آخر، يعاني من مرض خطير سبق وأن دمر الأمة وجعلها إقطاعيات بائسة تدور في فلك أمريكا وتسبح بحمدها ليل نهار، وهو مرض معدي ويتسلل بأشكال وألوان مختلفة؛ لذا يجب قطع دابر هذا المرض بنبذ المصابين به وعزلهم حتى لا يزينوا مواقفهم بمبررات وحجج واهية.

ليست هناك تعليقات: