تردد كثيرًا القول بأن أردوغان باع حلب وسلمها للروس مقابل مصالح اقتصادية، والبعض قال أنه بادلها بمدينة الباب، وغير ذلك من التخمينات، فما مدى صحتها؟ وهل خان أردوغان الثورة السورية حقًا؟
وبعض التحليلات والأقاويل فيها شطحات لا يمكن أخذها بشكل جدي، مثل الذي إن رأى تقدمًا لقوات الثوار يقول "أردوغان وروسيا اتفقوا على هذا التقدم من أجل إبرام اتفاقية سلام"، وإذا رأى تراجعًا قال "أردوغان أمرهم بالتراجع".
أردوغان لا يستطيع أن يقول للثوار انسحبوا من حلب أو من هنا أو هناك، فالأمور ليست بهذه البساطة والسطحية.
ما يجب إدراكه أن هنالك فارق كبير في التسليح بين الثوار وبين النظام المدعوم من روسيا وإيران، كما أن المشاكل والصراعات الداخلية قد أضعفت الثوار فوق ضعفهم.
وعندما يحقق الثوار تقدمًا مثل الذي أحرزوه عندما فكوا الحصار عن حلب لبضعة أيام، فكان بفضل عامل المفاجئة وحشدهم كل قوتهم الممكنة، لكن ما أن استدرك الروس والنظام الأمر اضطروا للتراجع.
سقوط حلب هو نتيجة قتال لمدة أربع سنوات في ظل موازين مختلة لصالح النظام، وليس لأن أردوغان أمرهم بالخروج، فعندما يملك النظام كل هذا القدر من الذخيرة والطائرات والأسلحة الثقيلة فمن الطبيعي أن يحتل حلب، وغير الطبيعي هو تأخره كل هذه الفترة؛ وهي نقطة لصالح الثوارة والثورة.
أما من يزعم بأن الثوار أخرجوا مقاتليهم من حلب لكي يحاربوا بجانب تركيا في عملية درع الفرات ضد داعش في مدينة الباب، فهذا الزعم يدل على جهل مركب.
فعندما بدأت تركيا عملية درع الفرات كانت حلب محاصرة فكيف سيخرج المقاتلون من المدينة والذهاب إلى تركيا؟
ومن الناحية الأخرى فقوات الثوار (درع الفرات) التي تحارب داعش في شمال حلب، ابتداءً من جرابلس والراعي وانتهاء في الباب، لا يوجد أي تواصل جغرافي بينها وبين مناطق النظام الأسدي.
والذي يفصل بينها وبين النظام هي قوات تنظيم داعش، والذي يفصل بين قوات درع الفرات وقوات النظام التي تحاصر حلب هي مدينة الباب التي تسيطر عليها داعش، وهنا السؤال الذي يجب أن يسأل لماذا لم تهاجم داعش قوات النظام التي تحاصر حلب منذ أن سيطرت على الباب قبل ثلاث سنوات؟
لذا من الطبيعي أن تسعى قوات درع الفرات إلى طرد داعش من الباب حتى تستطيع مهاجمة قوات النظام التي تحاصر حلب، وحتى نكون واقعيين فالجيش التركي لن يساعد قوات درع الفرات بمهاجة قوات النظام، وإنما سيكتفي بمساعدتها في محاربة داعش.
ومن نافلة القول أن الوقت قد فات لهذا المخطط بعد أن سقطت حلب، وخاصة أن قوات درع الفرات ما زالت تقاتل في الباب لطرد داعش ولم تسيطر بشكل تام على المنطقة، ولهذا السبب كان الروس والنظام متعجلين في احتلال حلب، لأنهم لو تأخروا شهرين أو ثلاثة فوقتها ما كان بإمكانهم احتلال المدينة.
والسؤال الجوهري هو لماذا لم يساعد أردوغان الثوار في معاركهم ضد النظام، واكتفى بمساعدتهم ضد داعش؟ وهل هذه أجندة أمريكية أم مصلحة للثوار أم مصلحة لأردوغان؟
أولًا: تركيا والسعودية وغيرهما مقيدون بالسقف الأمريكي، وأمريكا لا تريد تقديم دعم حقيقي للثوار لأنها ببساطة لا تراهم بديلًا مناسبًا لبشار الأسد، وبالتالي ما تستطيع تركيا تقديمه للثوار محدود ومقيد بشكل كبير.
ثانيًا: محاربة داعش وإخراجها من الباب هي حاجة للثورة السورية، بالإضافة إلى أنها حاجة تركية، فتنظيم داعش لا يهاجم في منطقة حلب إلا الثوار فيما سمح للنظام بمحاصرة حلب.
وقوات درع الفرات لكي تدعم المحاصرين في حلب كان يجب أن تتجاوز مناطق داعش، وتركيا قدمت لها المساعدة فأفادت واستفادت.
ولم يكن دخول هذه العملية ممكنًا بدون ضوء أخضر من أمريكا، والتي قبلت بها على مضض.
ثالثًا: يلوم البعض على أردوغان أنه رفع سقف التوقعات بتصريحاته النارية، وخطوطه الحمراء التي انتهكت الواحدة تلو الأخرى، لكن اللوم متبادل فمن راهن على أردوغان كان يجب أن يدرك محدودية قدراته.
رابعًا: أردوغان ارتكب أخطاءً أساء فيها التقدير، فهو كان يتغاضى عن داعش ويدعم (مع قطر) جبهة النصرة، وحاولوا أن يقايضوا الغرب: "اقضوا على بشار حتى تزول أسباب وجود داعش"، ولم يستوعب أردوغان أن الغرب غير معني بالقضاء على داعش، وأنه يفضل بقاء داعش على دعم فصائل الثورة السورية.
خامسًا: كما أن فصائل الثوار أخطأوا عندما لم يروا محاربة داعش أولوية، وتركوها تغدر بهم من الخلف وهم يحاربون الأسد، وكانوا مع أردوغان في المطالبة بإزاحة بشار الأسد أولًا، فلم يحققوا مطلبهم وفي نفس الوقت تضاعفت قوة داعش وأصبحت كابوسًا يؤرقهم ويؤرق تركيا.
سادسًا: في رأيي جاءت درع الفرات متأخرة عامًا أو أكثر، ولو بدأت قبل ذلك الوقت كان بالإمكان تجنب سقوط حلب، كما أن أردوغان أخطأ في عملية درع الفرات عندما أعطى الأولوية في البداية لمحاربة المليشيا الكردية في منبج، ولم يوجه درع الفرات إلى الباب، مما ضيع وقتًا ثمينًا.
سابعًا: ركز أردوغان جهوده على الجوانب الإنسانية ولم يهتم بالجوانب العسكرية والعملياتية كثيرًا، وحتى بعد عملية درع الفرات ما زال مترددًا، ولهذا كان يجب أن تكون للثوار خططًا خاصة بهم، بدلًا من انتظار الخطط من أردوغان.
في الختام:
أردوغان يمثل حليفًا داعمًا للثورة لكنه ليس أبو الثورة ولا خليفة المسلمين، يستطيع دعمها بشكل محدود لكن لا يصلح لأن يقودها ويوجهها.
لهذا على فصائل الثورة السورية أن يستفيدوا من الدعم الذي يقدمه أردوغان، دون أن يرهنوا أنفسهم إليه، وعليهم أن يتعلموا من أخطاء الماضي وأن يضعوا لأنفسهم خططًا يسيرون عليها تضع في الحسبان أن الدعم المقدم لهم سيبقى محدودًا لأمد طويل.
عليهم أن يعدوا أنفسهم لحرب عصابات طويلة الأمد، فهذا هو الحل الوحيد في ظل محدودية الدعم الخارجي، والروس مهما طال وجودهم في سوريا فلن يستطيعوا الصمود في وجه حرب عصابات تستنزفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق