اتخذ مجلس الأمن الليلة الماضية قرارًا يدين الاستيطان الصهيوني في الضفة والقدس ويطالب بوقفه، وهو الأول من نوعه منذ 38 عامًا، وقد سبق أن استخدم أوباما حق الفيتو لإفشال قرار شبيه به عام 2011م.
لماذا القرار مهم ما دام الصهاينة لن يلتزموا به؟ ولماذا صدر الآن وما دلالات الذي حصل؟
أولًا: لكل من يقول لا فرق بين رؤساء أمريكا هذا القرار يقول لكم أنكم مخطئون، أوباما أراد تمرير القرار وترمب حاربه بشدة واتصل مع السيسي لكي يسحبه.
ربما الفروق بسيطة وربما نظرتنا إليهم كأعداء لن تتغير، لكن الفرق موجود وأوباما هو أفضل رئيس أمريكا بالنسبة للقضية الفلسطينية (أو الأقل سوءًا) منذ الرئيس أيزنهاور (1952-1960)، وفي المقابل ترمب سيكون الأسوأ على الإطلاق منذ نكبة فلسطين.
ثانيًا: المشكلة في عدم استثمار هذه الفروق البسيطة تكمن فينا نحن (العرب)، وهذا لم يكن واضحًا في يوم من الأيام مثلما كان واضحًا في مجلس الأمن، أوباما يريد تمرير القرار والسيسي لا يريد!
لو كانت لدينا قيادات عربية قوية لاستطاعت إجبار أمريكا على تغيير سياستها تجاه فلسطين ولو الشيء اليسير، واستذكر هنا دور محمد مرسي في وقف العدوان عام 2012م والذي كان مشرفًا في حدود إمكانياته البسيطة.
لكنه استغل قابلية هيلاري كلينتون وإدارة أوباما للتعامل بإيجابية مع المطالب العربية وحقق إنجازًا جيدًا.
ثالثًا: قبول أوباما وكيري بتمرير القرار يمثل ذروة صراعهما مع نتنياهو، وهو صراع ممتد منذ سنوات، ويعود بالدرجة الأولى إلى التغيرات الحادة في السياسة الصهيونية تجاه أمريكا.
رابعًا: الطبقة الحاكمة في الكيان الصهيوني منذ عام 2009م تمثل أقصى اليمين الصهيوني، وتحمل نظرة عدوانية تجاه العالم كله، بما فيه أمريكا، وترفض مجاملة أمريكا أو التعاطي مع نصائحها.
وكان الوضع الطبيعي استغلال هذه التركيبة العدوانية لحكومة الاحتلال من أجل عزلها عالميًا، لكن ضعف أداء العرب (السلطة والرباعية العربية) استفادت منها حكومة الاحتلال إلى حد كبير.
خامسًا: استفادت حكومة الاحتلال من اتفاقيات أوسلو ووادي عربة ومؤتمر مدريد، بأنها رفعت عن نفسها العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليها، والقرار الذي اتخذ الليلة هو فرصة ذهبية من أجل إعادة فرض هذه العزلة التي كان يعيشها الكيان في السبعينات والستينات.
سادسًا: المحاولة الفاشلة لإلغاء القرار تدل على قلة الخبرة السياسية لدى ترمب والسيسي، فلم يتوقعا الالتفاف على خطوة سحب القرار بهذه السهولة، كما تدل على طيش وغطرسة نتنياهو وائتلافه الحاكم.
سابعًا: لو نجح نتنياهو في إفشال القرار لكان بمثابة إعلان بشرعية الاستيطان في الضفة، وهذا الامر لا يتعلق باستمرار الوضع القائم بالضفة بل أخطر من ذلك، هذا يعطي دفعة لمشروع الاحتلال من أجل ضم المناطق "ج" وتهجير ربع مليون فلسطيني يعيشون فيها (وهي تشكل 60% من مساحة الضفة).
مشكلتنا أننا نستهين بهذه الأمور، ونردد المقولات الإحباطية "كله على الفاضي" و"ما استفدنا اشي"، بينما الاحتلال يستغل كل خطوة بسيطة لكي يقضم حقوقنا ببطؤ وثبات، حتى نجد أنفسنا في نهاية المطاف لا نملك شيئًا.
ثامنًا: الطريقة التي سحب بها السيسي القرار، أثارت غضبًا عالميًا وإصرارًا على إنفاذه وهذا أعطى القرار زخمًا إعلاميًا أكبر من إقراره بدون هذه المناورة الفاشلة، وهنا أقول "شكرًا يا سيسي" فغباؤك ساعدنا.
تاسعًا: القرار له عدة فوائد تبدأ من الناحية المعنوية والإعلامية (ولا يجب الاستهانة بهذا الشيء).
كما أنه يشرعن حملات مقاطعة بضائع المستوطنات في الغرب، خاصة وأن هنالك مساعٍ لتجريم مقاطعة المنتجات الصهيونية، مثلما فعلت ولاية نيو يورك الأمريكية.
ويشكل القرار فرصة من أجل عزل الكيان الصهيوني دوليًا، وهذه خطوة غاية في الأهمية، فأنت لا تستطيع محاربة الاحتلال الصهيوني وهو يتمتع بدعم عالمي غير محدود، وفي نفس الوقت العزلة وحدها لا تكفي يجب أن يكون خطوات في الميدان.
والأهم من ذلك كله أن يتبع القرار خطوات مختلفة من أجل تسخيره، فهذه الإنجازات لا قيمة لها عندما تكون وحيدة، هي مهمة عندما تتبعها إنجازات أخرى تستغلها.
الأمر يشبه لعبة كرة القدم فعندما تأخذ الكرة من خصمك، فهذه خطوة هامة تعطيك فرصة لتسجيل هدفًا في مرماه، لكن إن لم تستغل الفرصة فسيعود ويأخذ الكرة منك ويسجل هو الهدف بدلًا منك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق