تشييع الشهيد هيثم ياسين |
يحرص الإعلام الانبطاحي على اغتيال صورة
البطل في عيون الناس حتى لا يتحول إلى قدوة لغيره، وقد رأينا ذلك في حملة التشويه
للشهيد نشأت ملحم ووصفه تارة بأنه مريض نفسيًا وتارة بأن دافعه الانتقام الشخصي
وليس مقاومة الاحتلال.
وبالأمس تكرر ذات الأمر مع الشهيد هيثم
ياسين من عصيرة، والذي هاجم قوة عسكرية قرب حاجز الـ17 بين نابلس وبلدته عصيرة،
والشهيد كان أصيب قبل 15 عامًا في نفس المكان عندما حاول الجنود إجبار فتاة على
خلع ملابسها بحجة التفتيش فتصدى لهم الشهيد وأصيب برصاص في ركبته سببت له إعاقة
لازمته حتى استشهاده الأمس.
قام الشهيد هيثم ياسين بإلقاء زجاجة حارقة
على الجنود ومن ثم طعن قائد القوة (وهو ضابط برتبة ملازم) بسكين وحاول أخذ سلاحه
قبل أن يقتله الجنود الآخرون.
حرصت الإذاعات المحلية (التابعة كلها
للسلطة) على ترويج رواية أن الشهيد مريض نفسيًا وهاجم الجنود بدون سلاح، في محاولة
لقتل هذا النموذج البطل في عيون الناس، مثلما فعل إعلام العدو مع الشهيد نشأت
ملحم.
وهذه ليست المرة التي تساهم هذه الإذاعات
بهذه الجريمة، فقد قام أحد إعلاميي الأجهزة الأمنية (معاذ الشريدة) بترتيب مؤتمر
صحفي لأهالي الأسرى منفذي عملية ايتمار بعيد الإعلان عن اعتقالهم، لينفوا العملية
عن أبنائهم بطريقة بدت وكأنهم ينفون جريمة أخلاقية عنهم.
كان ذلك بوعد للأهل بأن يساهم ذلك
بالإفراج عن أبنائهم وعدم هدم منازلهم، لكنه لم يفرج عنهم وهدمت البيوت، وكل الذي
تحقق هز صورة البطولة لهؤلاء الأسرى في عيون الشعب الفلسطيني، بعد أن تخلى أهلهم
عنهم وتبرأوا من العملية لقاء وعود جوفاء.
والآن يكرر هذا الإعلام نفس الأسلوب
بتسفيه الشهداء والأسرى والتقليل من شأن فعلهم، وقد فضح والد الشهيدة أشرقت قطناني
مراسل تلفزيون فلسطين الذي كان يضغط عليه ليقول أنها لم تخطط لتنفيذ عملية طعن.
ومثال أخير (والأمثلة لا تنتهي) هو الأسير
حمزة أبو الفيلات قام بعملية طعن في محلات رامي ليفي بمستوطنة عصيون، واعتقل بعد
تنفيذ العملية مباشرة، ويومها حرص إعلام السلطة على الترويج بأن الأسير هو عامل
نظافة ولم ينفذ عملية الطعن، وأن المستوطنة طعنها مجهول ويريدون "تلبيس"
القضية للعامل.
أحد الأسرى المحررين التقى بالأسير حمزة
أبو الفيلات ونقل قصة مختلفة تمامًا، فالأسير حمزة أبو الفيلات لا يعمل في
المستوطنة وتوجه إليها خصيصًا لتنفيذ العملية، وطعن المستوطنة في رقبتها وكسرت
السكينة وبقيت عالقة في الرقبة ثم حاصره المستوطنون ورجال الأمن فلم يملك إلا
الاستسلام.
والسؤال ما دام هذا الإعلام يتبع السلطة
وأجهزتها الأمنية فهل من مصلحتهم أن تستمر الانتفاضة وأن تتصاعد؟ أم مصلحتهم تلتقي
مع الاحتلال في وأد الانتفاضة؟
إذا لماذا يصدق الناس روايات هذا الإعلام
المشبوه بكل معنى الكلمة؟ لماذا نشوه شهداءنا ونصفهم بأوصاف لا تليق؟ أليس هذا
قتلًا لنموذج البطولة والمقاومة؟
هناك تعليقان (2):
الأقارب والمحامون والإعلاميون وغيرهم يستخدمون نفس هذا الأسلوب الذي ذكرته "أضمن طريقة لك في حياة الأسر أن تتقمص شخصية من لا علاقة له بالعمل المقاوم". وما دام هؤلاء غير قادرين على مقاطعة محاكم الاحتلال وحيث لا توجد أي خطة وطنية شاملة لمجابهة الاحتلال وأعوانه وداعميه فكيف نلوم الأفراد على محاولة تقليل الضرر؟
هل كان على عائلة ملاك الخطيب ومحاميها مثلا أن يقولوا بفخر أنها نفذت عملية طعن وأنهم شجعوها على ذلك، فيبقوها أسيرة ويتعرضوا هم أيضا للأسر، أم ينفوا وجود أي محاولة منها ويكذبوا روايات الاحتلال ويستغلوا عمر الفتاة الصغير لإخراجها من السجن؟وهل كان على عائلة نديم نوارة أن تدعي مثلا أنه كان يريد خطف سلاح وأنه تلقى الرصاصة وهو يواجه العدو كي تشجع الفلسطينيين على المقاومة؟
هناك من يقبل البقاء في السجن والخضوع للتحقيق المتواصل لفترة أطول من الحكم المفترض لتهمته، وهناك من يقبل بصفقة فيعترف بأمور لم يقم بها مقابل الإفراج عنه. هناك من يقبل الإفراج حتى لو أبعد، وهناك من يرفض الإفراج إلا إلى بيته. هناك الأم التي تزغرد احتفالا باسشتهاد ابنها، وهناك من تبكي لفراقه أمام وسائل الإعلام.
هناك من يسارع في اعتبار أي اعتداء من الاحتلال ردا على عملية بطولية؛ حتى يشجع نفسه والآخرين على مواجهة العدو، وهناك من يسارع ويعتبر أي عملية طعن أو دهس حادثا أو اختلاقا من الاحتلال وأنه لذلك يخفي التسجيلات المصورة للحادث؛ لإسناد المقاوم في التحقيق أو لمحاولة حماية عائلته وبيته.
الجميع يعلم أن الاحتلال هو المعتدي وأن وجوده جريمة وأن قوانينه باطلة وأن مقاومته بكل السبل مشروعة، ومن سبل المقاومة خاصة في الوضع المزري على الصعيد المحلي والدولي استغلال المحاكم الباطلة والإعلام غير المهني وحتى القرارات الدولية الجائرة لتحرير الأسرى وحماية البيوت من الهدم والمصادرة.
تنجح المحاولة أحيانا ولا تنجح أحيانا، وبينما يستمر الاحتلال ويتمدد لم يعد بوسع الفلسطيني المتروك وحيدا إلا إطالة مدة الصمود، والتمسك بأقصى قواه بما يملكه من أرض وذاكرة وتراث، وتوريث ذلك لأبنائه، مع رفض التنازل عن شيء من حقوقه، مهما تسرب منها لأعدائه.
شكرًا على مرورك الطيب.
إرسال تعليق