لقد فاجئتنا عمليات الطعن والدهس التي
ميزت انتفاضة القدس بقدرتها على الاستمرار بزخم كبير، رغم أنها عمليات فردية لا
يتم التنسيق بين منفذيها، وهي إن لم تكن الشكل الوحيد للمقاومة خلال انتفاضة القدس
إلا أنها أبهرت العالم بهذا الكم من الشباب الفلسطيني المستعد للتضحية بحياته من
أجل القدس والقضية الفلسطينية.
وفي ظل الظروف الداخلية والخارجية السيئة،
وجهود السلطة والاحتلال المحمومة لاجهاض انتفاضة القدس، يأتي السؤال الأهم كيف
نحافظ على استمرارية وزخم انتفاضة القدس بحيث تكون قادرة على استنزاف الاحتلال
بشكل دائم، وقادرة على تغيير الموازين الداخلية الفلسطينية لصالح خيار المقاومة،
وتوسيع رقعة المواجهة عبر نقل الانتفاضة إلى فلسطين المحتلة عام 1948م.
ما هي أشكال المقاومة في انتفاضة القدس:
أولًا:
العمليات الفردية وتأتي بالدرجة الأولى عمليات الطعن والدهس، ثم عمليات إطلاق
النار التي ينفذها أفراد.
وهي التي تسببت بالقدر الأكبر من الخسائر
في صفوف الاحتلال الصهيوني، كما أنها تسببت باستنزاف المجتمع الصهيوني نفسيًا
وإعلاميًا بشكل غير مسبوق.
ثانيًا:
المواجهات الجماهيرية والمظاهرات والتي بدأت قوية في الشهر الأول للانتفاضة لكنها
سرعان ما تراجعت مع نهاية الشهر الثاني، حيث لم يكن هنالك قناعة واسعة بجدواها من
الأصل، وجاء تظافر جهود السلطة لوأدها واعتقالات الاحتلال والأحوال الجوية لتعيدها
إلى معدلات ما قبل الانتفاضة.
ثالثًا:
العمليات المسلحة المنظمة وهي ما زالت محدودة الانتشار لكنها بمعدل أكبر قليلًا من
قبل الانتفاضة، ويمكن التعويل عليها أكثر من غيرها على المدى البعيد، كون العمل
التنظيمي أطول نفسًا من العمل الفردي.
لكنها ما زالت تعاني من قبضة الاحتلال
والتنسيق الأمني مع السلطة، والرهان معقود على إحداث خروقات في المنظومة الأمنية
المزدوجة (الاحتلال والسلطة).
رابعًا: هجمات
الحجارة والزجاجات الحارقة على الطرق الالتفافية بالإضافة لهجمات العبوات الناسفة
البدائية (الأكواع)، وهي ما زالت أعلى من معدلها قبل انتفاضة القدس، إلا أن كثرة
الاعتقالات تستنزف الناشطين في هذا المجال، والأمور تعتمد على قدرتهم على إعادة ترميم
مجموعاتهم بعد كل حملة اعتقالات.
ما الذي يحرك انتفاضة القدس؟
أولًا:
العمليات الناجحة هي العامل الرئيسي المحرك لانتفاضة القدس، فكانت عمليتي ايتمار
وبعدها عملية مهند الحلبي المفجر لانتفاضة القدس، وكلما كان لدينا عملية يقتل فيها
صهاينة تتبعها موجة عمليات طعن ودهس.
والعكس صحيح فالعمليات التي لا تنجح بقتل
صهاينة أو إصابتهم تصيب الشارع بالإحباط وتقلص من فرص حدوث عمليات جديدة.
العمليات الناجحة تشجع الأفراد على تنفيذ عمليات
مماثلة (الطعن والدهس تحديدًا)، وأيضًا تدفع الشباب للانضمام إلى مجموعات العمل
المقاوم بكافة أشكالها وتوجهاتها.
ثانيًا: لعب
الإعلام دور هامًا بتحريض الشباب الفلسطيني على التحرك لنصرة الأقصى، والتوضيح لهم
أن استمرار الوضع الحالي يعني تمدد المشروع الصهيوني وضياع المسجد الأقصى، وابتلاع
الاستيطان للضفة الغربية.
ثالثًا: لعبت
النشاطات والمسيرات التي تنظمها الأطر السياسية (وبالأخص الكتل الطلابية في
الجامعات وعلى رأسها الكتلة الإسلامية) دورًا محوريًا في تأجيج الجانب الجماهيري
من انتفاضة القدس، وترجمة التحريض الإعلامي إلى فعل ميداني.
رابعًا: الجمود
السياسي وإفلاس السلطة وإنعدام الخيارات أمامها، ورفض الاحتلال لأي إجراءات تساعد
السلطة على تخدير الشارع، كل ذلك يبقي أسباب الانفجار موجودة على الأرض.
المطلوب لاستمرار انتفاضة القدس:
أولًا: توعية
الشباب المنتفض بأساليب العمل المقاوم، وذلك من أجل زيادة نسبة نجاح عمليات
المقاوم، وحتى لا يذهب جهدهم وتضحياتهم مقابل نتائج قليلة أو هزيلة، ففشل العمليات
أثره سلبي جدًا على الانتفاضة.
ثانيًا: استمرار
التحريض الإعلامي بشكل مستمر، والانتباه لمحاولات التقليل من شأن عمليات المقاومة،
من خلال الزعم بأنها حوادث سير أو إعدام بلا سبب، أو وصف عمليات الطعن الناجحة
بأنها محاولات طعن لم تؤد لأي نتيجة.
ثالثًا: أن تقوم
الأجنحة العسكرية باستثمار الوضع الجديد من أجل تنظيم عناصر جدد من المتأثرين بجو الانتفاضة،
والانتقال إلى تنفيذ عمليات مسلحة مع الحرص على عدم استنزاف قدراتها، والابتعاد عن
العمليات التي تستنزف خلايا المقاومة (مثل العمليات الاستشهادية أو عمليات الخطف)،
فاستمرار هذه الخلايا بالعمل ولو بعمليات بسيطة أهم من تنفيذ عملية كبيرة ثم تتوقف
بعدها.
رابعًا: القدرة
على إعادة ترميم المجموعات المختلفة المشاركة بالانتفاضة، سواء كنا نتكلم عن
مجموعات إلقاء الحجارة فما فوق، فما دام هنالك أفراد مستعدين للانضمام بعد كل
عملية اعتقال، فالانتفاضة ستواصل طريقها.
خامسًا: الحفاظ على النشاط الجماهيري وتجديده بين الحين والآخر،
وبالأخص المظاهرات والمواجهات المباشرة، رغم أنها بحد ذاتها لا توقع خسائر كبيرة
بالاحتلال، لكنها ضرورية من أجل إيجاد مناخ ثوري يستقطب المزيد من الشباب إلى
العمل المقاوم.
وأيضًا لأنها
(بالإضافة لأشكال المقاومة الأخرى) تستنزف مجهود أجهزة أمن الاحتلال والسلطة، وهذا
يتيح للمجموعات المسلحة ثغرة تستطيع النفاذ منها وتنفيذ قدر أكبر من عمليات
المقاومة.
سادسًا: الحفاظ على نفس وحدوي بعيدًا عن التجاذبات الحزبية
وبالأخص بين فتح وحماس، كونها تضعف من نفس المقاومة والالتفاف الشعبي حول خيار
المقاومة، وذلك رغم كل ممارسات السلطة غير المقبولة.
وسيأتي يوم تتم
محاسبة السلطة وأجهزتها الأمنية على يد أبناء حركة فتح ممن لم يعد يعجبهم وضع
السلطة أو ممارساتها خاصةً بعد انهيار مشروع محمود عباس السياسي.
سابعًا: اقناع
الفئة المترددة بأهمية وجدوى الانتفاضة الحالية، ولا أقصد التيار الرافض لكل أشكال
المقاومة.
بل أتكلم عن أنصار المقاومة ممن يخشون
تكرار تجربة أوسلو عندما حولت فتح الانتفاضة الأولى إلى مشروع تسوية فاشل، أو
تكرار تجربة انتفاضة الأقصى عندما سحقت المقاومة بالضفة دون أي نصير، أو الذين
اعتادوا على العمليات الاستشهادية الكبيرة ولا يستوعبون العودة إلى أشكال المقاومة
الأقل تطورًا.
ثامنًا: العمل
على توسيع ساحة المواجهة وإدخال فئات جديدة من الشعب الفلسطيني للمشاركة باستنزاف
الاحتلال؛ سواء تكلمنا عن فلسطين المحتلة عام 1948م ونقل الانتفاضة لها، أو إشراك
فلسطينيي الشتات وبالأخص الساحة الأردنية الأكثر تأثيرًا على الوضع في الضفة.
فتوزيع عبء المواجهة يقلل الاستنزاف في
الجانب الفلسطيني ويزيده في الجانب الصهيوني.
المقالة منشورة في مجلة انتفاضة القدس الصادرة عن شبكة فلسطين للحوار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق