توجه لي أحد الإخوة الكرام حول مشكلة وقوع
الشباب في فخ العصافير لدى اعتقالهم رغم كثرة التحذير، ومع تزايد الاعتقالات (والكثير
منهم يعتقلون لأول مرة) سأحاول شرح الأمر وتوضيحه لعل وعسى.
في البداية: لمن لا
يعرف العصافير هم عملاء للاحتلال يوجدون داخل غرف خاصة في مراكز التحقيق ومهمتهم
خداع الأسير والتظاهر بأنهم أسرى مثله، حتى يستدرجوه ويبوح بما لديه من أسرار لم
يعترف بها أثناء التحقيق.
هنالك جملتان تقال لجميع الشباب: "لو
جاءك الشيخ أحمد ياسين أو خالد مشعل وطلب منك الكلام في أمور خاصة بالمقاومة في
السجن فلا تطعه"، و"ابتعد عن الثرثرة والعرط لأنها من أهم أسباب الوقوع
عند العصافير".
ورغم ذلك يقع الكثيرون عند العصافير رغم
سماعهم للدرس مرات ومرات، فما السبب؟
أولًا: يمر
الأسير بمرحلة لتهيئة النفس منذ لحظة اعتقاله حتى وصوله لغرفة العصافير، ومن ضمنها
وجود عصافير في الزنازين مهمتهم دراسة شخصية الأسير من أجل استخدام أسلوب
الاستدراج الأمثل معه.
ثانيًا: كل أسير
له خصوصياته والاحتلال ذكي ويعمل عن علم، وبالتالي لا يستدرج كل الأسرى بنفس الطريقة،
ويغير أساليب عمل العصافير بين الفترة والأخرى، وتختلف بين أسير وآخر، وتنظيم وآخر
ومنطقة وأخرى.
ثالثًا: لهذا ما
يقال أن الثرثرة والعرط والفشخرة والنفخ هي سبب الوقوع الأساسي عند العصافير هو
تبسيط شديد وغير دقيق، هذا الكلام ينطبق على الثرثارين ومحبي نفخ الذات مثل اتباع
أحد التنظيمات (بدون ذكر أسماء :) ).
لكن الأسير المتواضع أو الكتوم أو صاحب
الوعي فهنالك أساليب أخرى (وليس أسلوب واحد) لاستدراجهم.
رابعًا: كل أسير
يأتوه من نقطة ضعفه؛ فمثلًا يعرفون أن فلان عنده حرقة للعمل المقاوم فيأتون إليه
بأسلوب إخوانك في الخارج بحاجة لمعرفة أسماء من كانوا يعملون معك حتى يتواصلوا
معهم، إخوانك بحاجة لمعرفة مكان السلاح، لا تخذل إخوانك، لا تكن عنيدًا...
أسير آخر عنده غيرة على بنات المسلمين و"حمش"،
يأتونه بأن يروّا له عن العميل الفلاني الذي يقوم بخداع الفتيات على الفيسبوك،
ويبدأوا بإثارة غريزة الغيرة لديه، ويقولون له "تصور فلانة حافظة لكتاب الله
وتصوم كل اثنين وخميس ومنقبة و.... و... قام بخداعها هذا الذئب وأسقطها وفعل معها
كل المحرمات"، طبعًا أخينا الأسير يبدأ الدخان بالتصاعد من رأسه ويغلي.
ويبدأ يفكر معهم ما الحل، وشيئًا فشيئًا يستدرجونه: من تعرف من الشباب ممكن أن يؤدبه؟ طيب هل لهم تاريخ في العمل المقاوم ما بدنا نجيب حد غير موثوق... الخ
خامسًا: هنا
تبدأ القاعدة التي تعلمها الأسير بالعمل، أي أن لا يخرج أي معلومات لأحد في السجن
حتى لو كان خالد مشعل أو أحمد ياسين أو محمد الضيف، ويقف سدًا أمام محاولاتهم لاستدراجه.
لكنهم متدربون على الاستدراج ويعرفون نقاط ضعف الشاب، ويأتون له من خلالها؛ إما من خلال التهديد: سيأتي القرار من التنظيم بفصلك لأنك ترفض أوامره.
أو من خلال الاستعطاف: تصور أخواتك تنتهك
أعراضهم هل تسكت؟
أو من خلال التخجيل: يا عمي ليش أنت عنيد،
مشيها هالمرة.
أو من خلال المنطق: كلامك على الرأس
والعين، لكن لكل قانون استثناء وأنت تعرف الوضع في الخارج لا يوجد مقاومة ونحن
مضطرون إلى أخذ المعلومات منك.
أو من خلال جعله يحس بالذنب: أنت تتحمل
المسؤولية أمام الله لأن عنادك تسبب بفشل المقاومة.
وكل أسير يعاملونه حسب نفسيته ونقطة ضعفه.
ومع تكرار الزن والضغط النفسي يبدأ الأسير
باللين وينطلق لسانه بما لا يجب أن يقوله.
لهذا كنصائح يجب أن يلتزم بها كل أسير:
أولًا: ما دمت
أسيرًا لأول مرة فأنت على موعد مع العصافير، وربما يرسلونك أول مرة فتكشفهم ثم
يرسلونك بعدها مرة ثانية إلى عصافير أكثر اتقانًا، لذا لا ترتخي ولا تؤمن لأحد
خاصة في اعتقالك الأول.
ثانيًا: لا يوجد
شكل معين أو مدة معينة أو مواصفات معينة للعصافير، هذه أمور تتغير بحسب الظروف وحسب
نفسيتك وتنظيمك، لذلك لا تستبعد أي شيء واستعد في الأسر (والعمل المقاوم عمومًا)
لأسوأ الاحتمالات، ولا تراهن على "أنه بيجوز هالمرة الوضع مختلف."
ثالثًا: لا
تتجاوب مع أي إنسان يحاول الضغط عليك وإجبارك على شيء من خلال نقاط ضعفك، ويريد
استعجالك للكلام أو اتخاذ قرار ما، سواء كان في التحقيق أو في السجن أو خارج
السجن.
فهذا إنسان لا يأتي منه الخير، وإن لم يكن عميلًا أو عصفورًا فهو في أحسن الأحوال "واحد مهوي وفيوزاته ضاربة"، وسيورطك بمغامرات تندم عليها.
رابعًا: في حال
لا سمح الله وقعت عند العصافير فسيستغل المحققون حالتك النفسية السيئة ليأخذوا منك
باقي الكلام الذي لم تقله عند العصافير، ويقولون لك "ما هي خربانة
خربانة"، عوض خطأك واضغط على الفرامل ولا تدع اليأس يأكلك ويرديك في فخ أكبر.
خامسًا: مرة
أخرى تذكر أنهم سيمارسون ضغوطًا نفسية كبيرة عليك، ويوهموك بأنك ترتكب إثمًا ومعصية
وجريمة لأنك لا تريد الكلام، قاوم هذا الشعور وقول #بهمش خليهم يطلعوني كافر وجاسوس وديوث، وتمسك
بالفكرة التي تعلمتها بالأول أن لا تتكلم بأسرارك.
سادسًا: أضمن
طريقة لك في حياة الأسر أن تتقمص شخصية من لا علاقة له بالعمل المقاوم، وأنك
بايعها ومش سائل بالوطن ولا الدين ولا العرض ولا الشرف، من لحظة اعتقالك حتى
الإفراج عنك.
سواء أمام معارفك أو المحققين أو غيرهم ممن تعرفهم أو لا تعرفهم، لا تترك لهم نقطة ضعف يضغطوا عليك من خلالها.
وأذكر هنا ذلك الأسير الذي حققوا معه فلم
يجدوا منه شيئًا، فحولوه للاعتقال الإداري قضاها وهو يقول أنه لن يعمل من أجل
فلسطين، وكانوا يقول "بس أروح بدي أحط فلسطين ع كندرتي"، حتى أنه لحن
الجملة وعمل منها أغنية كما يروي رفاقه في الأسر.
وبعد خروجه من الأسر بفترة قصيرة تبين أنه
كان عضوًا في خلية قسامية ونفذ عملية استشهادية.
فالشاهد بالموضوع أنه استطاع خداع الكل
وأنه لا علاقة له بالمقاومة، والاحتلال اعتقله بناء على ظنون وليس معلومات أكيدة،
وعندما صمد بالتحقيق ولم يعترف عليه أحد من رفاقه، وأثبت بتصرفاته أنه لا علاقة له
بمقاومة أفرجوا عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق