الثلاثاء، 18 مايو 2010

الأخطاء المتكررة في التعامل مع قضية اللجوء الفلسطيني


تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين لب الصراع مع الكيان الصهيوني بعد 62 عاماً من حرب عام 1948م وقيام العصابات الصهيونية بواحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في التاريخ، وما زال حتى يومنا هذا أكثر من 7 ملايين فلسطيني مشردين ويعيشون خارج مدنهم وقراهم وبعيداً عن أملاكهم وأملاك أهلهم وأجدادهم.

وتميز التعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين طوال هذه السنوات بالعجز العربي المتراكم الذي فاقم من سوء وتعقيد قضية اللاجئين، بدلاً من التوجه نحو حلها أو إيجاد أمل بحلها، فضيعت فرص عديدة في السنوات الأولى لنشوء الكيان، فقد كان أحد شروط الأمم المتحدة للاعتراف بما تسمى دولة "إسرائيل" تطبيق القرار 194 والذي ينص على حق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم ومنازلهم ومصالحهم، ولم يكن الكيان يومها الابن المدلل لأمريكا، وكان بالإمكان الضغط عليه سياسياً ودولياً لإنهاء هذه القضية.

لكن لسبب أو آخر لم يحصل شيء، ربما لأن الاعتقاد كان يومها أن مشكلة اللاجئين ستنتهي مع إزالة الكيان، لكن لا حلت مشكلتهم ولا الكيان زال، فيما نستمر باجترار ذات المواقف فيما يتعلق بقضية اللاجئين، وفي حين تعلن ألستنا ليل نهار رفض التهجير، إلا أننا قبلنا به أمراً واقعاً وكل على طريقته.


عندما يكتب الصهاينة لنا التاريخ:

وبدلاً من أن نجعل اللاجئين أزمة تقض مضجع المحتل، وبدلاً من التركيز على جريمة التطهير العرقي وسرقة والاستيلاء غير القانوني على أملاك اللاجئين، سمحنا له بحرف الأمور عن مسارها وتصوير قضية اللاجئين بالشكل الذي يريحه، ومثلما يقول بعض المؤرخون "المنتصر يكتب التاريخ"، وهكذا كتب الصهاينة التاريخ لنا ولهم.

فأصبح محور القضية الفلسطينية أن الصهاينة كانوا يشترون الأراضي والفلسطينيون لم يرضوا لسبب أو آخر، مثل أي نزاع بين بائع وشارٍ كأن القضية هي قضية عقارية، كما روج الصهاينة لرواية أن الفلسطينيين هربوا من منازلهم بناء على طلب قادتهم العرب، وبالتالي فقدوا حقهم بها وأصبحت حقاً حلالاً زلالاً للمنتصرين الصهاينة.

فتحويل القضية الفلسطينية إلى تنافس عقاري يتوفق فيه الصهاينة هو مسخ للقضية الفلسطينية، وهي مصلحة صهيونية تخفي وجهها العنصري القبيح وتخفي جرائم التطهير العرقي التي ارتكبها وأبرزها ما حصل خلال حرب عام 1948م، ونحن للأسف اشترينا هذه البضاعة المغشوشة تحت ستار محاربة سماسرة الأرض والعملاء الذين "يسربون" الأراضي للصهاينة، لاحظوا معي المصطلح كيف يمسخ القضية الفلسطينية، والصهاينة مساكين يا حرام لم يرتكبوا جريمة سوى شراء ما سرب من أراضي.

جيد أن نحارب العملاء بكافة أشكالهم، وأن تصدر فتاوى تحريم بيع الأراضي للصهاينة، لكننا اليوم نعيش في عام 2010م وأغلب الأرض بيد الصهاينة وأغلبها صودر وسرق خلال الثمانين عاماً الماضية بأساليب لا تبررها أي شريعة أو قانون على وجه الأرض، ولسنا في عام 1920م عندما كان يحاول الصهاينة شراء قطعة أرض هنا أو هناك لتثبيت أنفسهم. وهذا يعني أنه يجب أن نهتم بما هو أهم وأخطر أي استرجاع أرضنا المسلوبة والمنهوبة، وللأسف اشتغلنا بالعملاء والسماسرة وتركنا استرجاع أرضنا من اللصوص.

وهكذا نكون قد خدمنا الصهاينة بطريقة غير مباشرة عندما لم نثر القضية الجوهرية، فإن كانت هنالك أراضي حكومية أو أراضي بيعت لليهود أو أراضي لا توجد اثباتات مكتوبة على ملكية الفلسطينيين لها، هنالك أراضي وعقارات ما زالت لحد اليوم مسجلة باسم أصحابها، والصهاينة يعترفون بملكية أصحابها لهذه العقارات والأراضي ولذلك شكلوا مؤسسة حكومية لإداراته تسمى "حارس أملاك الغائبين"، وتقدر قيمة العقارات في القدس الغربية لوحدها والتي يسيطر عليها "حارس أملاك الغائبين" بمليارات الدولارات.


سرقة أملاك اللاجئين: جريمة مع سبق الإصرار والترصد.

لكن الصهاينة يعلنوها وبصلف منذ 62 عاماً أنهم لن يعيدوا أملاك الغائبين لأصحابها مهما كان ومهما حصل، ويسوقون أسباباً متعددة منها الصريح مثل "الحفاظ على يهودية الدولة"، وهذه حجة موغلة في العنصرية لكن لا أحد يثيرها بالشكل الكافي لا إعلامياً ولا قانونياً، كما تساق حجة أخرى وهي ما يدعيه الصهاينة من تبادل ممتلكات اليهود الذين هاجروا من الدول العربية واللاجئين الفلسطينيين، فيزعم الصهاينة أن ممتلكات اليهود التي تركوها وراءهم هي مقابل ممتلكات الفلسطينيين.

ولو سلمنا جدلاً بصحة زعم الصهاينة أن اليهود طردوا ولم يخرجوا طوعاً طمعاً بالسكن في أرض الميعاد، فهذه معادلة مرفوضة فلا هي عادلة لأن من صادر ممتلكات اليهود في مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن ليس اللاجئون الفلسطينيون، ومن الناحية الأخرى الصهاينة أنفسهم لا يلتزمون بهذه المقايضة التي يريدون فرضها علينا من جانب واحد.

فالصهاينة اليوم يطالبون الدول العربية بإعادة ممتلكات اليهود التي تركوها وراءهم، وهنالك دول مثل المغرب تفتح أبوابها لليهود المغاربة دون اشتراط تخليهم عن الجنسية الصهيونية، وفي مثال على التناقض الصارخ لدى الصهاينة هو ما يجري في أحياء سلوان والشيخ جراح بالقدس المحتلة حيث قامت الحكومة الأردنية بمصادرة أملاك اليهود في هذه الأحياء لتديرها مؤسسة "حارس أملاك العدو" الحكومية وتم تأجير هذه الممتلكات للاجئين الفلسطينيين. اليوم الصهاينة بدأوا بمصادرة هذه الممتلكات، بحجة أنها أملاك لليهود، وإعطائها ليس لأصحابها اليهود الأوائل بل لجمعيات استيطانية.

في المقابل ترفض حكومة الاحتلال ارجاع ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، فمثلاً الحاجة أم كامل الكرد وهي لاجئة من حي الطالبية في القدس الغربية سكنت في أحد هذه المنازل بحي الشيخ جراح، قامت سلطات الاحتلال بطردها من منزلها "البديل" في حي الشيخ جراح بحجة أن له أصحاباً يهوداً، وترفض في نفس الوقت ارجاع منزلها بحي الطالبية والمسؤول عنه مؤسسة أملاك الغائبين.

مثال آخر صارخ على العنصرية الصهيونية هي "جماعة الهيكل"، وهي مجموعة من الألمان البروتستانت أقاموا بعض المستوطنات في فلسطين خلال العهد العثماني، وبعد الحرب العالمية الأولى قام الأنجليز بطردهم والاستيلاء على أملاكهم، وبعد قيام الكيان الصهيوني تم تأكيد المصادرة. وعندما أتت محادثات تسوية التعويضات التي تقدمها ألمانيا للكيان الصهيوني تعويضاً "لمعاناة اليهود" على يد النازيين أتفق على خصم ثمن أملاك هذه الجماعة المصادرة من أموال التعويضات وأن تدفع لأفرادها وورثتهم تعويضاً عن أملاكهم. الصهاينة قبلوا بتعويض الألمان لكنهم يرفضون مجرد نقاش حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

وإذا انتقلنا للأكذوبة الأخرى وهي خروج اللاجئين من أرضهم طوعاً وليس اجباراً، وهذا منطق غريب وعجيب، ففي جميع الحروب يهرب الناس من مناطق القتال ويكون من حقهم العودة فور توقف القتال، بل من حق أي إنسان أن يخرج من منزله متى ما شاء وأن يرجع إليه متى ما شاء، وبدون مبرر ولا سبب، وفي حرب كوسوفو عام 1999م شن حلف الناتو حملة قصف جوي متواصلة على صربيا إلى أن اجبروا الحكومة الصربية على قبول عودة اللاجئين الألبان إلى منازلهم وأراضيهم التي هجروا منها، فلم لا يستقيم هذا الحق مع الشعب الفلسطيني.

وقد فند باحثون كثيرون المزاعم الصهيونية بأن الفلسطينيين خرجوا طواعية، وقد جمع الدكتور شريف كناعنة في كتابه "الشتات الفلسطيني: هجرة أم تهجير"، والصادر عن مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني في رام الله عام 2000، أدلة عديدة تثبت أن ما تم عام 1948م ليس هجرة طواعية بل هجرة قسرية، مثلما أثبت أيضاً الكاتب اليهودي إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" والذي صدرت نسخته العربية عام 2007م عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت. ونضيف أنه حتى لو تم تكن هجرة قسرية وكانت خروج طوعي فمن حق اللاجئ العودة إلى أملاكه، فهو ليس بمتسول ولا هو بدخيل، هو صاحب حق وأملاك.

وللأسف لا توجد حلول ابداعية أو عملية أو أفكار لتحريك قضية اللاجئين، ونجتر نفس المواقف التي كانت في بداية العشرينات من القرن الماضي (التي تدعو لعدم بيع الأراضي) أو تلك التي تلت حرب عام 1948م (التي تلوم من هاجروا على "هروبهم")، كما نناقش حق العودة من منظوره التاريخي والسياسي والعقائدي (وهو أمر مطلوب بلا ريب)، وننسى مناقشتها من الجانب القانوني والحق القانوني للاجئ الفلسطيني هو أقوى الحقوق، ويعترف به جميع أهل الأرض، فالحق التاريخي أو العقائدي قد يسانده المسلمون والعرب فيه، لكن يخالفه الأوروبيون والغربيون عموماً، لكن الحق القانوني – أي سند ملكية الأرض والعقار فهذه لا يوجد فيها رأيان بالعالم كله.


كيف نعالج قضية اللاجئين:

يجب أن نخرج من إطار الاكتفاء بتوعية أبناء شعبنا بضرورة الصمود، وتعبئة أبناء اللاجئين فكرياً وعقائدياً بأن لهم أرض وأن لهم حق في فلسطين وأن هنالك حق للعودة، فهذه أمور على أهميتها، لكنها الخطوة الأولى فقط نحو استعادة حق اللاجئين، والوقوف عند الخطوة الأولى والاكتفاء بها ليس سليماً، ويعتبر شكل من أشكال التطبيع مع الأمر الواقع.

ولا ننسى أنه لليوم ما زال المسلمون يذكرون الأندلس، ولليوم في المغرب هنالك مدن وأحياء سكانها ينحدرون من اللاجئين الأندلسيين، فهل نقبل بأن تتحول فلسطين إلى أندلسٍ جديدة؟ تذكير الناس بحقهم في فلسطين هو الجزء السهل من المهمة، التحدي الحقيقي هو ترجمة هذه المشاعر الوطنية إلى فعل على الأرض، والزمن ليس بصالحنا اطلاقاً، فمثلاً أقر الصهاينة مؤخراً قانوناً يجيز لحكومة الاحتلال بيع "أملاك الغائبين" ولليهود حصراً، وعندما نتكلم عن ممتلكات تحت سيطرة حكومة فإنتزاعها وارجاعها لأهلها هو أسهل وأقل تعقيداً من أن يكون لها ملاكاً جدداً.

يجب التحرك عملياً وعلى كافة الأصعد من أجل إعادة قضية اللاجئين إلى واجهة الصراع مع الكيان الصهيوني، واقترح بأن تكون البداية مع ما هو أسهل وأوضح ألا وهي قضية "أملاك الغائبين"، ورفع قضايا في المحاكم الدولية والمحاكم الغربية، فالكثير من الفلسطينيين أصحاب الجنسيات الأوروبية والأمريكية يملكون أراضي وعقارات تسيطر عليها مؤسسة أملاك الغائبين يمكن أن يتقدموا لمحاكم البلدان التي يقيمون بها بطلب استرداد ممتلكاتهم، ونذكر هنا تحركاً قبل سنوات لأصحاب أراضي في حي الشيخ جراح يحملون الجنسية الأمريكية تحركوا في المحاكم الأمريكية لوقف إقامة السفارة الأمريكية المرتقبة في القدس على أراضيهم الخاصة والمصادرة وفق قانون "أملاك الغائبين".

يجب أيضاً تحريك الشارع الفلسطيني وفي الشتات تحديداً، من أجل المطالبة بحق العودة الفوري، وليس مجرد رفض الحلول السلمية التي تنهي حق العودة، بل يجب أن يكون هنالك نشاط للمطالبة بالحق الفوري للعودة واستعادة الأملاك المنهوبة وتشكيل لوبيات ضغط في كافة المحافل العالمية والدولية.

كما أنه من الضروري ابتكار وسائل جديدة تثير قضية اللاجئين، مثل أن يختطف جنود صهاينة ويكون المطلب وقف عملية بيع أملاك اللاجئين التي تقوم بها حكومة الاحتلال، لأن العالم وبكل أسف أثبت أنه مع القوي، وأنه لا يتحرك من أجل إحقاق الحق والعدالة بل من أجل حل الأزمة، حسناً تريدون أزمات هاكم أزمة وحلوها، أنتم تريدون مكافأة الصهاينة لأنهم هم الأقوى ولأنهم هم المنتصرون؟ هذه لعبة نستطيع نحن أيضاً لعبها. مثل هذه الأمور تحرك قضية اللاجئين وتجعل منها قضية رأي عام، مثلما أصبحت قضيت الأسرى الفلسطينيين.

المهم أن يكون هنالك تحريك لقضية اللاجئين الفلسطينيين وأن نتجاوز الخطوات الأولى وأن يكون هنالك تحركات فعلية من أجل استعادة حق العودة وحق اللاجئ الفلسطيني المنهوب.

ليست هناك تعليقات: