الأحد، 8 أكتوبر 2017

التدخل التركي في أدلب ومستقبل الثورة السورية


بدأ الجيش السوري الحر بدعم من الجيش التركي عملية عسكرية في أدلب من أجل السيطرة عليها وانتزعها من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، ومحافظة أدلب هي المحافظة الوحيدة الخارجة بشكل كامل عن سيطرة النظام، وتعتبر أهم المعاقل المتبقية للثورة السورية.

العملية هذه تتم بتفاهم بين تركيا وروسيا وتستهدف بالدرجة الأولى إخراج جبهة النصرة، وهي الشقيق التوأم لداعش، ورغم أنها تحمل خطابًا أقل تكفيرًا وعدوانية من داعش إلا أنها من حيث الجوهر لا تختلف كثيرًا.

الانتقادات الموجهة للعملية:

توجه انتقادات ومزايدات للعملية على اعتبار أن هنالك تنسيق تركي روسي، وأن الأتراك يهدفون من العملية محاصرة الأكراد في عفرين ومنعهم من التمدد وليس دعم الثورة السورية، وأن هدف أي عمل عسكري يجب أن يكون إسقاط النظام وليس محاربة تنظيمات وفصائل ثورية؛ هذا مجمل الانتقادات والمزايدات الموجهة للعملية.

بغض النظر عن أهداف تركيا الخاصة من العملية فيجب أن نسأل عن مصلحة الثورة السورية، ويجب أن نسأل ما الذي أوصل الأمور لهذه المرحلة.

الرد على الانتقادات:


من الجيد التذكير بأن جبهة النصرة سيطرت بشكل شبه كامل على محافظة أدلب بفضل استهدافها لفصائل الثورة السورية من الجيش الحر وغيره خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وكل مرة كانت تهاجم فصيلًا وتستولي على سلاحه، حتى أجهزت على آخر فصيل وهو أحرار الشام.

وأحرار الشام محسوبون على السلفية الجهادية وهم أقرب التنظيمات فكريًا لجبهة النصرة، وهم أقدم فصائل الثورة السورية وكانوا أكبرها.

وفي كل مرة كانت جبهة النصرة تستفرد بفصيل ثوري كان البقية يحجمون عن محاربة النصرة، ويحاولون تسوية الأمور سلميًا لكن النصرة مثل داعش كان هدفها تصفية الجميع لتستفرد بالساحة.

فعند الاعتراض على التدخل التركي لإخراج جبهة النصرة من أدلب فلنتذكر مصير الباب وجرابلس ولنقارنه بمصير دير الزور والرقة وعين العرب وغيرها.

تركيا دعمت الجيش الحر في عملية درع الفرات لإخراج داعش من الباب وجرابلس، وهي مناطق اليوم تحت سيطرة الجيش الحر وحماية تركيا، بينما باقي المناطق سلمتها داعش للنظام السوري أو المليشيا الكردية بعد معارك خاطفة وسريعة، ولم يبقى لداعش سوى جيوب متناثرة على الحدود مع العراق.

نفس الشيء سيتكرر مع محافظة أدلب، دون التدخل التركي، فجبهة النصرة بعد أن استنزفت بحروبها العبثية ضد الفصائل الأخرى غير قادرة عن الدفاع عن أدلب، وكل انتصاراتها على الفصائل كان بسبب إحجام المقاتلين من خصومها على قتالها وليس بسبب قوتها.

بناء على ما سبق فمن حق فصائل الجيش الحر الاستعانة بالجيش التركي، بعد أن اعتدت جبهة النصرة عليهم وسلبت سلاحهم وطردتهم، ومن الواجب انقاذ محافظة أدلب من مصير مشابه للرقة أو حلب، فعلى الأقل لن يحصل تطهير عرقي كما يحصل في المناطق التي يحتلها النظام أو المليشيا الكردية.

صحيح أن الدعم التركي محدود ولن يتجاوز حدود أدلب أو مناطق شمال حلب، وربما في أحسن الأحوال ستتدخل تركيا من أجل طرد المليشيا الكردية من منطقة عفرين، لكن باقي العمل ملقى على فصائل الثورة السورية.

بدون تدخل تركيا في أدلب فيمكن قراءة الفاتحة على روح الثورة السورية وخلال عامين أو ثلاثة سيسيطر النظام على كافة سوريا، وستحصل عمليات تطهير عرقي كبيرة للعرب السنة يشبه ما حصل في فلسطين خلال نكبة عام 1948م.

مستقبل الثورة السورية:

لو كنت مكان فصائل الثورة السورية لاشتغلت باستراتيجية مختلفة، وركزت على مناطق سيطرة النظام، من خلال اعتماد حرب العصابات والعمليات النوعية سواء في المدن أو الأرياف والجبال.

فميزان القوى العسكري والتوازنات الدولية لا تسمح بحروب ومعارك مثلما كان يحصل سابقًا، بينما المفاوضات السلمية لن توصل لأي نتيجة.

فقط استنزاف الروس والإيرانيين في مناطق سيطرة النظام، سيضطرهم للخروج في نهاية المطاف، أما طالما هم آمنون والحرب تطحن السوريين وحدهم فسيبقون للأبد.

الاستفادة من تجربة حماس:

تركيا تستطيع التحكم فقط بما تقدمه من دعم للثورة السورية، لكنها لا تستطيع التحكم بإرادة الثوار، وتوافقها مع الروس على بعض القضايا لا يلزم الثورة السورية.

ولتوضيح فكرتي أنظروا الدعم الذي تقدمه تركيا لحماس في فلسطين، وأنظروا لعلاقاتها مع الصهاينة.
تركيا تدعم حماس في أمور محدودة، وبنفس الوقت لها علاقات مع الكيان الصهيوني، وهذا لا يمنع حماس من الاستفادة من الدعم التركي المحدود وفي نفس الوقت سياستها مستقلة عن الإرادة التركية.

وللعلم أردوغان نصح قادة حماس بعد انتخابات عام 2006م بالاعتراف بإسرائيل، لكنهم رفضوا نصيحته واتبعوا سياستهم الخاصة (وهم محقون في ذلك)، ورغم ذلك بقيت علاقتهم معه جيدة.

بكلام آخر لا يجب أن تكون محدودية الدعم التركي شماعة تلقى عليها تعثر الثورة السورية، يجب أن يكون للثوار السوريين سياستهم واستراتيجيتهم الخاصة مع الاستفادة من كل دعم ممكن.

في الختام:


عملية أدلب تعطي الثورة السورية عمرًا جديدًا لكنها لن تعطيها الانتصار الحاسم، فهذه مهمة الثوار في الميدان وحدهم.

ليست هناك تعليقات: