من هو
بشير الجميل؟ ولماذا اغتيل؟ ولماذا محاكمة قاتله اليوم؟
بشير
الجميل هو قائد ماروني مسيحي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وانتخب رئيسًا للبنان
لكنه اغتيل قبل تسلمه الرسمي لمنصبه في 14/9/1982م، بواسطة قنبلة زرعت في مقر حزب
الكتائب اللبناني الذي كان يتزعمه، فقتل هو و20 من قيادات وعناصر الحزب.
خلفية
تاريخية:
عندما
أسس الاستعمار دولة لبنان أراد منها أن تكون دولة للموارنة المسيحيين، وامتدادًا
لأوروبا، وبينما كان المسيحيون أغلبية في جبل لبنان أراد الفرنسيون تعزيز مساحة
دولتهم فضموا إليها مناطق مثل البقاع وطرابلس وصيدا، ذات الأغلبية المسلمة، مما
أدى إلى وجود توازن عددي بين المسلمين والمسيحيين.
لكن
توزيع المناصب السيادية في الدولة كان فيها انحياز للمسيحيين، فمجلس النواب مثلًا
أخذوا فيها كوتة أكبر من المسلمين.
منذ
بداية إنشاء دولة "إسرائيل" كان هنالك انحياز من تيار داخل الموارنة،
يطلق عليه "المارونية السياسية"، إلى جانب الصهاينة واعتبارهم حلفاء
محتملين في الصراع ضد الأغلبية الإسلامية في المنطقة العربية.
وعطلوا
إرسال لبنان قوة عسكرية مقدارها ألف جندي للمشاركة في حرب عام 1948م، قبل اندلاع
الحرب بأيام قليلة.
عندما
تدفق اللاجئون الفلسطينيون إلى لبنان، خلقوا أزمة للمارونية السياسية لأنهم تسببوا
باختلال الميزان الطائفي، كما أن مقاومتهم ضد الاحتلال الصهيوني المنطلقة من
لبنان، تعتبر تهديدًا لحلفائهم المحتملين الصهاينة.
وسبب ذلك
أزمات متتالية ونشأ تحالف بين المسلمين اللبنانيين (سنة وشيعة ودروز)
والفلسطينيين، لمحاربة العدو المشترك، فالمسلمون أرادوا تصحيح الظلم بتوزيع
السلطة، والفلسطينيون أرادوا ضمان حقهم بالمقاومة.
ورغم
الانقسام الإسلامي المسيحي، إلا أن قسمًا من المسيحيين ذوي التوجهات اليسارية
حاربوا في الجانب الآخر، رافضين التوجهات "الإنعزالية" للمارونية
السياسية.
وهذا قاد
إلى الحرب الأهلية عام 1975م وكان بشير الجميل أحد أهم قادة المليشيا المارونية،
وسعى خلال الحرب لتوطيد علاقات الموارنة مع الصهاينة.
لم تقتصر
جرائم الجميل على ما ارتكبه ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين المسلمين خلال الحرب
الأهلية، بل ارتكب مجازر ضد منافسيه من القادة الموارنة، خلال سعيه لتثبيت نفسه
قائدًا للموارنة في لبنان.
فارتكب
(على سبيل المثال) مجزرة إهدن والتي قتل فيها منافسه طوني فرنجية وزوجته وأطفالهما
الصغار وعددًا كبيرًا من أنصاره.
وخلال
الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م كان التنسيق بينه وبين شارون يتم بشكل شخصي،
ووعد الصهاينة بإبرام معاهدة سلام بعد تنصيبه رئيسًا للبنان.
اغتيال
الجميل:
بعد حصار
بيروت وإجبار منظمة التحرير على الخروج من لبنان، ووجود بشير الجميل رئيسًا
للبنان، بدت الأمور وكأن الصهاينة سيطروا على لبنان بشكل كامل وتام ونهائي.
لكن جاء
اغتياله بتاريخ 14/9/1982م، والذي كان ذريعة للمليشيا المارونية لارتكاب مجزرة
صبرا وشاتيلا بعد يومين من اغتياله، ليكون الضربة الأولى للمشروع الصهيوني.
وتلتها
عمليات المقاومة التي أجبرته على الانسحاب التدريجي وصولًا إلى الانسحاب النهائي
عام 2000م.
اعتقل
الشخص الذي زرع العبوة الناسفة في المقر، وهو حبيب الشرتوني في نفس اليوم، واستمر
مسجونًا حتى عام 1990م عندما أطلقت القوات السورية سراحه في نهاية الحرب الأهلية
اللبنانية.
وللمفارقة
فالشرتوني مسيحي ماروني، وكان عضوًا في الحزب القومي السوري، وهو حزب لبناني محسوب
على اليسار ويؤمن بدولة علمانية موحدة في سوريا الكبرى (بلاد الشام).
وكان
الدافع وراء الاغتيال طبعًا هو علاقة العمالة بين الجميل والصهاينة، وانتقامًا
للهزيمة التي تلقاها التحالف الفلسطيني - اللبناني (اليساري) ممثلًا بحصار بيروت
وخروج منظمة التحرير.
ما بعد
الحرب الأهلية:
انتهت
الحرب الأهلية بتعزيز السلطة للمسلمين، وزيادة أعضاء النواب المسلمين، وبسيطرة
فعلية لحلفاء سوريا على مفاصل الدولة (حزب الله وأمل والتنظيمات اليسارية).
وتلقت
المارونية السياسية هزيمة قاسية، لكن النظرة العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب
والمسلمين استمرت بين الموارنة، وأعيد تأهيل الكثير من قادة المارونية السياسية
(مثل ميشيل عون) ضمن تحالف الأقليات الذي تقوده سوريا بغلاف "محور الممانعة".
لماذا
الآن:
لا أعلم
الأسباب التي دعت لإعادة فتح ملف القضية وصولًا لإصدارقرار أمس الجمعة بإعدام المنفذين،
وللعلم فالشرتوني حر طليق وليس مسجونًا.
لكنها من
المفارقات العجيبة أن الدولة التي يسيطر عليها ما يسمى بـ "حلف
الممانعة"، ويمتلك فيها حزب الله نفوذًا كبيرًا، تأتي لتنتصر لعميل ومجرم حرب
مثل بشير الجميل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق