في اليومين الأولين لاختطاف الجنود الثلاثة كنت أضع بيني وبين نفسي
احتمال أن يكون الشباب الثلاثة قد هربوا أو أنهم مختبئون لأسباب شخصية، لكن مع
مرور الوقت تأكد لي بشكل قاطع بأن الأمر ليس إلا عملية خطف نفذتها المقاومة.
وربما دليلنا الوحيد هو ما يقوله الاحتلال ولعل هذا ما يدفع البعض
للتشكيك بالأمر ويخترعون نظرية مؤامرة جديدة، بأنه لا توجد عملية خطف وكل ما نراه
تمثيلية من أجل تبرير عملية واسعة النطاق ضد حركة حماس، ويستدلون لتأكيد صحة رأيهم
بأنه لا توجد جهة مقاومة فلسطينية أعلنت عن الخطف، فلماذا لم يعلن الخاطفون عن
أنفسهم؟
وأرد على طرحهم بالآتي:
أولًا: لماذا لم يعلن
الخاطفون عن أنفسهم؟ الجواب في رأيي بسيط وسهل ومنطقي، لأنهم تعلموا من دروس الماضي! كل عمليات الخطف
في الضفة كانت تكتشف بعد الإعلان عن الخاطفين، وحتى في حالة خطف شاليط فقد دفعت
حماس والمقاومة وأهل غزة ثمنًا لعملية الإعلان.
لو أراد الخاطفون التصرف باحترافية فسيؤجلون الإعلان عن العملية وعن
مطالبهم إلى أقصى قدر ممكن، فلماذا لا نقول أن تأخر الإعلان عن العملية هو جزء من
احترافية العمل؟ مجرد عدم الإعلان يربك الاحتلال ويصيبه بتخبط واضح للعيان.
ثانيًا: أما القول بأن
الخطف هو ذريعة للقيام بحملة ضد حماس، فقولوا لي بالله عليكم: هل توجد عملية
مقاومة ضد الاحتلال لن تواجه بعنف وبطش؟ على مقياسكم هذا فكل أعمال المقاومة ضد
الاحتلال هي مسرحية من أجل تزويد الاحتلال بذرائع.
هل تتوقعون أن يأتي اليوم ويخطف فيه جندي بدون انتقام الاحتلال؟ وهل
تتوقعون عملية مقاومة بدون أن يغضب الاحتلال؟
فمجرد وجود ردة فعل عنيفة من الاحتلال لا تعني أنها مسرحية على الإطلاق،
بل من الطبيعي أن تخرج من الاحتلال هذه الردة العنيفة لأنه قد أصيب بمقتل، ولأن
عملية الخطف هي محاولة لتغيير قواعد اللعبة في الضفة وسيكون لها تبعات عميقة جدًا،
والاحتلال يسعى للتخفيف من هذه الآثار السلبية (عليه) من خلال ردة فعل معاكسة
قوية.
الأمر الآخر الذي أود قوله هو "صح النوم" هل اليوم فقط اكتشفتم
أن أبناء حماس يتعرضون للاعتقال والمطاردة وتتعرض بنيتها للملاحقة والتدمير؟ هنالك
مخططات تنفذ وتطبق منذ عام 2005م ضد حماس، واعتقالات وملاحقات ومصادرة مؤسسات وكله
بالتنسيق الأمني المقدس بين الاحتلال والسلطة ضد حماس.
والاحتلال أعلنها منذ عام 2005م أنه لن ينتظر حماس لتقوم بعمل ما وسيبادر
إلى ضربات وقائية واستباقية وهذا ما يقوم به عمليًا بشكل دائم ودوري منذ ذلك
الوقت، وربما سمعتم بحملة جزّ العشب التي شنها الاحتلال قبل حوالي العامين في
الضفة الغربية ضد نشطاء حماس، والتي تباهى بها الاحتلال أنها استباقًا لأي نهضة
لحركة حماس.
ومنذ إضراب الأسرى والفعاليات التضامنية معها يتعرض نشطاء حماس للملاحقة
والاعتقال لدى سلطات الاحتلال وسلطة محمود عباس، وهذا قبل حصول العملية، ومن لم
يكن يتابع أخبار تلك الاعتقالات فليراجع أرشيف الصحافة، وسيلحظ أن هنالك طفرة
بالاعتقالات في الفترة التي سبقت خطف الجنود، فما دام الاحتلال استطاع التصعيد
أمنيًا ضد نشطاء حماس بدون وجود مخطوفين، فما حاجته للمسرحية المزعومة؟
ثالثًا: تداعيات العملية
على المجتمع الفلسطيني في الضفة كبيرة جدًا، من ناحية رفع معنويات الناس، وزيادة
إيمانهم بالمقاومة، وارتفاع عمليات المقاومة بكافة أشكالها المسلحة والشعبية (الحجارة
والزجاجات الحارقة)، وفي نفس الوقت يعاني المجتمع الصهيوني من هزة نفسية عميقة
وفقدان للثقة بالمؤسسة الأمنية الصهيونية التي طالما آمنوا بها.
فلو افترضنا جدلًا أن من خطط لهذه المسرحية المزعومة لم يحسب حساب هذه
الآثار السلبية على الكيان الصهيوني، فلماذا لا يفكر الآن بطريقة لإنهائها بعدما رأى
الأضرار والتداعيات؟ باستطاعة الاحتلال الزعم بأنه وجد المخطوفين الثلاثة وقتل
فلسطينيين والزعم بأنهم الخاطفين، وينهي هذه المسرحية التي أضرته، وهذا على افتراض
أنها مسرحية كما يزعمون.
رابعًا: ثم لنراجع التاريخ
فكم من عملية خطف نفذتها المقاومة؟ وكم من عملية تأخرت المقاومة بالإعلان عنها
لأسباب أمنية؟ وكم من مرة أعلن الاحتلال رسميًا (وضع ألف خط تحت الإعلان الرسمي) عن
عمليات خطف وتبين أنها كذبة من قبل السلطات والحكومة؟
لكي أذكركم لديكم عملية الخطف التي نفذتها خلية صوريف لجندي وقتله ودفنه
ولم تعلن عنه حتى ألقي القبض على أفراد الخلية واعترفوا بمكان وجوده تحت التعذيب،
ولولا لذلك لم تكن هنالك نية للإعلان عنه أصلًا.
ومثال آخر هو العمليتين الاستشهاديتين في سوق محنية يهودا وشارع بن يهودا
بالقدس المحتلة عام 1997م، والتي نفذها خمسة استشهاديون من كتائب القسام، حيث لم
تعلن الكتائب وقتها عن مسؤوليتها عن العملية ولا حتى أسماء المنفذين الذين بقوا
مجهولين لأكثر من عامين، عملت خلالها مخابرات الاحتلال والسلطة على الإشاعة بأنها
عملية وهمية وأنها من تدبير جهات "إسرائيلية" وغير ذلك من أساليب الحرب
النفسية.
فالاختطاف أضر بالاحتلال ورفع رصيد المقاومة، أما حماس فهي مستهدفة
باختطاف وبدونه، كما أن هنالك أسبقيات مشابهة قامت بها المقاومة، فماذا تريدون بعد
ذلك؟ خفوا علينا شوي!!
هناك تعليق واحد:
والسؤال المطروح ، إلى أي مدى تستطيع المقاومة ومعها الشعب الصمود أمام الهجمة الشرسة للمحتل والسلطة ، فإن عدت هذه المحنة ، إن شاء الله ستكون خطوة نحو تحرير الضفة وليس فقط تحرير الاسرى ، إن شاء الله
إرسال تعليق