بناءً على نصيحة من أخي ساري عرابي سأسمي المصالحة بمسماها الحقيقي، لأن ما
يجري ليس مصالحة حقيقية ومخطئ من كان يتأمل أن تكون كذلك.
سأقوم بشرح ما يجري الآن تحت مسمى المصالحة حتى نفهم ما يجري وحتى يعرف كل
امرء ما يستطيع تقديمه، وبعدها لكل واحد منا الحرية بتقييم هذه المرحلة وكيفية التعامل
معها:
أولًا: حماس في غزة وجدت نفسها
وحبل المشنقة يلتف حول رقبتها، بعد أن قطعت حبل الود مع إيران (المزود المالي الأول
لحكومتها) بسبب الثورة السورية والمزايدات عليها وأمل لم يكن في محله بأن تنتصر الثورة
على النظام بسرعة.
كما ساهم في خنقها الثورة المضادة في مصر والتي توجهها وتخطط لها أمريكا،
والتي تريد أن تستدرك ما فاتها تحقيقه أيام مبارك، ألا وهو القضاء على حماس في غزة.
ثانيًا: حماس وجدت المصالحة
فرصة لتزيح عنها كاهل حكومة غزة لتتمترس وراء قوتها العسكرية ولتحمي نفسها من موقع
المقاومة، ولتتحمل السلطة عبء إدارة الحياة اليومية للقطاع.
ثالثًا: إذن ما يجري هو استلام
وتسليم للحكومة في غزة ليس أكثر، مع إجراءات شكلية في الضفة والقطاع لتخفيف المناكفات
بين الطرفين.
رابعًا: في الضفة خففت السلطة
حوالي 10% من إجراءات القمع ضد حماس، وهي التي كانت تحصل بسبب "الانقسام"،
لكن الـ90% الأخرى ما زالت مستمرة كونها تخضع للتنسيق الأمني مع الاحتلال.
خامسًا: محمود عباس توجه للمصالحة
بعد انسداد الأفق في التفاوض مع الاحتلال، ويريد تقوية جبهته الداخلية حتى يستطيع أن
يفاوض ويقاوم الضغوط بموقف أفضل نسبيًا.
لكنه غير مستعد لتجاوز الخطوط الحمراء، ولهذا قال أن التنسيق الأمني مقدس،
فهو فقط يريد التصعيد تحت سقف الشروط الصهيونية والأمريكية، دون القيام بأي فعل يغضب
الأمريكان.
لهذا نرى كل التهديدات الصهيونية والأمريكية ضده لا تخرج عن إطار التصريحات
الإعلامية ولا تترجم إلى واقع.
مسيرات نصرة الأسرى في الخليل |
سادسًا: رغم ما سبق إلا أننا
شهدنا انتعاش لوضع حماس في الضفة نتيجة تخفيف الإجراءات القمعية بنسبة 10%، ونتيجة
كسر حاجز الخوف لدى الكثير من أبناء الحركة، وأصبحنا نرى مسيرات دعم الأسرى في أغلب
مناطق الضفة وتحدٍ للأجهزة الأمنية.
سابعًا: أما بالنسبة للقضية
الفلسطينية فعباس يريد غطاء من حماس لكي يفاوض ويتنازل باسم الشعب الفلسطيني، وهو يحاول
ذلك بينما حماس تصرح ضد ذلك.
ثامنًا: المصالحة تتجاهل بقية
الشعب الفلسطيني، باستثناء كلام عن إعادة تشكيل منظمة التحرير، وحسب وتيرة عمل السلطة
فإعادة تشكيل المنظمة "قصتها طويلة كثير".
والخطأ التاريخي الذي ارتكب منذ أكثر من 25 عامًا كان ترك مهمة محاربة المشروع
الصهيوني على اكتاف فلسطيني الضفة وغزة، والاكتفاء بالدعم الإعلامي والمادي والدعاء
لهم، وهذا أثقل كاهلهم بما يفوق قدرة أي بشر على الاحتمال.
والمصالحة لم تصحح هذا الخطأ ولم تتطرق إليه من قريب أو بعيد.
تاسعًا: بناء على ما سبق فأمام
حماس الآتي:
أ- في قطاع غزة: يجب الاستعداد للحظة الصدام مع عباس والسلطة عمومًا
لأن سلاح المقاومة مستهدف، وعباس لا يعمل من أجل نفسه ولا يخطط بنفسه، هو يعمل من أجل
الاحتلال، وأمريكا والكيان الصهيوني يخططان له.
وبعد الحكومة سيكون سلاح المقاومة هو الهدف وتوقعوا أخبث وأذكى الخطوات ضد
سلاح المقاومة، ولا تفترضوا أسهل المواقف.
ب- في الضفة: بغض النظر عن السبب والأسباب هنالك نافذة فتحت لحماس
يجب أن تستغلها أفضل استغلال ليعود احتكاكها مع الجماهير ومع الشباب الفلسطيني في الضفة.
ومع موجة إضراب الأسرى قد تستطيع توجيه الأوضاع نحو انتفاضة ثالثة، مستغلة
صلف وعنجهية الاحتلال الصهيوني الذي لم يترك أمام الناس مجال للتفكير إلا بالمقاومة.
ج- في الخارج: في ضوء الإنشغال العربي بالثورات والثورات المضادة،
وفي ظل حقيقة أن الإطاحة بعسكر مصر وسوريا يحتاج لسنوات، يتلوها عشر سنوات على الأقل
من أجل إعادة بناء البلدين (وبالأخص سوريا) ويتلوها فترة استعداد لمحاربة الكيان الصهيوني.
نجد أنفسنا أمام محيط عربي غير مستعد وغير راغب وغير قادر على محاربة الكيان
الصهيوني، مما يفرض على فلسطينيي الشتات الإنخراط بشكل مباشر في محاربة الكيان الصهيوني،
ومرة أخرى التضامن الإعلامي والجماهيري لا يكفيان مطلقًا.
د- على مستوى المفاوضات: إن أراد عباس استغلال المصالحة ليقوي نفسه
أمام الأمريكان والصهاينة فلا مشكلة في ذلك.
لكن عندما يستغلها من أجل تمرير التنازلات فيجب أن يكون لحماس ردة فعل حاسمة،
والقبول ببقاء المالكي وزيرًا للخارجية هو مؤشر سلبي من حماس، يجب أن تستدركه حتى لا
ينفرد عباس بالقرار الفلسطيني كما هو الحال منذ توليه رئاسة السلطة، ومنذ أيام سلفه
ياسر عرفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق