من أخطر أشكال تزييف الوعي التي أخشاها هو
نسبة أي تغيير قادم في المنطقة العربية إلى قوى خفية تدير المشهد من وراء ستار.
فقد قرأت كلامًا كثيرًا في الأيام الأخيرة
بعضه تكهنات لا أصل لها، وبعضه هراء محض؛ مثل الكلام عن تغيير قادم مع الملك
السعودي الجديد، ولا أدري على أي أساس سوى تمنيات البعض، ومثل أن "أمريكا
قررت إعادة الإخوان إلى المشهد".
هنالك مؤشرات لكنها ما زالت أولية على
هجمة مضادة تقوم بها الثورات ضد الثورات المضادة، مع التأكيد مرة أخرى أنها ما
زالت أولية وربما نكتشف أن بعضها كان مجرد أملًا كاذبًا.
فالانطلاقة الثورية الجديدة في مصر،
والانعطافة نحو المقاومة الشعبية المسلحة، وبدء الأمور بالانقلاب ضد الحوثيين في
اليمن، وعودة الثوار إلى تحقيق الانتصارات في سوريا، وبوادر انتفاضة خجولة في
الضفة، كلها مؤشرات على تغيير قادم، بشرط الاستمرار والتطور في الأيام والأسابيع
القادمة.
لكن من الخطيئة الكبرى أن ننسب هذه
التغيرات إلى أيادٍ خفية "تعيد ترتيب المنطقة"، لأنها ليست كذلك ولا
تسير الأمور في الواقع هكذا، وهذه من طوام التي جلبها علينا صحفيو وكتاب البلاط،
الذين يظنون أن الحياة لا تحركها إلا القوى العظمى "أحجار على رقعة
الشطرنج".
هنالك أناس يتحركون ويضحون بحياتهم على
الأرض ليحققوا أهدافًا يؤمنون بها، وهم بالآلاف وعشرات الآلاف، وينتمون لتيارات
وأفكار شتى، ويشتغلون تحت لافتات شتى، وكل يعمل وكل يحصد بقدر ما يعمل، وهذه حقيقة
لا يدركها إلا من عاش بالميدان، ولهذا كانت أفضل الكتابات في علم السياسة لمن
مارسها قبل أن يكتب مثل ابن خلدون وميكافيللي.
لذا فتحول هذه المؤشرات إلى تغيير حقيقي
على الأرض وهجوم مضاد ناجح ملقى على عاتق من يعمل في الميدان، لا من يحلم وينتظر
تغيرات تقوم بها أيد خفية.