الثلاثاء، 5 مايو 2020

إغلاق المساجد: ولهم في أنور خوجة قدوة


ألبانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة الواضحة (70% تقريبًا) وللمفارقة كان الشعب الألباني من أكثر شعوب البلقان مقاومة للفتوحات العثمانية، إلا أنه بعد اعتناق غالبيته الإسلام احتلوا الكثير من المناصب العليا الإدارية والعسكرية في الدولة العثمانية التي أصبحت تعتمد بشكل كبير عليهم في الحكم والإدارة (كان الألبان يسمون وقتها الأرناؤط)، ومن أشهرهم عربيًا والي مصر محمد علي باشا.

بعد هزائم الدولة العثمانية وإخراجها من أوروبا استطاع الألبان الحفاظ على استقلالهم ومنعوا ضم بلدهم إلى دول أوروبية أخرى مثل اليونان وصربيا، وأعلن عن استقلال ألبانيا عام 1913م.

خلال الحرب العالمية الثانية احتلت إيطاليا ألبانيا عام 1939م وواجهتها جبهة مقاومة من كل المكونات السياسية، إلا أنه بعد الحرب انفرد الحزب الشيوعي بالحكم بقيادة أنور خوجة والذي حكم بقبضة حديدية منذ عام 1945م حتى 1985م.

كان خوجة شيوعيًا متزمتًا حارب كل من اعتقد انحرافه عن الشيوعية، حتى أنه قاطع الاتحاد السوفياتي ثم الصين لأنهم انحرفوا عن الشيوعية كما كان يقول.


كما حارب الإسلام تحت ذريعة محاربة التقاليد البالية ووصل الأمر به إلى هدم جميع المساجد أو تحويلها لمخازن للأعلاف، وكما تقول احدى الروايات لم يبقى في ألبانيا سوى 4 مساجد حولها أنور خوجة إلى متاحف.

ومنع خوجة الناس تسمية أطفالهم بأسماء عربية وأعلن عن الإلحاد الديانة الرسمية والوحيدة في ألبانيا، لتكون البلد الوحيد في تاريخ البشرية الذي يتبنى الإلحاد ديانةً رسمية.

الذين نفذوا القوانين كانوا مسلمين "شكلًا"، من النوعية التي لا نصفها بالمرتدين حتى لا يقال عنا تكفيريون، وأكثر البلد مسلمين لكنهم سلموا أمرهم للديكتاتور بطريقة أو أخرى، ولا شك أن الغالبية لم يعجبهم ذلك وبعضهم قاوم وسجن وعذب.

اتخيل أن الكثير من أهل الدين وعامة الألبان استسلموا للأمر الواقع، واقنعوا أنفسهم أن الدين في القلب وأنه لن يضرهم هدم المساجد، وكما يروى خبأ الكثير منهم المصاحف والكتب العربية داخل جدران وأسقف منازلهم حتى يتحاشوا العقاب.

استمرت سياسة محاربة الدين حتى سقوط الشيوعية قبل ثلاثين عامًا، ونتج عنها أجيال من الشعب الألباني لا يعرفون الكثير عن دينهم ولا يمارسون طقوسه أو شرائعه، وما زالت آثار التجهيل ومحاربة الدين واضحةً حتى يومنا هذا رغم تحسن الأوضاع قليلًا وانتشار الدعوة والتوعية الدينية.

خبأوا مصاحفهم بدل اتلافها لإيمانهم بأنهم سيحتاجونها لكن عندما وجدها أبناؤهم وأحفادهم لم يعرفوا استخدامها، اقنعوا أنفسهم أنها غمامة وستزول فإذا هي طوفان يجرف أسس الدين والعقيدة.

ألبانيا اليوم هي أفقر دولة في أوروبا وتعيش على هامش العالم الإسلامي بعد أن كان أبناؤها من صناع القرار في الدولة العثمانية أيام قوتها.

الحرب على المساجد في دولنا العربية بدأت منذ سنوات تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ورغم أن إغلاقها الأخير كان اضطرارًا بسبب كورونا وليس دائمًا، إلا أن بعض الحكام والمسؤولين (وليس كلهم حتى نكون موضوعيين) لديهم نفس نظرة أنور خوجة تجاه المساجد.

لا يستطيعون إغلاق المساجد كما فعل خوجة، لاعتبارات كثيرة، إلا أن سكوت الناس واستسلامهم سيشجعهم أكثر وأكثر، كما سيشجع أسيادهم الصهاينة على المزيد من الاستيلاء على مقدساتنا (بالأخص المسجدين الأقصى والإبراهيمي) وسلب أرضنا.

فلا يغرنكم القول بأن الإيمان في القلب فمتى استسلمت للظالم فلن يتوقف ولن تتوقف تنازلاتك إلا عندما تقرر المواجهة، ولا تسمحوا لحسن الظن بالمجرمين أن يتسلل لداخل نفوسكم، كما أحسن بعض الألبان الظن بخوجة واعتقدوا أنه سيحارب فقط "فايروس" التقاليد البالية.

ليست هناك تعليقات: