كان مخطط
الاحتلال منذ الانسحاب من غزة عام 2005م، تقسيم مناطق السلطة إلى: فتحستان في
الضفة حيث تهيمن حركة فتح والتي يعتبرها الاحتلال الأكثر رخاوة، بينما تقوم
حماستان في غزة، وتنشغل السلطة في صراع مع حماس من أجل استعادة القطاع. وهكذا
كانت أحداث الفلتان ثم الانقسام ثم الحصار في غزة، بينما تعاونت السلطة والاحتلال
على مسح أي أثر لحماس من الضفة الغربية.
وللأسف
سار المخطط بسلاسة، ووقعت حماس بالفخ عندما قبلت بتغييبها عن ساحة الضفة بعد أحداث
الانقسام، ووقع الرأي العام الفلسطيني والعربي أيضًا بالفخ عندما تبنى الصور
النمطية التي تقول بأن غزة لحماس والضفة لفتح.
أدى
استفراد فتح بالساحة السياسية والأمنية بالضفة إلى إضعاف روح المقاومة ومحاصرتها،
صحيح أن الوعي الشعبي كان أقوى من كل محاولات غسيل الدماغ وإزالة روح المقاومة،
لكن سياسة السلطة كان لها أثرها السلبي والذي نلمسه اليوم.
وتنبهت
حماس منذ عدة أعوام لخطر هذه المعادلة، وتحاول بشكل متكرر العودة للنشاط في الضفة
الغربية، سواء من خلال أنصارها أو من خلال إعادة بناء هيكلها التنظيمي، ولعل من
المحاولات الريادية حملة "من حقي أن أصلي في الأقصى" والتي أطلقها قادة
حماس في رام الله عام 2013م (جمال الطويل، وحسين أبو كويك، وفرج رمانة).
لعبت
خلايا القسام في الضفة دورًا مهمًا في إعادة الاعتبار لخيار المقاومة المسلحة في
الضفة، مثل خلية سلواد، وخلية عملية ايتمار التي كانت شرارة انتفاضة القدس، لكن
كانت المشكلة قصر عمر هذه الخلايا بسبب المنظومة الأمنية الخانقة التي نجح
الصهاينة في بنائها بالتعاون مع السلطة.
وجاءت عملية
نابلس الأخيرة التي نفذتها خلية جنين لتكسر هذه الحلقة البائسة، واستطاعت الخلية
النجاة من أول اختبار وضربت منظومة الاحتلال الأمنية في صميم.
كما لعبت
الكتل الإسلامية في جامعات الضفة دورًا هامًا في الحراك الشعبي بداية انتفاضة
القدس، وبالأخص جامعات بيرزيت والنجاح وأبو ديس وخضوري والبوليتكنك والخليل.
ونظمت
حماس في السنوات الأخيرة نشاطات جماهيرية ومسيرات لمواجهة الاحتلال في مناسبات عدة
مثل التضامن مع الأسرى وانتفاضة القدس وتنديدًا بخطاب ترمب، لكن كانت دومًا تواجه
بثقل الماضي والانقسام وتردد الناس عن التفاعل معها.
تثبت
خلية جنين الحاجة الماسة لعودة حماس بقوة لساحة الضفة الغربية، حتى تستطيع تحريك
المياه الراكدة، فالرغبة بمقاومة الاحتلال موجودة لكن لا توجد عناوين.
الرغبة
بمقاومة الاحتلال نلمسها في تزايد عمليات المقاومة الشعبية والمواجهات في الأعوام
الأربعة الأخيرة، ونلمسها في مئات العمليات الفردية التي كان بعضها مميزًا وقويًا
والكثير منها كانت تنقصه الخبرة والتوجيه.
هنالك
أمور عدة مطلوبة لكي تندفع عجلة المقاومة في الضفة بشكل أكثر قوة:
أولًا: كسر
معادلة حماستان في غزة وفتحستان في الضفة، فيجب أن يحرص أبناء حماس، وكلامي موجه
للمؤيدين والمناصرين قبل التنظيم، أن يكونوا في دائرة الفعل والعمل بالضفة لكسر
احتكار فتح للساحة السياسية.
وهذا لن
يأتي بلا ثمن بكل تأكيد وبحاجة لجهاد ومجاهدة نفس واستعادة ثقة بالنفس، والخروج من
دائرة العجز والاستسلام للواقع السيء.
ثانيًا: هنالك
حاجة من أجل إسناد مقاومة الشعب الفلسطيني عربيًا، ليس من خلال التبرعات فحسب بل
أيضًا من خلال الفعاليات الجماهيرية المناهضة للاحتلال وأمريكا.
وللأسف
هنالك ثقافة سلبية تسخف من هذه الفعاليات، دون أن تطرح أي بديل.
فأقل ما
تقدمه هذه الفعاليات الجماهيرية هو الدعم المعنوي لشباب الضفة الغربية في مواجهة
الاحتلال، حتى لا يشعروا أنهم لوحدهم، وحتى لا يشعروا أنهم يقاتلون وحدهم.
ثالثًا: هنالك
حاجة لتصعيد عمليات المقاومة، فعندما توجد خلية واحدة يلاحقها الاحتلال فهي تحارب
في بيئة مستحيلة، لكن عندما توجد عدة خلايا عاملة، فجهود الاحتلال ستتشتت وتضيع
على أكثر من جبهة.
ولا
أتكلم عن المقاومة المسلحة فقط، بل للمقاومة الشعبية دورها في استنزاف الاحتلال
وتشتيت جهود مخابراته.
هذه
الأمور المطلوبة جماهيريًا أما ما هو مطلوب من التنظيمات فهو شيء آخر ربما أتكلم
عنه لاحقًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق