للمرة
الثانية يشارك سوريون يزعمون أنهم من المعارضة والثورة السورية في لقاءات تطبيعية،
في الأولى بمؤتمر هرتسيليا وهذه المرة بتل أبيب، وانتشر الفيديو عندما تصدى لهم
شبان فلسطينيون في جامعة تل أبيب.
وسألني
الكثير عنهم وعن موقف الثورة السورية من التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وهنا من
الضروري الإشارة إلى أنه لا يوجد جسم واحد يمثل الثورة السورية وهنالك تشرذم كبير
في الفصائل السياسية والعسكرية، وذلك بسبب غياب الحياة السياسة عن الساحة السورية
منذ أكثر من خمسين عامًا مما أدى لفوضى في التمثيل واتيحت الفرصة لعدد من
الطفيليات التسلق وإدعاء تمثيل الثورة السورية.
لذا
سأجيب عن الأسئلة التي تجول في عقل الكثيرين من الفلسطينيين والعرب حول مؤتمر
التطبيع والثورة السورية بشكل عام.
أولًا:
المشاركون في المؤتمر وغيره لا يمثلون تنظيمات سياسية أو عسكرية ثورية معروفة،
وأغلبهم (إن لم يكن جميعهم) يتحركون بشكل شخصي، حتى لو زعموا أنهم يمثلون تنظيمات
هي في الحقيقة وهمية غير موجودة على الأرض.
ويجمعهم
أنهم ينتمون للتيار العلماني ويحاولون التملق للغرب من أجل نيل الدعم الأمريكي،
ويحاولون تقديم هذه الخدمات التطبيعية لكي ترضى عنهم أمريكا، وتعيّنهم "قادةً
للشعب السوري"؛ مثلما فُرِض محمود عباس والسيسي "قادة" بقوة أمريكا
والكيان الصهيوني.
كان هذا
ملخص أحلام هذه الفئة وأوهامهم.
ثانيًا: موقف
الكيان الصهيوني من الثورة السورية هو خوفه من التيار الإسلامي الذي يشكل الثقل
الأكبر في هذه الثورة، وتفضيله استمرار الصراع وعدم حسمه لكي يستنزف الطرفان
نفسيهما (النظام وحلفاؤه من جهة والثوار من جهة أخرى).
والصهاينة
يحاولون مد نفوذهم من خلال تقديم مساعدات "إنسانية" شكلية في المناطق
الحدودية، كما يحاولون اختراق دروز سوريا بالاستعانة بدروز فلسطين، وذلك من أجل
إيجاد قدم لهم في سوريا.
كما
يرحبون بزيارات الفئة التطبيعية ليس أملًا في إيجاد مكان داخل سوريا، لأنهم يدركون
أن لا وزن لهم إطلاقًا داخل سوريا، وإنما حتى يشجعون المطبعين من كافة أنحاء الوطن
العربي السير على خطاهم.
وأخيرًا
هنالك تنسيق روسي صهيوني تام بما يخص سوريا، والصهاينة يدعمون الاحتلال الروسي
لسوريا، ويفضلونه على الاحتلال الإيراني الشيعي، لأنهم يعتبرون الروسي صديقًا يمكن
الوثوق به، ويمكنه تحجيم خطر الإسلاميين (سنة وشيعة).
وتحسنت
علاقة الطرفين الصهيوني والروسي مؤخرًا، وقد ساند الروس الكيان الصهيوني في تصويت
بالأمم المتحدة حول تقديم شكاوى ضد الكيان الصهيوني بما يخص انتهاكات حقوق الإنسان.
ثالثًا: أما
السؤال الدائم الذي يوجه لي هو أي الأطراف تمثل الثورة السورية وأي الفصائل يمكن
اعتبارها فصائل شريفة تمثل الشعب السوري.
لا أريد
تقديم أي دعاية لأي فصيل سوري ولا أرى مستقبل سوريا بيد فصيل واحد أو لون واحد، بل
المقياس عندي هو: من يريد الإطاحة بالأسد وتسليم القيادة لإرادة الشعب السوري، بغض
النظر عن أخطائه هو الذي يمثل الثورة السورية، وما عدا ذلك فهو إما مرتزق أو صاحب
أجندة حزبية مرفوضة.
في سوريا
هنالك معارضة سياسية ومعارضة عسكرية، ورأينا مؤخرًا بعض الفصائل العسكرية تنشئ
أجنحة سياسية لها.
1)
المعارضة
السياسية أغلبها موجود خارج سوريا، قسم منها علماني ليبرالي وقسم آخر إسلامي،
وتأثيرها على الأرض ضعيف جدًا، والقسم الأكبر منها ليس سيئًا.
2) المعارضة
المدجنة، أو ما يطلق عليها معارضة موسكو أو معارضة القاهرة، وهي معارضة تابعة
للنظام، ويستخدمها من أجل اختراق الثورة السورية والتخريب عليها، وهي تعادي التيار
الإسلامي أكثر من عدائها المزعوم للنظام.
3) الفصائل المسلحة: ولا
يمكن تعميم صفة واحدة عليها وسأحاول هنا تصنيفها إلى فئات حتى نفهمها بشكل أكبر:
أ) الفصائل
الإسلامية المعتدلة: وأكبرها فيلق الشام (إخوان مسلمون)، وجيش الإسلام (سلفية
معتدلة)، والجبهة الشامية (فكر إسلامي وسطي)، وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما
أمرت، ونور الدين زنكي، وصقور الشام، وغيرها الكثير.
وبالنسبة
لي فهذه التنظيمات أراها التي تمثلني لأنها الأقرب لإرادة الشعب السوري (الإطاحة
بالأسد وتسليم الشعب للحكم) ولأنها تتبنى الفكر الإسلامي الوسطي بكافة تنوعاته.
وهذا لا
يعني أنها بلا أخطاء، فلا أحد على وجه هذه الأرض بلا أخطاء، لكنها أخطاء من النوع
الذي يمكن احتماله.
ب) حركة
أحرار الشام: وهي أكبر الفصائل الثورية المسلحة على الإطلاق، وأقدمها
بالتأسيس، وهي تمثل حالة فريدة.
فالقادة
المؤسسون للحركة مثل حسان عبود (أبو عبد الله الحموي)، وأبو يزن الشامي، وأبو خالد
السوري، كانوا من السلفية الجهادية، وبعضهم كان مقربًا من أسامة بن لادن مثل أبو
خالد السوري.
فبداية
أحرار الشام كانت سلفية جهادية إلا أن قادتها قاموا بمراجعات فكرية، بشكل متزامن
مع استفحال ظاهرة داعش، وتخلوا عن السلفية الجهادية وتبنوا فكرًا إسلاميًا قريب من
التيار الوسطي.
وهذا أدى
لشرخ داخل الحركة ما زال موجودًا حتى اليوم، واغتيل القادة المؤسسون في عدة حوادث
غامضة، وأصابع الاتهام موجهة إلى تنظيم داعش.
ورغم
أنها الفصيل الأكبر إلا أنها تعاني من انقسام يشلها في أكثر المواقف الحاسمة، بين
تيار مقرب من السلفية الجهادية وآخر معتدل، لهذا رفضت المشاركة في قتال داعش أو
درع الفرات، ووافقت على الهدنة لكن رفضت المشاركة في مفاوضات الإستانة.
كما عطلت
أغلب مشاريع الوحدة بين فصائل الثورة السورية، إرضاء لجبهة النصرة التي ترفض
مشاركة فصائل تعتبرهم مرتدين وصحوات.
ولي عودة
بمقال منفصل عن أحرار الشام وأزمتها المزمنة وغدر حليفتها جبهة النصرة بها في
الأيام الأخيرة.
ج) جبهة
النصرة والفصائل السلفية الجهادية: التي تدور في فلكها مثل جند الأقصى ولواء
اليرموك، وهي فصائل قريبة من داعش وجبهة النصرة.
هذه الفصائل
لا تؤمن بالثورة السورية وتؤمن بإنشاء إمارة إسلامية في سوريا، ولم تتوانى عن
محاربة غيرها من الفصائل المسلحة التي تحارب النظام، سواء كانت من الإسلامية
المعتدلة أو الجيش الحر أو حتى حركة أحرار الشام الأقرب لها فكريًا.
ولها دور
في محاربة النظام الأسدي لكن كثرة الفتن الداخلية التي أثارتها هذه الفصائل تجعل
سيئاتها أكثر من حسناتها.
د) الجيش
الحر: وهي عبارة عن عدد كبير جدًا من الفصائل والتنظيمات المتفاوتة الحجم،
وعكس ما يشاع عن الجيش الحر فهو ليس علمانيًا بل أغلب فصائله لا تحمل فكرًا معينًا
وليست مؤدلجة، وهمّ هذه الفصائل هي الإطاحة بنظام الأسد.
وأبرز
تواجد لهم ضمن ما يعرف بالجبهة الجنوبي الموجودة في درعا وما حولها.
تعرضت
بعض فصائل الجيش الحر لضربات قاصمة من جانب داعش وجبهة النصرة وهذا أضعف الثورة
السورية بشكل كبير.
بعض
الفصائل الإسلامية المعتدلة تنسب نفسها للجيش الحر مثل فيلق الشام لكن فصلتها في
هذا الموضوع من أجل فهم أفضل للوضع في سوريا.
هـ) تنظيم
داعش: وهو لا يؤمن بالثورة السورية بل كان وبالًا عليها، وارتكب مجازر بحق
الثوار أكبر مما ارتكبه بحق النظام، واستنزف أحرار الشام والجبهة الشامية بشكل خاص.
ولا أحد
يصنفه على أنه من فصائل الثورة.
و) المليشيا
الكردية: التابعة للاتحاد الديموقراطي بزعامة صالح مسلم، وهو بالأصل تنظيم
تابع للنظام السوري وامتداد لحزب العمال الكردستاني (الموجود في تركيا)، واستغل
الثورة من أجل إقامة مشروعه الانفصالي، وهو حاليًا من أوثق حلفاء أمريكا داخل
سوريا.
واستغل
اضطهاد بعض فصائل الجيش الحر على يد جبهة النصرة من أجل ضمها ضمن ما يعرف بقوات
سوريا الديموقراطية، وهي قوات تابعة لأمريكا وغالبيتها من المليشيا الكردية.
وعلاقة
المليشيا الكردية مع النظام السوري متأرجحة، متحالف معه في بعض المناطق، ويحاربه
في مناطق أخرى.
في
الختام:
مهما
تعددت الفصائل والقوى السياسية في سوريا، فنحن ندعم من يريد إعادة الحكم إلى يد
الشعب السوري بغض النظر عن المسميات واللافتات.
كما أن
النظام السوري يتحمل مسؤولية كل الطوام والجرائم لأنه هو الذي انتج هذه البيئة
وهذه الحرب المجنونة.
والفصائل
السورية السياسية والعسكرية بكل سيئاتها أفضل من النظام، باستثناء داعش والمليشيا
الكردية والأفراد المطبعون مع الكيان الصهيوني، فهم يتساوون مع النظام بالسوء
والقذارة.
هناك تعليق واحد:
ماذا عن وحدة سوريا وهل هي أمر مهم؟ يمكن لأي من الفصائل والقوى السياسية أن يقيم دولة يحكمها شعبها في المناطق التي يسيطر عليها ويستطيع الدفاع عنها، وأن يستقبل اللاجئين من المناطق التي يسيطر عليها الأسد والعائدين من الخارج، وأن يضم مناطق خارج حدود الدولة المستقلة الديمقراطية الناشئة إذا رغب سكان تلك الدول أو المناطق والفصائل المسيطرة عليها وتعاونوا على حمايتها. ويمكن لهذه الدولة الانضمام إلى منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة، ويمكنها إبراز نموذج لحكم عربي ديمقراطي يرفض الإرهاب التنظيمي والدولي ويحترم حقوق الإنسان.
أما إن كانت وحدة سوريا أمرا مهما فلن تتحقق فقط بالإطاحة بالأسد وتسليم القيادة للشعب السوري بل لا بد من استعادة الجولان. وتجاهل الجولان هو نوع من اعتبار وجودها خارج سوريا أمرا طبييعيا، فهو تطبيع للاحتلال.
إرسال تعليق