قد يبدو الاهتمام
والاحتفال بفوز الكتلة الإسلامية بانتخابات طلابية أمرًا مبالغًا به، وخاصة أنها ذات
طابع نقابي وتمثل فئة اجتماعية محدودة، فما الذي يعطي انتخابات مجالس الطلبة في الضفة
الغربية هذا الاهتمام؟ وما المميز في انتصار الكتلة الإسلامية؟
خصوصية انتخابات مجالس الطلبة:
أولًا: مقياس قوة التنظيمات
السياسية؛ تاريخيًا قبل إنشاء السلطة كانت مجالس الطلبة هي الميدان الوحيد لفحص واختبار
شعبية الفصائل الفلسطينية، حيث كان الاحتلال قد عطل انتخابات البلدية وعين مجالس يرأسها
ضباط من الإدارة المدنية أوائل الثمانينات، بينما كانت (وما زالت) النقابات المهنية
تحمل طابعًا نقابيًا وشخصيًا أكثر من البعد السياسي.
ولعدم انتظام انتخابات
المجلس التشريعي (قاطعته حماس عام 1996م)، فتعتبر انتخابات مجالس الطلبة المعيار الوحيد
المنتظم لقياس شعبية واقتناع الشارع بالفصائل الفلسطينية.
وتتميز انتخابات مجالس
طلبة الضفة بأن البعد السياسي مهيمن عليها ووجود تنافسية عالية بين الفصائل، بحيث أن
تقلبات الوضع العام تؤثر على النتيجة.
بينما في مجالس طلبة
غزة الأمور محسومة بسبب تكوين الجامعات، فالجامعة الإسلامية محسوبة على حماس وأغلب
طلابها من مؤيدي الحركة، وجامعة الأزهر محسوبة على فتح وأغلب طلابها من مؤيديها، وبالتالي
رغم إجراء انتخابات مجالس الطلبة في الجامعة الإسلامية بشكل منتظم (آخرها كان الشهر
الماضي) لكنها لا تحظى باهتمام كون نتائجها لا تعطي مؤشرات على تغيرات مزاج الشارع
الفلسطيني.
كما لا نجد اهتمام
بانتخابات النقابات المهنية، حيث حققت مؤخرًا حماس تقدمًا ملحوظًا في نقابة المهندسين
بالضفة الغربية (بالأخص في فرع نابلس)، بينما فازت فتح بنقابة المحامين بالضفة وغزة؛
وذلك لأن البعد السياسي أقل من الأبعاد الأخرى وأيضًا لأن النقابيون من أبناء حماس
يتحرجون من الترشح باسم الحركة كون ذلك يترتب عليه الاعتقال والسجن لدى الاحتلال، في
حين أن طلبة الجامعة لا يبالون بهذه الناحية.
ومقياس قوة الأحزاب
ضروري في أي مكان بالعالم حتى تصحح مسارها ولا تجد نفسها فجأة خارج التاريخ والجغرافية،
فمثلًا كان الهزائم المتتالية لحركة فتح في مجالس الطلبة ومن ثم التشريعي عام 2006م
درسًا لها لكي تعالج مشكلة الخلافات والصراعات الداخلية التي كانت تترك أثرها المدمر
عليها كل مرة.
وكشفت عودة حماس للتنافس
في مجالس طلبة الضفة منذ عام 2012م وضعف نتائجها أنها لا تستطيع الرهان على تاريخها
أو تمسكها بالثوابت، وأنه يجب أن تحتك بالجماهير وتتواصل معهم في الميدان، كما يجب
عليها التأكيد على عملها المقاوم بشكل متجدد.
وتعتبر جامعة بيرزيت
حالة خاصة وأنها البارومتر الذي يقيس قوة التنظيمات بأكثر دقة ممكنة؛ فمن ناحية تركيبة
الجامعة تميل قليلًا نحو العلمنة واليسار ومن الناحية الأخرى تميل الجامعات عمومًا
إلى حماس بشكل أكبر من المجتمع بشكل عام، وبالتالي فالعاملين المتعاكسين يجعلان بيرزيت
مؤشر دقيق (إلى حد ما) على مزاج الشارع الفلسطيني.
ثانيًا: الجامعات صاحبة القرار
بالحرب والسلم؛ في التاريخ الفلسطيني المعاصر فصاحب الشرعية وصاحب القرار الحقيقي في
الساحة السياسية والنضالية هو من يستطيع دفع الثمن (سجنًا وملاحقةً وشهادة)، ولطالما
كان طلاب الجامعات في طليعة المقاومين وطليعة العمل السياسي، وبالتالي كانت الساحات
الطلابية في الجامعات (وبالأخص في جامعات الضفة بفترة ما بعد أوسلو حتى اليوم) هي القاطرة
التي تقود العمل الوطني.
فمن يسيطر على الجامعات
يسيطر على صنع القرار السياسي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أغلب عناصر وقادة القسام
في الضفة منذ أواخر التسعينات حتى اليوم هم من أبناء الكتلة الإسلامية، ولو أخذنا على
سبيل المثال قسم الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت فقد كان من طلابها: الشهداء القادة
يحيى عياش، وصالح التلاحمة، وأيمن حلاوة، والقائد القسامي الأسير محمود شريتح.
وقياسًا على ذلك نجد
تواجد أبناء الكتلة الإسلامية (طلابًا وخريجين) الطاغي في النشاطات المسجدية والجماهيرية
والمقاومة الشعبية.
كما كانت الجامعات
معقل حماس الحصين الذي تنكفؤ إليه كلما اشتدت الحملة ضدها خارج أسوار الجامعات، فكان
فقدانها الجامعات في الضفة بعد أحداث الانقسام عام 2007م سببًا في انحسار فعلها وفاعليتها
في كامل الساحات بالضفة، مما أدى لاستفراد السلطة بقرار الضفة طوال الفترة الماضية
رغم ضعفها وإفلاسها الوطني والسياسي.
فاستعادة الكتلة الإسلامية
زمام المبادرة يبشر بإعادة الروح إلى جسم حماس في الضفة، وتعزيزًا لثقة أبناء الحركة
بأنفسهم وقدرتهم على الفعل والتأثير رغم الاعتقالات والملاحقات والتضييق الأمني.
كيف انتصرت الكتلة الإسلامية وما دلالات ذلك؟
قادت الكتلة الإسلامية
تحالفًا مع اليسار في جامعة بيرزيت عام 1993م استطاع هزيمة حركة فتح، واعتبر ذلك الانتصار
تاريخيًا في حينه، واليوم بعد 22 عامًا استطاعت الكتلة الإسلامية أن تحسم أكثر من نصف
مقاعد الانتخابات لوحدها (26 من أصل 51) متفوقة على فتح واليسار معًا، وهي نتيجة لم
تحققها في تاريخ بيرزيت، حيث بلغت أعلى نتيجة وصلت لها عام 2006م 25 مقعدًا بالتحالف
مع الجهاد الإسلامي.
فهذا النصر الساحق
الذي حققته الكتلة الإسلامية (وقبلها بيوم انتصار جامعة البوليتكنك) هي لطمة على وجه
10 سنوات من الحرب المحمومة المشتركة (بين السلطة والاحتلال) ضد البنية التحتية لحماس
في الضفة، والتي بدأت عام 2005م بخطوة تجفيف مصادر تمويل الحركة ومحاصرتها، وما تلاها
من حملات "جز الأعشاب" والتي كانت تهدف لضرب بنية حماس قبل أن تفكر بفعل
شيء.
يمكن تلخيص أسباب
هذا التقدم بالآتي:
أولًا: انتصار المقاومة
في حرب غزة، وتحقيقها إنجازات غير مسبوقة مثل قصف تل أبيب وما وراء تل أبيب وعمليات
الانفاق وأسر الجنود وهزيمة قوات النخبة (جولاني وجبعاتي)، بالإضافة للانتفاضة الفاترة
التي شهدتها القدس والضفة في النصف الثاني من العام الماضي، وخطف القسام للمستوطنين
الثلاثة في الخليل.
كلها أمور أكدت على
صوابية خيار المقاومة، وأكدت على أن حماس اليوم مثل حماس الأمس هي التي تسيرفي مقدمة
العمل المقاوم وهي الأقدر على قيادته.
القسام كان حاضرًا بقوة في دعاية الكتلة الإسلامية الانتخابية |
ثانيًا: انهيار مشروع السلطة
السياسي مع تجمد المفاوضات وتوقفها، وجاء فوز اليمين الصهيوني ليدفن أي أمل بعودة المفاوضات،
بالإضافة لخطوة قطع الاحتلال لأموال الضرائب عن السلطة وأزمة الرواتب لتظهر خواء مشروع
فتح وتهالكه وتحول السلطة إلى سمسار يعمل لصالح الاحتلال وفق مبدأ التنسيق الأمني مقابل
الراتب.
وجاءت محاولة فتح
ركوب موجة المقاومة الشعبية ضعيفة وهزيلة، كونها محكومة بسقف التنسيق الأمني وحرص السلطة
على عدم الدخول بصدام مع الاحتلال.
ثالثًا: كانت العودة المتدرجة
خلال السنوات الأخيرة للكتلة الإسلامية إلى الساحة الطلابية والاحتكاك بالطلبة، وعودة
الثقة إلى أبناء الكتلة الإسلامية، سببًا في اقتراب الكتلة من نبض الطالب ونبض الشارع
الفلسطيني، مما أعطاها دفعة لا يجب الاستهانة بها.
وأخص بالذكر النشاطات
النقابية والخدمية التي كانت تقدمها للطلبة، فالكثير من الإسلاميين يستهينون بها ويظنون
أنهم خلقوا فقط للمهام العظيمة، لكن حتى تقنع الناس أنك قادر على المهام العظيمة فيجب
أن تثبت لهم أنك قادر على القضايا اليومية والبسيطة، ويجب أن تشعرهم أنك جزء منهم ولست
من كوكب آخر.
حاولت فتح استغلال هذه الصورة لتشويه حماس فانقلبت عليها |
ولعل صورة الطالبة
المتبرجة التي تحمل راية حماس يثبت قدرة الكتلة على الوصول إلى كافة الفئات الاجتماعية،
أما من يعترض على تأييد فتاة غير محجبة للكتلة الإسلامية أو رفعها للراية الخضراء،
فهو لا يدرك معنى مؤيد ومناصر ولا يفرق بينه وبين النشيط أو القيادي.
علاوة على ذلك فهذا
يدل على عدم فهم الدين وحصره في الحجاب والشكل، فلو أردنا الاعتراض على رفع كل صاحب
معصية علم حماس فسنتعرض على الملايين، لكنها العقول الضيقة التي لا ترى في الدين إلا
حجابًا ولحية.
رابعًا: تتميز عملية فرز
النتائج في جامعة بيرزيت بأنها تتم وفق السنة الدراسية، وهذا يهمنا من ناحية أنه من
ناحية تاريخية فطلبة سنة أولى يميلون إلى حركة فتح، وذلك لأسباب عدة أهمها هو ضعف تواصل
الحركة الإسلامية مع طلبة المدارس الثانوية.
وفي السنوات الثمانية
الأخيرة انعدم تقريبًا تواصل حماس المباشر مع طلبة المدارس الثانوية في الضفة، وهذا
أسهم في ضعف نتائجها بالانتخابات، لكن نتيجة طلبة سنة أولى في انتخابات بيرزيت لهذا
العام تشير إلى تفوق طفيف للكتلة الإسلامية لأول مرة في التاريخ.
وهذا معناه نجاح الكتلة
الإسلامية بالتواصل النقابي والخدمي معهم من ناحية، وأيضًا يعني أن إعلام حماس (مثل
شخصية أبو عبيدة خلال حرب غزة) استطاع الوصول إلى هؤلاء الطلبة، وبالأخص من خلال الإعلام
الجديد (الانترنت)، ونجد اليوم الجيل الأصغر سنًا في الضفة تعرف على حماس من خلال الانترنت
والإعلام وهذا يلعب دورًا هامًا بتشكيل شخصيتهم، وقد أطلقت عليهم في مقال سابق اسم
الحمساوي الجديد.
خامسًا: إدراك الكتلة الإسلامية
أهمية قطاع الطالبات، فعلى مدار السنوات الماضية كانت واجهة الكتلة الإسلامية ذكورية
وتعتبر بنات الكتلة الإسلامية مجرد ملحق، لكن مع الاستنزاف المستمر لشباب الكتلة في
الاعتقال ومع تغير ديموغرافية الجامعات (فقبل عشرين عامًا كان ثلثي الطلبة من الذكور
أم اليوم فثلثي الطلبة من الإناث) كان لا بد من تفعيل قطاع الطالبات في الكتلة الإسلامية
وقد تم تحقيق إنجازات طيبة بهذا الاتجاه.
والفيديو المرفق يثبت
أمرين: عمل طالبات الكتلة بشكل مستقل وبعيدًا عن العقد الاجتماعية التي ترى في صوت
المرأة عورة، وقدرة الكتلة على التواصل مع جميع الطالبات.
وماذا بعد؟
حتى لا يكون الانتصار
مجرد حدث نتفاعل معه ثم لا يتغير شيء يجب القيام بعدة خطوات، أهمها:
الأولى: رغم انتصار الكتلة
وقدرتها على تشكيل المجلس لوحدها فيجب أن تسعى لمشاركة الآخرين لتؤكد على مصداقية طرحها
بأنها لجميع الطلبة، رغم أن فتح لن توافق على الأرجح، لكن من المهم الاثبات أنك تلتزم
بشعاراتك فعلًا وليس قولًا.
الثانية: التواصل مع الشارع
والناس العاديين هو مفتاح الانتصار على أي مستوى كان؛ في الجامعات وفي النشاطات الجماهيرية،
وفي العمل الخيري، والعمل النقابي، والمقاومة، يجب هدم الأسوار بين الحركة وبين الناس
العاديين.
الثالثة: قدرة حماس على تحقيق
انتصار تاريخي في بيرزيت رغم الملاحقة المزدوجة من جانب الاحتلال والسلطة، ورغم انعدام
مصادر التمويل، يثبت أن السلطة فزاعة تسكن داخل صدور شباب الحركة وليست قدرًا لا مفر
منه.
فرغم الانتصارات إلا
أنه ما زال هنالك شريحة من أبناء حماس نفسياتهم ما زالت حبيسة جدران الاضطهاد والانكسار
واليأس ولا يفكرون بكسرها.
الرابعة: ما زالت نظرة الكتلة
الإسلامية إلى جناح الأخوات قاصرة وتعاني من نظرة أبوية، ويجب كسر عقد اجتماعية لا
علاقة لها بالدين مثل اعتبار صوت المرأة عورة وعدم تقديمها في المناسبات العامة، ويجب
على الكتلة الإسلامية أن تشرك بنات الكتلة (من صاحبات الكفاءة) بفاعلية في مجلس الطلبة،
بثلاثة أو أربعة مقاعد على الأٌقل.
الخامسة: يجب أن تعود حماس
إلى المساجد وعدم تركها خواء بحجة الملاحقة الأمنية، فقدرة الكتلة الإسلامية على العودة
إلى ساحة الجامعات رغم الملاحقة الأمنية تثبت أن العودة إلى المساجد أمر ممكن، صحيح
سيكون له ثمن، لكن هل توجد مقاومة بلا ثمن؟ وهل هنالك جهاد بلا ثمن؟
السادسة: اهتمام أكبر من الحركة
بالإعلام، وبالأخص الإعلام الجديد كونه أكثر مرونة وموجه للفئات العمرية الأقل، مع
أهمية التركيز على القضايا الوطنية ومواجهة الاحتلال، والابتعاد عن المناكفات مع فتح.
فكلمة من أبو عبيدة
أكثر تأثيرًا من آلاف التقارير عن تجاوزات السلطة وانتهاكاتها، فالناس ينفرون من المناكفات
الفصائلية ويجتمعون حول المقاومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق