أسدلت
الستارة على سيرة طاغية عربي بمقتل علي صالح إلا أن مستقبل اليمن أصبح أكثر
غموضًا، فإلى أين تسير الأحداث؟
خلفية
عامة:
سيطر
الحوثيون على مساحات واسعة في الشمال اليمني، من خلال تحالفهم الوثيق مع علي صالح
عام 2014م، وبفضله تمكنوا من الاستيلاء على قسم كبير من سلاح الجيش اليمني الذي
كان بحوزة صالح وأنصاره.
ورغم أنه
تحالف مصلحي انتهازي بالدرجة الأولى، إلا أن الحوثيين وعلي صالح يأتون من خلفية
"اجتماعية قبائلية" متداخلة، وهذا سهل على الحوثيين اختراق قوات علي
صالح.
الصراع
في اليمن متعدد الجهات، ويمكن اختصارها بالآتي:
أولًا: تحالف
الحوثيين مع علي صالح ويسيطر على صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن.
ثانيًا: قوات
الشرعية: وهي مكونة من الجيش اليمني (باستثناء القوات التابعة لصالح مثل الحرس
الجمهوري) بالإضافة للمقاومة الشعبية التي يعتبر الإخوان المسلمين جزء منها.
وتسيطر
على اليمن الجنوبي وعلى مناطق في اليمن الشمالي مثل تعز ومأرب.
ثالثًا: القوات
الإماراتية وهي تتصرف كقوة احتلال في مناطق جنوبي اليمن وتسعى لتقسيم اليمن،
وتحاصر المقاومة في تعز وتمنع عنها السلاح، وتحارب قوات الشرعية في عدن ومختلف
مناطق الجنوب.
رابعًا: القوات
السعودية وهي تتشكل بشكل رئيسي من القوة الجوية التي تقصف مناطق الحوثيين وعلي
صالح، وتقدم الدعم المحدود لقوات الشرعية في شرق اليمن (مأرب).
والدور
السعودي ليس تخريبيًا مثل الدور الإماراتي، إلا أنه سلبي وغير حاسم، وفشل مرارًا
باستغلال الفرص لحسم الحرب عسكريًا.
الأحداث
الأخيرة:
كان لدى
الإمارات تصور قائم على إقصاء الإخوان وإفشال أي خيار ديموقراطي في اليمن، وراهنت
على إعادة علي صالح لرئاسة شمال اليمن، فيما تستفرد هي باحتلال جنوبي اليمن، وكانت
السعودية تسايرها بهذا المخطط.
والتخبط
والتيه السعودي في اليمن واضح، ولهذا لم تستطع السعودية الاستفادة من الانشقاق بين
علي صالح والحوثيين، وكان تدخلها متأخرًا وباهتًا.
ربما لو
انتصر صالح على الحوثيين لأوقف مشروعهم الطائفي، إلا أننا كنا سننتقل لمشاكل
وألغام جديدة تفتعلها الإمارات.
وفي
النهاية استطاع الحوثيون حسم القتال العسكري في صنعاء بسرعة، وهذا يدل على مدى
اختراقهم لقوات علي صالح، كما أن الطبيعة العقائدية لقواتهم أعطتهم أفضلية في
القتال.
تداعيات
مقتل علي صالح:
لا شك أن
الحوثيين عززوا من حضورهم العسكري والميداني، لكنه على حساب حليفهم علي صالح، وما
زال مبكرًا الحكم على مستقبل القوة العسكرية التي كانت تحارب تحت أمرة صالح، هل
ستذهب إلى الحوثيين أم يتمكن التحالف العربي من استمالتهم وقلبهم ضد الحوثيين.
لكن في
كل الأحوال الحوثيين خسروا من الناحية السياسية والحاضنة الاجتماعية، فخسروا
الغطاء السياسي الذي كان يوفره صالح لهم، وأصبحوا اليوم لوحدهم في اليمن مقابل
باقي أطياف الشعب اليمني.
كما أن
الحاضنة الاجتماعية لعلي صالح أقوى وأكثر امتدادًا من حاضنة الحوثيين، وهذا سيؤثر
سلبًا عليهم، إلا أن الميزان الحاسم هو حسم مصير القوات التابعة لصالح والمتوزعة
في مناطق عدة باليمن، والتي يرجح الكثير من المراقبين أن يستطيع الحوثيين السيطرة
عليها.
مستقبل
اليمن:
لو كان
الحوثيون يتمتعون بالذكاء والحنكة لقبلوا الآن تسوية سياسية تحفظ ماء وجههم، لأن
المستقبل الذي يواجههم ليس في صالحهم، رغم ضعف أداء السعودية وتخبطها.
لكن
تفكيرهم الإقصائي، والمشابه لتفكير داعش في الكثير من الأوجه، سيمنعهم من عقد أي
صفقات أو تسويات.
وفي
المقابل فالمشروع الإماراتي لإعادة انتاج نظام علي صالح أصيب بضربة في الصميم،
وربما سيحاولون تأهيل ابن علي صالح لوراثة دوره، فهل سينجحون في ذلك؟
قوات الشرعية
تستطيع حسم الحرب لو تلقت الدعم الكافي من السعودية لكن هذا لم يكن متوفرًا، ولا
أظن السعودية ستغير من موقفها.
إلا أنه
يحسب لقوات الشرعية أنها استطاعت سابقًا تحقيق إنجازات رغم الدور التخريبي
للإمارات، مثل ما حصل في فك الحصار عن تعز رغم قلة السلاح والعتاد.
في
النهاية:
مقتل
صالح اجهض المخطط الإماراتي لتقسيم اليمن وإعادة انتاج النظام القديم.
أما حسم
صراع قوات الشرعية مع الحوثيين فتحكمه مصير قوات علي صالح، رغم أن الترجيحات تميل
إلى سيطرة الحوثيين عليها، مما يعني استمرار الصراع كما هو دون تغييرات جوهرية.
شهدنا في
الأيام الماضية تمكن قوات الشرعية من استغلال الصراع بين الحوثيين وعلي صالح في
التقدم على جبهة صنعاء، لكنها لم تتمكن من قلب الموازين بشكل جوهري، وربما هذا
يلخص الوضع على المدى القريب.
ويبقى
الأمل على المدى البعيد أن تستطيع الشرعية اليمنية من استمالة أنصار علي صالح
وحصار الحوثيين، وبالتالي حسم الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق